بسم الله الرحمن الرحيم اعزاءنا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام. ها نحن ذا نرافقكم من جديد عبر محطة اخرى من محطات برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا حيث سنروي لكم في هذه الحلقة القسم الثاني والأخير من حكاية المحتال تيل التي أنتقيناها لكم من التراث الألماني. آملين أن تقضوا معنا أطيب الأوقات وأحلاها، تابعونا بعد الفاصل.
أحبتنا المستمعين تركنا في القسم الأول من حكاية المحتال تيل الأمير وهو يقف مبهوراً مدهوشاً متحيراً أمام الجدار الذي زعم المحتال تيل أنه قد زينه بالنقوش والرسوم الرائعة الجميلة وزعم أيضاً أن من يرتكب الكذب في حياته ولو لمرة واحدة لايمكنه أن يرى هذه النقوش والرسوم ولكن الأمير المسكين لم يكن يرى شيئاً إنما الجدار فقط الذي كان نظيفاً وأبيضاً إلا أنه كتم ذلك ولم يتحدث خشية أن يعتبر مخادعاً، وراح تيل يوضح لوحته للأمير ويقول وهو في غاية السعادة: أنظر ياسيدي هذا الرجل صاحب الهيئة الكبيرة المليئة بالظرافة إنه الأمير هيس أحد أسلافكم البارزين وهذه السيدة التي الى جانبه هي زوجته إبنة أنبل البيوت في باواريا وهذا الفتى المقابل الذي تراه هنا هو إبنهم وهذا هو الحكيم والد الأمير غيليريم. وكما ترى فإن كل الأجداد أسلاف معاليكم قد رسمت بحرفية فريدة ولم يبق إلا إطلالة هيئة سيدي الأمير.
إستولى الإضطراب على الأمير وإحتار ولم يعرف مايجيب به وكان في نفس الوقت يخشى أن ينتقد تيل الغريب فقال الأمير: إن رسوماتك لاتعجبني أريد أن يراها أشخاص إختصاصيون يعطونها قيمتها الفنية المناسبة. وهكذا فكر الأمير في أن يرسل وزراءه لرؤية ما يدا له حائطاً أبيض وخالياً من الألوان وربما تكون مناسبة ليمتحن صدقهم واخلاصهم من زيف المجاملات والتملق، وعندما علم تيل بذلك قال لمساعديه: ياأصدقائي ليهرب كل واحد منا قبل أن يتم إكتشاف الخديعة وندفع عندها ثمناً سيئاً لما فعلناه ولما لم نفعله بعد. فهرب جميعهم دون أن يتركوا أي أثر.
اخوتنا المستمعين الأفاضل توجه تيل الى مدينة كراغ وأخذ يعيش بالطريقة نفسها فإدعى أنه حكيم عظيم يعرف ويعلم كل خفايا العالم وألغازه والعلوم كلها. إجتمع أساتذة الجامعة في المدينة وقرروا إفشال العالم المحتال الذي أعلن إمتلاكه للحكمة العليا والرفيعة فدعوا تيل للمثول الى الجامعة للتأكد من علومه وللمناظرة العلنية والإجابة عن أربعة أسئلة كانوا قد أعدوها. حضر تيل في اليوم الثاني الى الجامعة وبعد أن جلس على كرسي الفخامة أمام منتدى العلماء وحشد من الشخصيات، قال عميد الجامعة الوقور: أيها العالم البار أجب عن هذا السؤال الأول: ماهي كمية الماء الموجودة في البحر قطرة قطرة تقريباً؟ فأجاب تيل في محاولة للتملص من الإجابة: أيها المعلم المبجل إجعل الأنهار توقف جريانها وأن لاترفع مستوى الماء في هذه اللحظة كي أتمكن من حساب الكمية بالضبط. بدا الإضطراب على عميد الجامعة قليلاً فطرح السؤال الثاني: قل لنا أين يقع مركز سطح الأرض؟ أجاب تيل وهو يشير الى موضع جلوسه: مركز الأرض موجود بالضبط هنا حيث أجلس أنا واذا لم تصدق يمكنك قياسه بحبل وإن كنت مخطأ انا بقيراط او قيراطين فإني اعترف بخطئي. لم يكد تيل ينتهي من إجابته حتى ألقى عليه العميد السؤال الثالث: قل لنا الآن ماهي المسافة بالضبط بين الأرض والسماء؟ قال تيل لاتوجد مسافة كبيرة فمن السماء يمكن وبشكل جيد سماع أي كان من يصرخ من هنا من الأسفل، وللتأكد من ذلك فلتصعد فخامتكم وترى كيف تسمعني عندما اناديكم. كتم عميد الجامعة غضبه وطرح على تيل السؤال الأخير. قل لنا ماهو حجم الجرم السماوي؟ أجاب تيل على الفور: هل تقصد السماء، فالسماء لها ألف ذراع طولاً وألف عقدة عرضاً وإن كنت لاتريد تصديق ذلك فإطرح منها الشمس والقمر والنجوم وإحسب الحجم بنفسك وعندها سترى أنني لم اخطأ!
نحييكم من جديد أحبتي الأفاضل من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وأنتم تتابعون برنامج حكايا وخفايا ونستمع الى القسم الثاني والأخير من حكاية المحتال تيل. هكذا احبتي أقحم تيل العميد وبقي الجميع مأخوذين بينما خرج تيل من الجامعة يختال بين الأساتذة بفوزه لكنه كان يخشى أن يثأر العلماء لهزيمتهم فقرر هجر مدينة كراغ وتوجه الى نيورنبرغ حيث قدم نفسه على أنه طبيب شهير وفي ذلك الوقت كان المشفى مكتظاً بالمرضى ولم يكن هناك عدد كاف من الأطباء في المدينة ليعتنوا بالمرضى، في هذه الظروف ذهب مدير المشفى الى الطبيب الشهير تيل والذي بدوره قطع وعداً على نفسه بشفاءهم جميعاً في لحظة واحدة مقابل مئتي فلورين فوافق المدير في الحال.
عندما حضر تيل عند المرضى راح يقترب من كل واحد فيهم وفي الوقت الذي كان يجس نبضهم ويكشف عليهم كان يقترب من أذن المريض ويقول له بصوت منخفض: لاتفشي لأحد ما أقوله لك فأنا أفكر بشفاءكم وتخليصكم جميعاً من آلامكم ولأجل ذلك يلزم أن نحرق واحداً منكم ونأخذ رماده ونصنع الدواء الوحيد الذي سيشفي الجميع، ومن أجل إنقاذ الآخرين يجب التضحية بواحد ميؤوس من حالته لذلك على كل من هو غير مريض في الردهة أن ينهض ويخرج منها ويعجل في مشيته عندما انادي عليكم والذي سيتأخر على ذلك سيقع عليه إختيار التضحية وفداء الجميع. في اليوم التالي حضر تيل الى المشفى وعندما فعل ما كان قد قاله تعجب الجميع لسرعة المرضى وهم يقفزون أحدهم فوق الآخر بل خرجوا الى الشارع وهم يشعرون بتحسن كبير وكأن معجزة قد حصلت لهم. إبتهج مدير المشفى ودفع المبلغ المتفق عليه لتيل لكن بعد إنقضاء ثلاثة أيام لم يقدر المرضى على التحمل بعد فرجعوا جميعاً الى المشفى يصرخون ويستنجدون رعاية الأطباء فترك تيل المدينة قبل أن تنكشف خديعته.
مستمعينا الأفاضل بعد شهور بدأ تيل يشعر بالسأم والملل من حياته، حياة النصب والاحتيال فقال في سره: الأفضل تغيير حياتي وتوجيه قدراتي للعمل الشريف وخرج قاصداً طريق مدينة مبديبورغ وبعد جولاته الكثيرة حول العالم حظي تيل بتعاطف أسياد عظام قدموا له الحماية وجعلوا منه انساناً وديعاً ولم يكن تيل آنذاك قد شاخ عندما شعر بالمرض وقرر العودة الى مهبط رأسه ولكن في مدينة قريبة من موطنه، إشتد عليه المرض فنقلوه الى المشفى حيث أخبرت أمه بذلك كي تأتي وتكون بالقرب من إبنها الذي يحتظر. قدمت العجوز وحضرت في الوقت المناسب لتحتضن إبنها ثم أعطاها سراً صندوقاً قال إنه يخبئ فيه كل ما إدخره وجمعه وقبل موته بأيام قليلة وضع تيل وصيته والتي بموجبها أوصى أن تقسم كل مقتنياته المحفوظة في صندوق مشابه للصندوق الذي أعطاه لأمه بين عائلته وأصدقاءه والكاهن.
وبعد أربعة أسابيع على موته فتح الصندوق الذي فيه الميراث لكنهم لم يجدوا فيه شيئاً أكثر من حجر ثقيل فتبرءوا من تيل وندموا على مراسيم الدفن الكبيرة التي قاموا بها وعلى الزهور والورود وعلى بكاءهم ومرافقتهم للتابوت حتى المقبرة حيث حدث الأمر الغريب ففي اللحظة التي أنزل فيها التابوت الى حفرة القبر إنقطع أحد الحبال التي كانت تحمله فسقط التابوت بشكل عمودي فقال احد الرجال أتركوه هكذا على هذه الحالة فهو لم يعش مثل الآخرين، دعوه يرقد في الموت بشكل مختلف، وعلى قبره كتبت العبارة التالية "ألا لايرفعن أحد غطاء هذا القبر فهنا يرتاح تيل ألشبيغل واقفاً".
أيها الكرام من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران قدمنا لحضراتكم برنامج حكايا وخفايا آملين أن نجدد اللقاء بكم في الأسبوع المقبل بإذن الله عند حكاية جديدة وخفايا وعبر اخرى. نشكركم على طيب المتابعة والاصغاء وتقبلوا منا أطيب التحيات والى اللقاء.