نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها ادعية الامام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن احدها الخاص بتعقيب صلاة الفطر، وانتهينا الى مقطع يتوسل بالله بأن يجعل شهر صيامه: (اعظمه اجراً، واتمه نعمة، واعمه عافية، وأوسعه رزقا، وافضله عتقاً من النار، واوجبه رحمة، وأعظمه مغفرة، واكمله رضوانا، واقربه الى ما يحب الله ويرضى)، والسؤال هو: لماذا تتنوع الصفات المرتبطة بالثواب المترتب على الصيام؟ لماذا جاءت بهذا النحو مثلاً (اعظم، أفضل، اتم، اعم، اوسع، أوجب، اكمل، اقرب)؟
لقد جاء الدعاء بالنسبة الى الاجر المترتب على الصيام بعبارة: (اعظمه اجراً)، بينما جاء بعبارة: (اعظمه مغفرة) بالنسبة الى الغفران، وهكذا بالنسبة الى سائر التوسلات حيث يمكن ان يقال عنها مثلاً: (اعظمه مغفرة) و(اعظمه نعمة، ... الخ)، فلماذا هذا التنوع بالنسبة الى معطيات الثواب المترتب على الصوم؟
ان هذا السؤال يتسم بأهمية كبيرة ما دمنا نكرر دواماً بان الدعاء (وسائر النصوص الشرعية) تتسم بالكمال في صياغتها، وتتضمن من النكات ما لا يعيها الا من اوتي وعياً خاصاً بالظاهرة العبادية، يضاف الى ذلك ان قارئ الدعاء ينبغي ان يعي ما يقرأ والا كانت القراءة نشاطاً لسانياً لاقيمة له، والان الى الاجابة عن الاسئلة المتقدمة.
نلفت نظرك اولاً الى موضوعين جاءت العبارتان فيهما موحدة وهي: (اعظم اجراً)، و(اعظم مغفرة)، بينما جاءت العبارات الاخرى مستقلة غير مشتركة، فما هو السر؟
الجواب: ان (الاجر) والْمَغْفِرَةِ يتجانسان في دلالتهما، حيث يرتبطان بالثواب المترتب على العمل، فلابد وان يتسم بما هو (عظيم)من الثواب، وليس الثواب البسيط او المحدود.
اما بالنسبة الى سائر التوسلات التي جاء كل واحد منهما بصفة مستقلة، فان الحديث عنها يتطلب شيئاً من ملاحظة النكات الدلالية فيها، وهذا ما نبدأ به الان.
يلاحظ ان ثلاث صفات من التوسلات جاءت متقاربة الصياغة وهي: (اتمه نعمة) و(اكمله رِضْوَاناً) و(اعمه عافية)، فماذا نستلهم من هذه الدلالات المتجانسة التي تعبر عن التام والكامل والعام؟
الجواب: بالنسبة الى النعمة، فان العبارة المتقدمة وردت في حادثة الغدير عبر قوله تعالى: «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي»، حيث ان الولاية تظل هي المستكملة للدين: كما هو واضح، وهذا ما يفسر لنا نكتة (اتمه نعمة) بالنسبة الى قارئ الدعاء الذي يتوسل بالله تعالى بأن يثيبه على صيامه، بحيث تتم النعمة أو تستكمل العطاءات المترتبة على الصيام.
اما بالنسبة الى رِضْوَانِ الله تعالى، فقد عبر الدعاء عنه بعبارة: (اكمله رِضْوَاناً)، فما هو سر ذلك؟
من البين ان رضاه تعالى مقدم على الثواب المادي (اي: الجنة) تبعاً لشعار الصفوة من العباد الذين يعبدون الله تعالى لانه اهل للعبادة وليس طمعاً بالجنة وهرباً من العقاب، لذلك فان الرضا منه تعالى يطمح القارئ للدعاء بان يكون كاملاً وليس ناقصاً او عدداً.
اما بالنسبة الى عبارة (اعمه عافية)، فاليك النكات المرتبطة به، ان العافية قد تكون جسمية وقد تكون روحية، وهي كذلك قد تكون دنيوية وقد تكون اخروية، وفي الحالات جميعاً تعني العافية: تحقيقاً للتوازن الداخلي للشخصية اي: عدم حدوث الاضطراب فيها، لان الاضطراب في ميدان السلوك النفسي والاجتماعي دنيوياً يعرض الشخصية الى الامراض العصابية، كما ان الاضطراب في السلوك العبادي يعرضها الى جزاءات سلبية تجعل الشخصية تعض اصابعها ندماً على ما فاتها من عطاءات الله تعالى، وهذا يفسر لنا حرصها على ان تكون العافية عامة لكل الانماط من سلوكها الدنيوي والاخروي.
ختاماً نسأله تعالى ان يجعلنا في اتم النعمة واعم العافية واكمل رضوانه تعالى، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******