اخوتنا الأكارم... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا الخلق قد تعرض للغفلة والخطيئة وإهمال الفرائض والخوض في الشهوات، فتاب البعض، فإذا اقبل على الله تبارك وتعالى احتاج الى الشفاعة، فمن يكون اشفع يا ترى من المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) ومن آل المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله)...
وقد قال رسول الله: «لكل نبي ٍ دعوة قد دعا بها، وقد سأل سؤالاً، وقد أخبأت دعوتي لشفاعتي لأمتي يوم القيامة».
وقال: «ان الله اعطاني مسألةً فأخرت مسألتي لشفاعة المؤمنين من أمتي يوم القيامة، ففعل ذلك».
اجل ... فهو الشفيع الأعظم، (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد كان الامام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) يدعو كل خميس فيكون من دعائه الشريف: «اللهم اني بذمة الاسلام اتوسل اليك، وبحرمة القرآن اعتمد عليك، وبمحمد المصطفى صلى الله عليه وآله أستشفع لديك»....فيما كان الامام علي الهادي عليه السلام يدعو في الزيارة الجامعة الكبيرة قائلاً:
«اللهم اني لو وجدت شفعاء اقرب اليك من محمد وأهل بيته الأخيار. الأئمة الأبرار، لجعلتهم شفعائي، فبحقهم الذي اوجبت لهم عليك، أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم، وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم، انك ارحم الراحمين..».
اخوتنا الأفاضل، كما ألف الناس البشر في محيا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يلقاهم به، كذلك ألفوا البشرى على لسانه الشريف يزرع بها الأمل و الرجاء في قلوبهم، فيلتقيهم ويقول لهم: «اني أشفع يوم القيامة فأشفع، فيشفع علي ويشفع اهل بيتي فيشفعون».
وكيف لا يشفع رسول الله صلى الله عليه وآله للمؤمنين اذا استنجدوا به يوم القيامة، وهو الذي وصفه لعباده بقوله: «عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم» (التوبة: ۱۲۸) فقد كان بذل كل ما امتلكه في سبيل خير الناس.
وصلاحهم واستنقاذهم ونجاتهم، وكان أحرص الناس على الناس وأرأفهم، بهم، بل كان أرحم بهم منهم على انفسهم.
وقد أعطاه الله تبارك وتعالى المقام المحمود، ونادى في مؤمني العباد: «يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وآبتغوا اليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون» (المائدة: ۳٥).
فيكون من مقتضيات الفلاح أن تعقد آمال المؤمن على شفاعة حبيب الله المصطفى (صلى الله عليه وآله)، فقد حباه الله تعالى فيما حباه الشفاعة العظمى، يوم يفتقر الخلق اليها، فهنيئاً لمن نالها هناك، وكان في الدنيا يرسل سلامه بإيمان وولاء:
«السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا احمد. السلام عليك يا حجة الله على الأولين والآخرين والسابق الى طاعة رب العالمين، والمهيمن على رسله، والخاتم لأنبيائه، والشاهد على خلقه، والشفيع اليه، والمكين لديه...».
ايها الاخوة الأحبة... لقد قرأ الناس في المصطفى (صلى الله عليه وآله) آيات أدب السماء، قبل ان يقرأوا آيات كتاب السماء... فقد كان خلقه القرآن، وكان من خلقه (صلى الله عليه وآله) أن يشفع بين الناس، فيصالحهم ويطيب خواطرهم، ويتشفع عند بعضهم البعض لتقضى حوائجهم، حتى لم يكن يصبر على ان يرى زوجةً يؤرقها هجران زوجها، فلا يسعه الا ان يخف الخطى اليه يذكره بما لها عليه من حقوق، ثم يشفع بينهما، لتعود الى بيتهما عبقات الأنس والمودة.
ويحاربه من اخطاؤا في يوم ما حظهم، فغلبوا، وتمر ايام فتفد عليه قبيلة «هوازن» وهي مهزومة في واقعة (حنين) تشفع النبي لدى المسلمين ان يردوا عليهم سباياهم من النساء والأبناء، فيتشفع المصطفى (صلى الله عليه وآله) لمحاربيه عند المسلمين، لا بالقول، ولكن يشتري السبايا بأمواله ثم يردهم الى اهليهم.
وفي الآخرة، يأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة وسمته وصفته أنه اول شافع ، بذلك اخبر الله تعالى نبيه آدم قائلاً له: أنت يا آدم اول الأنبياء والرسل، وابنك محمد خاتم الأنبياء والرسل، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأول من يكسى ويحمل الى الموقف، واول شافع، واول شفيع، واول قارع لأبواب الجنان، واول من يفتح له، واول من يدخل الجنة...
اجل... لذا تبقى العيون متطلعةً الى وجهه الزاهر، وتبقى القلوب متوجهةً بالأمل فيه، لا سيما إذا عرضت اعمال العباد على الملأ، ووزنت، وكان الأمر اما الى جنة ابداً، واما الى نار ابداً... فسيكون لسان الحال مخاطباً حبيب الله المصطفى:
يا خير مخلوق واعظم مرسل
وشفيع قوم أذنبوا وأساؤوا
يا من له عز الشفاعة راحماً
وهو المنزه ماله شفعاء
أنوارك العظمى إذا ما اشرقت
يوم القيامة فالورى سعداء
*******