البث المباشر

شرح فقرة: "اللهم إنا نشكو إليك، ..."

الأربعاء 31 يوليو 2019 - 11:31 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " اللهم إنا نشكو إليك " من أدعية الإمام المهدي عليه السلام.

 

بسم الله وله خالص الحمد والثناء إذ جعلنا من أمة سيد الأنبياء وأهل مودته ومودّة آله الأصفياء صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. السلام عليكم مستمعينا الأعزاء، أهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم هذا نتوقف فيها متأملين في مقطع جديد من دعاء عصر الغيبة نتوجه به إلى الله عزوجل قائلين: (اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا وغيبة ولينا وشِدَّة الزمان علينا ووقوع الفتن بنا وتظاهر الأعداء علينا وكثرة عدونا، وقلة عددنا، اللهم ففرج ذلك بفتح منك تعجله ونصر منك تعزه، وإمام عدل تظهره، إله الْحَقِّ آمين، رَبَّ الْعَالَمِينَ). 
تعلمون أيها الإخوة والأخوات أنّ الشكوى من الصعوبات والبلايا التي يَمُرُّ بها الإنسان تكون ممدوحة إذا كانت لله عزوجل أو كانت للأخ المؤمن لأنها في واقعها شكوى لله عزوجل. والعلة هي أنّ الإنسان إذا شكى للمؤمن ما به يحصل منه على مواساته بما يستطيع أو بالدعاء له من الله عزوجل لكي يكشف عنه الهمَّ والغمَّ، وهذا هو هدف الإنسان من بثه الشكوى لله عزوجل. وفي المقابل صَرَّحتِ النصوص الشريفة أنّ الشكوى تكون مذمومة إذا بثها الإنسان لغير المؤمن من أهل العناد، لأنها تكون شكوى من الله عزوجل، والعلة واضحة لأن المعاند سيشمت بالشاكي وسينسب ما نزل به إلى الله عزوجل بما يبعث فيه سوء الظن بالله تبارك وتعالى.
والمستفاد من القرآن الكريم أنّ بَثَّ الشكوى إلى الله من سنن الأنبياء (عليهم السلام) كما ورد في سورة يوسف من نقل قول أبيه يعقوب (عليهما السلام) لما اعترضوا على حزنه على يوسف وأخيه، قال عزوجل: «وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، قَالُواْ تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ، قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ».
واضح - مستمعي الكريم - من التدبر في هذه الآية الكريمة، أنّ الشكوى إلى الله عزوجل مما ينزل بالإنسان من همٍّ وحزنٍ فيه آثار وبركات خفية عن الناس يعلمها الأنبياء (عليهم السلام) «وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ».
(وعند ما) نلاحظ أنّ جواب نبي الله يعقوب (على نبينا وآله وعليه السلام) جاء ردّاً على تحذيرات المعترضين له من الهلاك، نفهم حينئذٍ أنّ لبثِّ المؤمن شكواه إلى الله آثاراً إيجابية مُضادَّة لما توهَّمَهُ المعترضون على استمرار حزنه. بعض هذه الآثار الإيجابية نتطرق إليها بعد قليل فتابعونا مشكورين.
إنّ بَثّ الشكوى عموماً من شأنه أن يخفف الضغط النفسي الذي توجده الصعاب والمَشاقُّ والإبتلاءات، وهذه قاعدة نفسية معروفة. وتخلو هذه الثمرة من الآثار السلبية إذا كان من يشكو له الإنسان ليس من أهل الشماتة والعتاب واللوم كما تقدم. وفي الشكوى للكريم ثمرة إضافية مهمة هي الحصول على العون الذي يدفعه إليه كرمه.
وفي الشكوى للرؤوف الرحيم ثمار إضافية هي الحصول على مواساته التي تدفعها إليه رأفته ورحمته. وفي الشكوى للحكيم العليم ثمار مباركة أخرى هي الحصول على هدايته لما يستعين به الإنسان لتحمل الهمِّ والحزن أو دفعهما.
وفي الشكوى للقدير إستعانة بقدرته مباشرة لدفع الهمِّ والحزن والكرب وكشف آثارها المؤذية. والله عزوجل هو أكرم الأكرمين وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وأعلم العلماء وأحكم الحكماء وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فالثمار المشار إليها تتحقق من الشكوى إليه عزوجل وبأعلى درجاتها.
كما أن الشكوى لله عزوجل هي في جوهرها نمط ومرتبة من العبادة الخالصة إذا خلت من الإعتراض على حكمته وانطلقت من حسن الظن به جل جلاله. والدليل على هذه الحقيقة هو أنّ الشكوى تعني ظهور العبد بين يدي ربه الجليل بمظهر الضعف والإفتقار لله وهذا هو لبُّ العبودية، وهو الذي يُبْعِدُ الإنسان عن الإستكبار، والإستكبار هو العقبة الأساسية التي تصُدُّ الإنسان عن العبودية الحقة لله عزوجل كما يُصرِّحُ بذلك القرآن الكريم في الجواب الإلهيِّ على عدم سجود إبليس لآدم (عليه السلام). وعليه يَتـَّضِحُ أن الشكوى تشترك مع أصل الدعاء والطلب من الله عزوجل في نفي الإستكبار عن الإنسان.
وهذا هو آخر ما يسمح به وقت البرنامج من الحديث عن بركات الشكوى إلى الله عزوجل ولا يبقى لنا إلا أن نشكر لكم أيها الأعزاء طيب المتابعة لهذه الحلقة من برنامج (ينابيع الرحمة) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران. دمتم بكل خير وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة