نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها ادعية الزهراء (عليها السلام) حيث حدثناك عن أحدها الخاص بتعقيب صلاة العصر، ونحدثك الان عن مقطع جديد، بدأ علي النحو الآتي: (اللهم انزع العجب، والرياء، والكبر، والبغي، والحسد، والضعف والشك، ...).
هذا المقطع من الدعاء يتناول ظواهر من السلوك، حيث يتوسل الدعاء بالله تعالي ان ينزع عن قارئ الدعاء انماطاً من السلوك السلبي، او ما يطلق عليه مصطلح (السلوك العصابي)، اي: الشاذ مقابل السلوك الصحي أو السوي ومما لا ترديد فيه ان الادعية الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام) لا تتناول ما هو العبادي من السلوك فحسب، بل تتناول الظواهر التي ترتبط بالسلوك الانساني العام وهو سلوك ينشطر في التصنيفات العلمائية الي نمطين رئيسين هما: السلوك السوي ويقابله السلوك الشاذ او المرضي وهذا الاخير اي السلوك الشاذ ينشطر الي قسمين احدهما: السلوك العصابي، والاخر: السلوك الذهاني، اي: ما يرتبط باعراض الجنون.
والمهم الان ان الزهراء (عليها السلام) عرضت لنا مجموعة من السلوك العصابي، وسألت الله تعالي ان ينزع عنا هذا النمط من السلوك وقبل ان نحدثك عن مفردات السلوك العصابي نذكرك بان الاسلام يختلف عن غيره من المدارس العلمانية بانه لا يفرق بين جذر المرض العصابي بين ماهو عصابي في نظر العلمانية وبين ما هو معصية في نظر الاسلام، اي: ان المعصية والامراض العصابية تنتسب الي جذر واحد هو: المرض النفسي كالغيبة مثلاً حيث هي تعبير عن نزعة عدوانية في التصور الاسلامي، حيث ان التصور العلماني يقر بان النزعة العدوانية هي مرض نفسي والآن بعد هذه المقدمة نتجه الي دعاء الزهراء (عليها السلام) في مقطع الدعاء الذي ذكرت فيه سلسلة من الامراض، وتوسلت بالله تعالي بان يشفينا منها، واولها (العجب ). فماذا نستلهم من هذه السمة العصابية؟
قال الامام علي (عليه السلام): (العجب يمنع من الازدياد) كما المح بان اعجاب المرء بنفسه يدل علي هزال عقله.
ان اشارة الامام (عليه السلام) الي العجب يقتادنا الي البحث عن جذره وهو ما يفصح عن الاحساس بالنقص لدي الشخصية وما اشاره الامام علي (عليه السلام) الي ضعف العقل الا عبارة عن التلميح الي ضعف النفس لان النفس تعكس اثرها علي عقل المرء، وكذلك اشارته الي ان العجب يمنع من الازدياد انما يؤشر علي آثاره، ولعل اوضح الآثار هو: ان العجب بنفسه يخيل اليه كمال نفسه، فلا يسعي الي تطويرها ولا يلتفت الي عيوبها فيظل علي ما هو عليه من الضعف النفسي والعقلي بالاضافة الي مرضه النفسي الناجم عن الاحساس بالنقص حيث يعوض هذا الاحساس بالدونية باحساس مضاد هو الفوقية، فيعجب بنفسه ليتستر علي النقص المذكور.
بعد ذلك نواجه مفردة او سمة (الرياء)، فماذا نستلهم منها؟
الرياء سلوك مضاد لما هو عبادي اي: لما هو سلوك موضوعي يعمل من اجل الله تعالي فحسب، حيث ان العامل لله تعالي يجسد قمة السلوك السوي وذلك لسبب واضح هو: عدم انعكاس اي ذاتية علي تصوراته حيال نفسه، لذلك نجده يعمل من اجل الله تعالي ويمسح ذاته (اناه) ويعمل بشكل موضوعي لا اثر له من العيوب النفسية.
بالمقابل نجد (الرياء) تجسيداً لقمة السلوك الذاتي الذي لا يعني الا باشباع ذاته المريضة، فيلجأ الي الرياء لينتزع من الناس اعجابهم به وسنحدثك عن المزيد من هذا الجانب في مناسبات لاحقة ان شاء الله تعالي.
*******