اخوتنا الاكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله وأهلاً بكم في هذا اللقاء الطيب معكم، ولحظات مع الشرف النبوي الاسمى للمصطفى (صلى الله عليه وآله)، وقد بشر الله تعالى به الخلق حيث وصفه لهم قائلاً: «لقد جاءكم رسول من انفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم».
تلك هي ايها الاخوة الاعزة بعض شؤون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وشيء من خصاله الشريفة التي لمسها الناس فيه، جمعت له وتجمعت فيه ولم تجتمع في غيره هكذا كمالات متعالية حلماً وعفواً، وحباً للناس وحرصاً على هداهم، ورحمة وشفقة وحناناً ورأفة، فكان (صلى الله عليه وآله) ملتقى المكرمات والمكارم السامية، حتى خاطبه الباري جل وعلا بقوله: «وانك لعلى خلق عظيم» وقوله عز شأنه: «فبما رحمة من الله لنت لهم».
وتأتي الاجيال متتابعة، كلها تقف لرسول الله اجلالاً لعظمة اخلاقه الزاكية، كذلك اتجهت اليه القلوب حباً واعجاباً حتى قال لورد هدلي، بمناسبة المولد النبوي الشريف، وقد اعلن اسلامه: لقد نال محمد نبي الاسلام عليه وعلى آله الصلاة والسلام، حب العالم اجمع، وحب اعدائه بوجه خاص، وذلك عندما ضرب مثلاً في مكارم الاخلاق.
ومن هناك نسمع الشاعر احمد شوقي يخاطبه فيقول له:
يا من له الاخلاق ما تهوى العلى
منها وما يتعشق الكبراء
لو لم تقم ديناً لقامت وحدها
ديناً تضيء بنورها الآناء
زانتك في الخلق العظيم شمائل
يفرى بهن ويولع الكرماء
في كل نفس من علاك مهابة
ولكل نفس في نداك رجاء
«لقد جاءكم رسول من انفسكم» هكذا ايها الاخوة الافاضل تصدر الخطاب الالهي في الآية المباركة، وتلك بشرى، فالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) بشر مثل الناس ومن نوعهم، لم يكن من خلق آخر كالملائكة مثلاً، وقد عرفوا مولده ومنشأه وشاهدوه صغيراً وكبيراً وعلموا حاله في صدقه وامانته ومكارم اخلاقه الفاضلة، وكان من اوصافه الطيبة الزاكية انه يشق عليه ضرهم او هلاكهم، وانه حريص عليهم جميعاً، من مؤمن او غيره، وانه رؤوف رحيم بالمؤمنين منهم خاصة.
هكذا كان (صلى الله عليه وآله)، مثال الخلق الالهي، "عزيز عليه ما عنتم"، أي شديد عليه عنتكم، وما يلحقكم من الضرر بترك الايمان، او ما اثمتم، او ما هلكتم عليه!
روي ان رجلاً جاء يوماً رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له: يا رسول الله، انا كنا اهل جاهلية وعبادة اوثان، وكنا نقتل الاولاد، وكانت عندي بنت وكانت مسرورة بدعوتي اذا دعوتها وناديتها، فدعوتها يوماً فاتبعتني، حتى اتيت بئراً غير بعيدة من اهلي، فاخذت بيدها فوريتها البئر، وكان آخر عهدي بها ان تقول: يا ابتاه! يا ابتاه! فبكى رسول الله لما سمع ذلك بكاءً مراً، حتى تقاطرت دموع عينيه في جحره.
اخوتنا الاعزة، لقد بلغ من شفقة رسول الله المصطفى (صلى الله عليه وآله) على الناس فيما يعانونه من شظف العيش ومرارة الحرمان وآلام الفاقة والعوز، ان بادر (صلى الله عليه وآله) يده الكريمة على القلوب تصبيراً لها فجاءت بلسماً شافياً، فيمر على ياسر وزوجته وابنيهما عمار، فيراهم يعذبون، فينادي عليهم، صبراً آل ياسر، ان موعدكم الجنة فاذا تمكن حامى (صلى الله عليه وآله) عن الضعفاء والبائسين، وآثر الناس على نفسه واهل بيته. كتب امير المؤمنين عليه السلام يذكر كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اذا احمرت البأس واحجم الناس، قدم اهل بيته فوقى بهم اصحابه حر السيوف والاسنة، فقتل عبيدة ابن الحارث يوم بدر، وقتل حمزة يوم احد وقتل جعفر يوم مؤتة.
وعن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبيت الليالي المتتابعة واهله طاوياً، لا يجدون عشاءاً، وانما كان اكثر خبزهم الشعير، وعن انس بن مالك قال: ان فاطمة عليها السلام ناولت النبي (صلى الله عليه وآله) كسرة من خبز شعير، فقال لها: هذا اول طعام اكله ابوك منذ ثلاثة ايام.
وكان (صلى الله عليه وآله) ياسي الناس بنفسه حتى جعل يرقع ازاره بالادم "الليف"، وما جمع بين غداء وعشاء ثلاثة ايام ولاءاً، حتى لحق بالله عز وجل. كما روي عن ابن عباس قوله: والله لقد كان يأتي على آل محمد الليالي ما يجدون فيها عشاءاً.
وفيه قال الامام محمد الباقر عليه السلام: لا والله، ما شبع من خبز البر ثلاثة ايام متوالية منذ بعثه الله الى ان قبضه.
وكان (صلى الله عليه وآله) يتعايش مع المحرومين والمستضعفين، فيوصي بهم: هم اخوانكم، وخولكم، جعلهم الله تحت ايديكم، فمن كان اخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكفوهم ما يغلبهم، فان كلفتموهم فاعينوهم، وهتف في الضمائر: ليس بمؤمن من بات شبعاناً وجاره طاوياً!
وتمر القرون، فيأتي المؤرخ الاوربي (جيمس ميشز) فيثبت شيئاً من هذه الحقيقة فيخط بيده: لقد كان محمد محباً للفقراء والارامل واليتامى والارقاء والمستضعفين.
*******