نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء الزهراء عليها السلام في التعقيب بالنسبة الى صلاة العصر ، حيث نواجه مقطعا جديداً هو (اللهم انك عفّو تحب العفو، فاعف عني، اللهم احيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفنّي اذا كانت الوفاة خيراً لي) .
هذا المقطع من الدعاء يتضمن موضوعات جديدةً ، بطبيعة الحال، الا ان التكرار لموضوع الحياة والموت، والتوسل بالله تعالى بان يجعل الحياة خيراً له، أو ان يجعل الوفاة هي خيراً له، . . . هذا الموضوع جاء متكرراً في هذا المقطع، علماً بان الموضوع نفسه ورد في مقطع اسبق، . . . ولذلك فان القارئ للدعاء يتساءل : ما هي الاسرار الكامنة وراء التكرار لهذا الموضوع؟
هذا ما نبدأ بتوضيحه الآن.
قبل ان نحدثك عن التكرار لعبارة او موضوع الحياة والموت وانتخاب الاصلح للشخصية ، ينبغي ان نحدثك عن العبارة التي سبقت هذا الموضوع، وهي (اللهم إنك عفوّ تحبّ العفو فاعف عني) . . . هذه العبارة اذا قارناها بعبارة وردت في النص الاسبق وهي: (اللهم اصلح لي ديني فانه عصمة أمري)، نجد أن التكرار لموضوع الحياة والموت جاء في المقطع السابق في سياق الحديث عن التوسل بالله تعالى بان يعصم قارئ الدعاء، فجاء التوسل بزيادة العمر اذا كان خيراً أو الموت اذا كان خيراً، متجانساً مع العصمة، لان العصمة معناها ان يعصم الله تعالى العبد من الذنب . . .
اذن: العبارة التي تتحدث عن الموت والحياة، جاءت في سياق خاص هو ماذكرناه .
ولكن التكرار للعبارة من جديد جاء في سياق جديد فما هو هذا السياق؟
السياق كما لاحظنا هو (اللهم انك عفوّ تحبّ العفو، فاعف عني) . . . فمنها يرتبط الموضوع بعفو الله تعالى عن عبده، فاذا كان الموت قد سبقه العفو، فهو اولى، واذا كانت الحياة يتعقبها العفو فالحياة اولى . . .
اذن: يختلف السياقان اللذان ورد فيهما التكرار، وهذا أحد السمات البلاغية التي تطبع الدعاء المذكور . . .
بعد ذلك تواجهنا عبارة (اسألك خشيتك في الغيب والشهادة) وعبارة ( والعدل في الغضب والرضا ) فماذا تعني العبارتان؟
اما الاولى وهي (اسألك خشيتك في الغيب و الشهادة) فتعني ان العبد ينبغي عليه ان يخشى الله تعالى في سلوكه، سواءا كان السلوك يقترن بمشاهدة الآخر، أو بمعزل منه حيث ان الملتزم بمبادئ الله تعالى يظل ملتزماً بذلك طيلة حياته أو طيلة ممارسته للسلوك، بعكس المراني أو من يمزج عملاً صالحاً بطالح، حيث ان هذين النمطين لا يخشيان الله تعالى بقدر ما يخشيان الناس كما هو واضح .
اخيراً: ماذا تعني عبارة (وأسألك العدل في الغضب و الرضا) ؟
الجواب: العدل هو اصدار الحكم على الآخر بنحو موضوعي و محايد. سواءا كان الحاكم في حالة غضب أو رضا، لان المطلوب هو اصدار الحكم – كما قلنا – موضوعياً ، . . . وهذه الظاهرة من الأهمية بمكان كبيرة حيث ان النصوص الاسلامية تحذّر الانسان من اصدار الحكم بصورة غير موضوعية . . .
ختاماً : نسأله تعالى ان يجعلنا عادلين في احكامنا، وأن يوفقنا الى الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب .
*******