نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام) الخاص بعد زيارته (عليه السلام)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا الى مقطع جديد بدأ بهذا النحو: (اللهم صل على محمد حجتك في ارضك، وخليفتك في بلادك والداعي الى سبيلك، والقائم بقسطك، والثائر بأمرك، …).
هذا المقطع يضطلع بعرض لمجموعة من السمات التي تطبع شخصيته (عليه السلام) حيث صنفها في عدة محاور بدأها بالعبارات المتقدمة حيث يتبعها بمحور آخر من الصفات وهكذا، ونبدأ بالحديث عن المحور الاول، فماذا نستخلص؟
يلاحظ ان مجموعة سمات شخصيته تتناول ما يطلق عليه في اللغة النفسية بالسمات الرئيسة قبالة السمات الثانوية والفرعية. فما هي هذه السمات التي عرضها الدعاء؟
السمات هي: الحجة، الخليفة، الداعي، القائم، الثائر، ان هذه السمات الخمس ترتبط بوظيفة خاصة لكل منها فالاولى هي:(حجتك في ارضك)، والثانية هي: (خليفتك في عبادك) ، والثالثة هي: (الداعي الى سبيلك)، والرابعة هي: (القائم بقسطك)، والخامسة هي: (الثائر بأمرك) . ان كلا من هذه السمات المركبة تختص بمهمة لها استقلالها عن الاخرى، اي: لها استقلالها من حيث دلالتها ولكنها تشكل مع اخواتها خلاصة مهمة الشخصية المهدوية، والان الى كل من هذه السمات، حيث نقف مع الاولى وهي: (حجتك في ارضك)، فماذا نستلهم؟
قبل ان نحدثك عن كل سمة مما تقدم يجدر بنا ايضاً (وهذا الاهم) ان نلفت نظرك الى نكات دلالية في الدعاء يقدر لقارئ الدعاء ان ينتبه عليها الا وهي: ان لكل سمة خصوصيتها المتناسقة مع دلالتها فمثلاً: عبارة (حجتك في ارضك) تتميز عن عبارة: (خليفتك في عبادك)، بأن الاولى: تربط بين الحجة وبين الارض، بينما الثانية: تربط بين الخليفة وبين البلاد.
حينئذ نتساءل: ما هو الفارق بين (الارض) و(البلاد)؟ اليستا تجسدان (المكان) مثلاً؟ فلماذا جاء النص بهذين المصطلحين؟ هذا ما ينبغي لفت النظر اليه وهو: ما يكشف عن الاعجاز البلاغي في الادعية. اذن لنتحدث الان عن السمة الاولى فنقول:
العبارة الاولى تقول: (حجتك في ارضك)، فماذا نستلهم منها: الحجة هو ما يشير الى ما يحتج به الله تعالى على عباده بانه ارسل من يوصل اليهم مبادئ الله تعالى، واما عبارة: (في ارضك)، فتعني: مطلق العوالم الارضية، اي الى الناس اجمعين، ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو: من ارسله تعالى خاتماً للانبياء، كما ارسله الى المجتمعات جميعاً قبالة من ارسله تعالى سابقاً في مجتمع خاص دون سواه، ومن الواضح، ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اوصى بخلفاء له، آخرهم هو الامام المهدي (عليه السلام)، فيكون بذلك هو المضطلع بتوصيل مبادئ الله تعالى الى الآخرين من جانب، وانه يضطلع بتوطيد أركان المجتمع الذي يرث الارض محكوماً بالقسط والعدل، بعد ان تكون قد ملئت ظلماً وجوراً.
اذن (حجتك في ارضك) ، تعني: ان الامام المهدي (عليه السلام) خاتم الاوصياء او الخلفاء لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الحجة المنصوب للناس في مختلف بقاع الارض. ونتجه الى السمة الثانية، فماذا نستلهم؟
السمة الثانية هي: (خليفتك في بلادك)، ترى: ما هو الفارق بين هذه السمة وسابقتها؟
الفارق هو: ان الحجة المنصوب للناس يجسد (خليفة الله تعالى) تبعاً لمعنى الخلافة العامة والخاصة حيث ان البشر يجسدون الخلافة العامة والمعصوم (عليه السلام) يجسد الخلافة الخاصة التي تضطلع بتسلم مبادئ الله تعالى وتوصيلها، واما مصطلح (في بلادك) فتعني: تشخيص موقع الارض بصفة ان الارض تقابل السماء من حيث عموميتها اما من حيث خصوصيتها فتعني: ان كل مكان من الارض يطلق على (البلد) واما الجمع فهو البلاد وبذلك تشمل كل بقاع الارض: اشعاراً بعمومية العالم وليس وطناً او قطراً خاصاً: كما هو واضح:
اذن امكننا ان نتبين جملة من النكات الدلالية الكامنة في العبارات المتقدمة سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يلتزم بمبادئ الله تعالى وبخليفته وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.