بسم الله والحمد لله عصمة المعتصمين، وأزكى صلواته على منارات أمانه وسفن نجاته وكنوز رحمته محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم إخوة الإيمان، على بركة الله نلتقيكم في استنارةٍ جديدةٍ بأنوار أدعية أهل بيت الرحمة (عليهم السلام) ومنها الدعاء المهدوي الجليل الذي أمرنا بتلاوته في عصر غيبة مولانا المهدي (عجل الله فرجه) والمعروف بدعاء المعرفة، وقد بلغنا بتوفيق الله إلى الفقرة التي يدعو بها المؤمن لإمام العصر (أرواحنا فداه) قائلاً: (اللهم أعذه من شر جميع ما خلقت وبرأت وذرأت وأنشأت وصوَّرت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك ووصيَّ رسولك عليهم السلام، ...).
أول ما نلاحظه على هذه الفقرة هو تنبيهها المؤمن المُحِبَّ لإمام زمانه لكثرة الأخطار التي تهدده (أرواحنا فداه)، فهي أخطار تحفُّ به من كل جانب فيجب على شيعته ومحبيه الدعاء له أن يحفظه الله عزوجل من أن يصله الأذى والشرور من كل جانب. كما أنّ هذه الشرور والأذى والأخطار لا تأتيه (سلام الله عليه) من جهة أعدائه فقط بل ومن غيرهم أيضاً كما هو المستفاد من الإطلاق في ألفاظ الفقرة الدعائية المتقدمة. وهذا يعني أنّ الأذى قد يأتيه أيضاً من جهة حتى شيعته (أرواحنا فداه)؛ من هنا نعرف أنّ الدعاء هنا بحفظ إمام العصر يتضمن توجُّهَ الداعي إلى ربه الجليل أن يحفظ الإمام حتى من الأذى الذي يأتيه (أرواحنا فداه) حتى من الداعي نفسه وهو الموالي المحبُّ لإمام زمانه.
أيها الإخوة والأخوات، ونستنتجُ مما تقدَّم أنّ تنبيه الفقرة المتقدمة على شمولية الأخطار والأذى والشرور التي تحفُّ بإمام العصر، يدعو المؤمن لأمرين تربويين مهمين تجاه إمامه (عليه السلام):
الأول: هو الإهتمام بدوام واستمرار الدعاء بحفظ الإمام وبتوجُّهٍ قلبيٍ صادقٍ وهذا من شأنه أن يرسِّخ محبته في قلب المؤمن ويقوِّي ارتباطه به، ولذلك ثمارٌ كبيرة في تقريب المؤمن من الله عزوجل.
أما الأمر الثاني: فهو أنه يدفع المحبَّ لإمام زمانه (عليه السلام) إلى أن يراقب سلوكياته باستمرارٍ كي يتجنب القيام بأيِّ عمل يؤذي إمامه سواءٌ كان العمل معصية تؤذي الامام لأنها تستتبع الأذى على الموالي نفسه، او كان سلوكاً يُؤذي الموالي أو غيره من الخلق خاصة مُحبيِّ أهل البيت (عليهم السلام) لأن الإمام يتأذى لكل أذىً ينزل بخلق الله عزوجل لا سيما شيعته، أو كان عملاً يُؤدِّي إلى عرقلة العمل الإصلاحي للإمام أو يُؤدِّي إلى تعريضه لأخطار أعدائه أو يثيرهم عليه (أرواحنا فداه).
أعزائنا المستمعين، وبعد هذه الإستنارة الإجمالية العامة بفقرة هذا اللقاء من دعاء المعرفة المهدوية ننتقل لتناول الدلالات التفصيلية المستفادة من ألفاظها وأوَّلها لفظ (الإعاذة) فما هو المستفاد من استخدام تعبير (أعذه)؟
معنى الإعاذة هو الإجارة والعصمة، والمُعيذُ هو المجير والعاصمُ، وعليه فإنّ الداعي يطلب من الله عزوجل أن يجير ويعصم الإمام (أرواحنا فداه) من الشرور فيدفعها عنه ولا يسمح بأن تمسَّهُ فيكون في حصن الله وعصمته منها. ولكن ما هي مصادر الشرور التي يطلب الداعي أن يعصم إمام العصر منها؟
النص الشريف يجيب على هذا السؤال ببيان مفصَّلٍ فيستخدم أداة (ما) التي تستخدم لغير العاقل أو لغير الإنسان مقابل (من)التي تستخدم للإنسان عادة، فهل المراد حفظ الإمام من شر المخلوقات الأخرى من غير الإنسان؟
في الإجابة عن السؤال المتقدم نقول إنّ الواضح هو أنّ أهمَّ الأخطار التي تتوجَّه لإمام العصر مَصدَرُها البشر سواءٌ كانت عن قصدٍ أو غير قصدٍ فكيف يغفلها الدعاء؟
نعتقد أنّ الدعاء لم يغفلها وإنما استخدم أداة (ما) للتنبيه على حقيقةٍ مهمةٍ هي أنّ من يوجه الشرَّ والأذى لخليفة الله وأمينه وبقيته في أرضه هو بحكم غير العاقل خارج عن حَدِّ الإنسانية إذا كان قاصداً لتوجيه الأذى للإمام (عليه السلام) كالأعداء والطواغيت فهم كَالأَنْعَامِ أو أَضَلُّ سَبِيلاً حسب التعبير القرآني، أما إذا لم يكن قاصداً إيذاء الإمام فهو جاهل بفعله وتبعاته وعليه فحكمه في حال توجيه الأذى - وليس مطلقاً - حكم غير العاقل، وهذا تنبيه إلى ضرورة أن يراقب الإنسان أعماله وأفعاله لكي لا يصدر منه ما يجعله بحكم غير العاقل.
مستمعينا الأفاضل لنا وقفة أخرى عند هذه الفقرة من دعاء المعرفة المهدوي تأتيكم إن شاء الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة) تقبل الله منكم حسن الإصغاء والمتابعة ودمتم بكل خير.