ايها الاخوة الاعزاء الافاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ان كثيراً من الذين قلبوا صفحات التاريخ من الغربيين اصيبوا بدهشة مذهلة، حين رأوا كيف انتشر الاسلام في ارجاء المعمورة وجذب اجيالاً بعد اجيال، حتى قال "هيل" ان جميع الدعوات الدينية قد تركت اثراً في تاريخ البشر، وان كل رجال الدعوة الانبياء قد اثروا تأثيراً عميقاً في حضارة عصرهم واقوامهم، لكننا لا نعرف في تاريخ البشر ان ديناً انتشر بهذه السرعة وغير العالم باثره المباشر كما فعل الاسلام.
اجل اخوتنا الاكارم ذلك سر من اسرار نبوة المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله)، فقد جذب القلوب اليه باخلاقه الالهية الزاكية، حتى توالت الآيات الكريمة تثني عليه استثناءاً لعظم ما لاقى من قومه وعظمة ما كان منه، من الصبر على البلاء، والرضى بقضاء الله تبارك وتعالى، ومداراة الناس وتحمل المشقات في سبيل الله، فقال الباري تبارك وتعالى فيه: «ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن، قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم، والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اليم».
ايها الاخوة الاعزة لقد كان مما عرف به رسول الله الخصال الشريفة انه الين الناس عريكة، والعريكة هي الطبيعة البشرية، فيقال: فلان لين العريكة، اذا كان سلساً مطاوعاً قليل الخلاف والنفور.
وهنا نقول: من الين عريكة وطبعاً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو الذي لم يسأل قط الا قال: نعم، ولم يناد الا قال لبيك، وما سئل شيئاً قط فقال: لا؟! وكان (صلى الله عليه وآله)، اذا سأله الفقير اعطاه، فان لم يكن عنده شيء يعطيه استسلف له، ولم يكن يكذب القائل او يجبهه، حتى قال البعض، هو اذن يسمع كل من يقول ويصدقه ظاهراً، فاجاب الله تعالى على ذلك بقوله عز وجل: «قل اذن خير لكم، يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين».
روي ان النبي (صلى الله عليه وآله)، كان ذات يوم جالساً في المسجد اذ جاءت جارية لبعض الانصار فاخذت بطرف ثوبه، فقام لها النبي فلم تقل شيئاً، ولم يقل لها شيئاً، حتى كان منها ذلك ثلاث مرات، فقام لها في الرابعة فاخذت هدبة من ثوبه أي خيطاً من طرف ثوبه، فوبخها الحاضرون لانها احرجت النبي (صلى الله عليه وآله)، وهي لا تقول شيئاً له، فاجابتهم: ان لنا مريضاً فارسلني اهلي لاخذ هدبة من ثوبه ليستشفي بها، فلما اردت اخذها رآني فقام، فاستحييت ان آخذها وهو يراني، واكره ان استأمره في اخذها، فاخذتها.
كل ذلك ـ ايها الاخوة الاحبة ـ يحكى عن لين العريكة والمطاوعة، فبمجرد ان عرف المصطفى (صلى الله عليه وآله) ان هذه البنت الصغيرة لها حاجة، قام لها يعينها، وعاد القيام لها اربع مرات، وهو سيد الانام، الا انه لين الطبع بغير تكلف، خلق رباني وصفه الله جلت رحمته فيه فقال له: «فبما رحمة من الله لنت لهم».
في اسباب النزول ـ ايها الاخوة الاعزة ـ ورد هذا الخبر، ان عبد الله بن نفيل كان منافقاً، وكان يقعد الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيسمع كلامه وينقله الى المنافقين، وينم عليه، فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا محمد ان رجلاً من المنافقين ينم وينقل حديثك الى المنافقين!
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من هو: فوصفه جبرئيل له، فدعاه النبي فاخبره، فحلف الرجل انه لم يفعل، فما كان منه (صلى الله عليه وآله) الا ان قال له: قد قبلت منك، فلا تفعل!
فرجع الرجل الى اصحابه يقول: ان محمداً اذن، اخبره الله اني انم عليه، وانقل اخباره، فقلت له واخبرته اني لم اقل ولم افعل، فقبل. على اثر ذلك انزل الله تعالى على نبيه: «ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم، يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين»، أي يصدق الله فيما يقول له ويصدقكم فيما تعتذرون اليه، ولا يصدقك في الباطن، ويؤمن للمؤمنين يعني المقرين بالايمان من غير اعتقاد والاذن ايها الاخوة الافاضل هي جارحة السمع المعروفة، وقد اطلقوا على النبي (صلى الله عليه وآله)، اذناً وسموه بها، اشارة الى انه يصغي لكل ما يقال لله، ويستمع الى كل ما يذكر له، فهو اذن، وذلك من ادبه الالهي الرفيع، ولكنه (صلى الله عليه وآله)، ليس اذناً اطلاقاً بمعنى قبول كل ما يسمع، بل هو اذن خير للامة، أي سماع يسمع ما فيه خيركم ايها الناس حيث يسمع من الله الوحي، وفيه خير لكم، ويسمع من المؤمنين الرأي الناصح الحق، وفيه خير لكم، ثم هو (صلى الله عليه وآله) لا يسمع الا ما ينفعكم ولا يضركم.
وروى ابن عباس قائلاً: كان المسلمون لا ينظرون الى ابي سفيان أي بعد اعلان اسلامه الكاذب ولا يقاعدونه.
فجاء وقال: يا رسول الله، ثلاث اعطنيهن.
فقال له النبي: نعم هكذا نجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينعم السائل قبل ان يخبره السائل عما يريد فيقول له: نعم حتى لو كان السائل عدوه القديم ابا سفيان، ولذلك وصفه امير المؤمنين عليه السلام بقوله: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اكرم الناس عشرة والينهم عريكة.
والى لقاء طيب آخر معكم ـ اخوتنا المستمعين الاكارم ـ نرجو لكم كل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******