بسم الله الرحمن الرحيم أخوتنا أخواتنا الأفاضل في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات نحييكم أجمل تحية ونبعث اليكم خالص تحايانا القلبية ونحن تغمرنا البهجة والسرور لتجدد اللقاء بكم عبر هذه المحطة الأخرى التي نلتقي فيها عند عالم القصص والحكايا والأساطير التي تمخضت عنها مخيلة شعوب الأرض على مر العصور وضمت في طياتها الكثير من الخفايا والأسرار والدلالات التي نحاول من خلال هذا البرنامج حكايا وخفايا الكشف عنها وتسليط الأضواء عليها ما إستطعنا الى ذلك سبيلاً، نرحب بكم مرة اخرى وندعوكم لمتابعة ما أعددناه لكم في حلقة هذا الأسبوع آملين أن تمضوا معنا أوقاتاً عامرة بالتشويق والفضيلة.
أعزائي حكايتنا لهذا الأسبوع إخترناها لكم من بلاد نهر الراين وهي حكاية من نوع الحكايات الوطنية التي تفتخر الشعوب من خلالها بتاريخها الحافل بالبطولات والتضحيات وبأبطالها الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل بناء مجتمعاتهم وأوطانهم، فحينما نحدق بأنظارنا نحو الطبيعة الخلابة في بلاد الراين وهو نهر في اوربا يمر في سويسرا وفرنسا وألمانيا وهولندا فإننا لانرى سوى الماء الصافي المتدفق من اعالي الجبال والبحيرات تتطاير مياهها وتتقاذف نحو الأبراج سريعاً وتجري فيما بعد صافية هادئة بين أدغال الغابات السوداء فتغرق المياه في مسارها بين هوامش وشقوق صخور عالية مكللة بالآثار والقلاع التي تحكي لنا شغل الناس في المدن القديمة وضواحيها ليستمر الماء بطيئاً وعريضاً نحو البحر عبر الأرياف الهولندية.
في حوض الراين أعزائي الأفاضل عاش أحفاد قبائل الجيرمن الذين أقاموا هناك اجيالاً وراء أجيال وتركوا في ذاكرة حياتهم أجمل الحكايات ومنها حكاية الفارس الأخير التي تصور لنا البطولة والإباء ورفض الظلم والمقاومة والثبات حتى إسقاط الظالمين.
أعزائي الأفاضل يقفز النهر من الصخور الكبيرة فيصقلها بمياهه وينحرف هادئاً تحت ظلال الغابات المورقة، يجري في السهل ليصعد في تدفق جارف ويدخل في واد تحيط الروابي به من كل صوب وحدب. وعلى احد التلال القريبة من ضفاف النهر من منحياتها السخية والمتشظية تقبع آثار القلعة آلتينار المغطاة بالنباتات المتسلقة. منذ سنين عدة هجرت القلعة الرائعة والعرق البشري الأرجواني لمالكيها القدماء قد قضي عليه في معركة مأساوية لم تبق ولاتذر. كان بطل حكايتنا الكورت دي آلتينار آخر سلالة العائلة النبيلة فارساً شجاعاً أبياً ومحباً للحرية، لم يسمح لأحد أن يفرض عليه أي شيء لايتلائم مع كرامته وعزته، في مرحلة كان الأمراء فيها يفرضون وبشدة الضرائب الباهضة والخدمات على الطبقات المسحوقة لصالح الإقطاعيين والنبلاء. لم يكن من الفارس كورت صاحب النفس الأبية الرافض للظلم إلا أن إعترض بقوة على ذلك الجور غير آبه بالتهديدات، عندها بعث الأمراء جيشاً كي يحاصر القلعة الشامخة فأغلقوا بوابات الحصن وخاض كل الرجال المتحصنين في القلعة مقاومة بطولية. كانت السهام تصدر صفيراً وفي الجوانب المنحدرة كانت تتدحرج الصخور الكبيرة التي كان الرجال الأبطال يقذفونها من الأعلى فالمحاصرون الذين تجرأوا على الإختباء بين الصخور أفادوا من تلك الصخور التي جعلت قفز المهاجمين للسيطرة على القلعة مستحيلاً.
أحييكم من جديد مستمعينا الأفاضل وأنتم تستمعون الى برنامجكم حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونواصل حكاية الفارس الأخير. اعزائي إمتد الحصار لأسابيع وصار نقص الأكل والمؤونة في الحصن هو العدو الأكبر للمدافعين ورأى كورت آلتينار إقتراب اليوم الذي عليه فيه توزيع آخر قطع الخبز بين رجاله وبعدها كان عليهم الاستسلام او الهلاك. إمتد الحصار من غير أن تهبط معنويات المحاصرين بل كان الأمر على العكس من ذلك فمع مرور الأيام كانت الهمم تضعف عند جنود الأمراء الذين كانوا يحاولون الهجوم والدخول الى الحصن أمام الصعوبات التي كانوا يواجهونها للسيطرة وإخضاع تلك القلعة الحصينة التي كان موقعها وتحصن الفرسان الأبطال فيها يجعل محاولاتهم أكثر هجومية ضرباً من المستحيل، كان الفرسان شجعاناً ومستبسلين الى حد عدم الإكتراث بالموت، عندها أحس الأمراء بالرعب واليأس يتفشيان بين رجالهم المحاربين فخشوا أن يندلع تمرد بينهم بين لحظة وأخرى ويبوءوا بالفشل الذريع وتتقوض دعائم سلطتهم وهيمنتهم. وكان بعض خدم الاقطاعيين قد إختفوا هاربين من تلك الحرب الخطيرة والمدمرة فضلاً عن أن التمرد سينشر الفوضى وإنعدام التنظيم في الجيش الذي يفرض الحصار وهو أخطر ما كان يهدد وجودهم.
أعزائي الأفاضل في صباح دافئ ومشرق ظهر الفارس الكهل كورت بشعره الأبيض فوق اعلى أبراج القلعة يمتطي حصاناً وقد دجج نفسه بكل الأسلحة، المظهر النبيل للفارس ووجهه الشاحب الذي يداعبه الهواء الطلق وبريق سلاحه الفولادي وحصانه الأسود المتألق كل ذلك كان يمنحه الهيبة والسحر ويبث في قلوب الأعداء الرعب ويجعل كل النظرات مثبتتة عليه والصمت يفرض حكمه على الجميع، حتى الوادي ظل صامتاً في ذلك الصباح المشرق والدافئ.
مد الكورت آلتينار ساعده في إشارة تحية وقال بصوت جهوري تجلجل من اعلى القلعة لينتشر في أرجاء الوادي: هنا الرجل الأخير والحصان الأخير لكل الذين عاشوا في هذه القلعة الحصينة، لقد قضى الجوع على رجالي وأبنائي وقد ماتوا جميعاً ولكن بكرامة لاتعرفونها انتم لأنهم يعشقون الحرية ويبغضون طغيانكم وتجبركم وظلمكم للناس، أنا ايضاً سأموت بالطريقة التي عشت فيها متحرراً دائماً من كل أشكال العبودية كأي فارس حقيقي. وعندما قال ذلك عند خافة البرج لكز حصانه بمهمازه واطلق صرخة على الحيوان النبيل الذي صهل صهلة غضب وإنطلق الى الفضاء بوثبة مخيفة. سقطت الخيول من جهة المنحدر الصخري المتشظي وتدحرجت متحطمة حتى غرقت في ماء النهر والى الأبد امام الحصن الأخير لألتينار. لم يجرأ أي من المحاصرين على دخول الحصن الصامت للأبطال فرعب الميدان جعلهم يفرون من ذلك الوادي المفزع وهكذا استمرت القلعة حصناً أبياً يروي للأجيال حكايات الفرسان الأبطال المضحين الرافضين للظلم والجور خاصة الفارس الأخير الذي علم المستضعفين والمسحوقين في بلاده كيف يسحقون الظلم بالتضحية والفداء والاتحاد وتحطيم حواجز الجبن والخوف.
أعزاءنا ملتقانا بإذن الله في الأسبوع المقبل عند حكاية معبرة اخرى من حكايات الأمم والشعوب على مر العصور. على أمل أن تكونوا قد قضيتم معنا دقائق مفيدة وممتعة نترككم في رعاية الباري عزوجل وتقبلوا تحيات قسم الثقافة والأدب والفن في اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لكم الى اللقاء.