لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها ادعية الزهراء (عليها السلام)، حيث حدثناك عن احد أدعيتها عبر مقاطع متسلسلة، وانتهينا من ذلك الي مقطع ورد فيه: (اللهم أنزع العجب، والكبر، والبغي، والحسد)، ثم (والضعف والشك والوهن،...)، ان هذه المفردات تتضمن معالجة للامراض النفسية المعروفة: كالعدوان، والكبر، والعجب، والحسد، وقد حدثناك عنها سابقاً، اما الآن فنحدثك عن ثلاث مفردات من امراض النفس ايضاً، هما: الشك، والضعف، والوهن،...
قد يتسآل قارئ الدعاء: ما هي علاقة الضعف وعلاقة الوهن بالمرض النفسي أو بالعصاب؟ ان (الشك) فحسب، هو المنتسب لأمراض النفس، اما الضعف والوهن فلا يطمئن القارئ الي السمة النفسية لهما.
هذا هو سؤال القارئ للدعاء، ولكننا نجيبه علي النحو الآتي: بالنسبة الي (الشك) الذي يعني: عدم قدرة الشخصية علي اتخاذ القرار الحاسم، أو عدم ثقتها بالاخر، بحيث تشك في هذه الظاهرة او الشخص، وهذا النوع من السلوك طالما ينسبه علماء النفس أو يجدونه متسللاً في اكثر من مرض من امراض العصاب: كالقلق، والكآبة، والحصر، ويعنينا منه ما لاحظته الزهراء (عليها السلام) من هذه السمة حيث توسلت بالله تعالي - علي لسان القارئ للدعاء - بان ينزع الله تعالي الشك من الشخصية.
ولا نحتاج الي كبير تأمل حتي ندرك في نطاق السلوك العبادي الي ان الشك قد يتسرب اذا اصبح سمة طاغية حتي علي الموقف العقائدي للشخصية كالشك في وجود الله تعالي أو الانبياء أو المبادئ الشرعية ولذلك فان التوسل بالله تعالي بان ينزع الشك من قراء الدعاء يظل حاملاً مسوغاته التي اشرنا اليها.
يبقي الحديث عن كل من (الضعف) و (الوهن)، فما هي علاقتهما بالعصاب؟
يقرر المعنيون بالمبادئ الصحية بان الشخصية السوية هي من تمتلك قوة نفسية، وقدرة حاسمة علي ممارسة السلوك، فالضعف النفسي يحجز الشخصية عن السلوك المطلوب، انها تتحسس بالعجز عن بلوغ هدفها الذي تسعي اليه. كذلك الشخصية المتسمة بالوهن، والوهن هنا يقصد به (الوهن العصبي) الذي هو: تعبير عن فقدان الثقة، واتخاذ القرار، وحسم الموقف. ان الموهون عصبياً يتحسس بالتعب النفسي الذي يجعله مشلولاً لا قدرة له علي مقاومة شدائد الحياة، من هنا يتجانس مرض (الوهن) مع (الضعف النفسي) كما يتجانسان مع ظاهرة (الشك) الذي هو بدوره تعبير عن عدم ثقة الشخصية بذاتها.
اذن المفردات الثلاث التي لاحظناها قبل قليل تظل متجانسة في دلالاتها وهو امر يكشف عن خطورة ما طرحته الزهراء (عليها السلام) من مفردات السلوك حيث توسلت بالله تعالي ان ينزع عنا - نحن القراء للادعية - هذه السمات العصابية.
*******