البث المباشر

غزليات حافظ الشيرازي (1)

الأربعاء 26 يونيو 2019 - 14:36 بتوقيت طهران

ضيف البرنامج: الدكتور سعد الشحمان

 

بسم الله الرحمن الرحيم؛ مستمعينا الأحبة سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ها نحن ذا نلتقيكم ونحن محملون بزاد جديد من العبر المستقاة من ذخائر التراث، نرحب بكم أجمل ترحيب راجين منكم متابعتنا.

المحاورة: أيها الأعزة حلقتنا لهذا الأسبوع والأسبوع القادم خصصناهما لاستعراض غزليات الشاعر العارف والأديب المتصوف حافظ الشيرازي في الحب الإلهي ولكن بعد حديث سيدلي به ضيف البرنامج الكريم الدكتور الأستاذ سعد الشحمان يلقي من خلاله الأضواء على شخصية الشاعر. مرحباً بكم أستاذنا الفاضل نرجو أن تقدم لنا في هذا القسم من الحديث المخصص لحلقة هذا الأسبوع صورة حول شخصية شاعر الحب الإلهي حافظ الشيرازي والمؤثرات التي أسهمت في تكوين شخصيته. تفضلوا

الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى المستمعين الكرام في هذه الحلقة الجديدة التي يسرنا أن نلتقيكم فيها

المحاورة: حياكم الله ونحن كذلك

الشحمان: بالنسبة الى الشاعر الشهير الذي أطبقت شهرته الآفاق حافظ الشيرازي شمس الدين الذي عرف بالخواجة حافظ الشيرازي ولقب بالحافظ لأنه كان قد حفظ القرآن الكريم، قيل إنه حفظ القرآن الكريم بقراءاته الأربعة عشرة. وله ألقاب أخرى منها لسان الغيب وترجمان الأسرار نظراً لتخصصه في الشعر الصوفي وكان من أشهر الشعراء في القرن الثامن الهجري، ولد سنة ۷۲۰ للهجرة وكما يدل عليه لقبه الشيرازي ولد في مدينة شيراز وتوفي فيها وينحدر من أسرة متوسطة الحال ويبدو أنها كانت إصفهانية في الأصل إذ أن أباه بهاء الدين قدم من مدينة أصفهان الى شيراز وتزوج في شيراز وأنجبت له زوجته ثلاثة اولاد وكان حافظ أصغر الأولاد وعانى حافظ من شظف العيش بعد أن توفي والده وأصابه الضيق في العيش والرزق فعمل خبازاً في بداية أمره، كان يستيقظ في منتصف الليالي ويعمل حتى مطلع الفجر وبعد ذلك كان يتوجه الى المدرسة والتحصيل وكان ينفق من أجره الزهيد على دراسته وبعد ذلك ما لبث حافظ أن غدا أستاذاً في لغتين، اللغة العربية واللغة الفارسية وله الكثير من الأشعار الجميلة واللطيفة باللغة العربية بالإضافة الى اللغة الفارسية وضمّن أشعاره بعض المعارف الدينية ولكن كان النصيب الأوفر للّغة الفارسية لأنها كانت لغته الأم.

جمع حافظ الشيرازي في شعره بين فنين، فن سعدي الشيرازي بحكمته ونزعته الأخلاقية وبفصاحته والصناعات البديعية التي كان يستخدمها وبين فن مولانا جلال الدين، كما تعلمون مولانا جلال الدين اشتهر أيضاً باللون العرفاني من الشعر واشتهر بالأسلوب القصصي. ذاع صيت حافظ الشيرازي في جميع أنحاء العالم وأصبح شاعراً عالمياً يعرفه القاصي والداني وأكب على دراسته الكثير من الأدباء والشعراء الكبار، في الغرب مثلاً مثل الشاعر الألماني غوته. قبل أن نتحدث عن شعره لابد أن نلقي نظرة خاطفة الى عصره، العصر الذي كان يعيش فيه حافظ كان عصراً مضطرباً وكانت هناك الكثير من الفتن وحكمت السلالات المغولية من احفاد جنكيز خان البلاد الإسلامية وأذاقت العباد سوء العذاب ففي عصر حافظ الشيرازي انعكس ذلك بصورة واضحة وجلية على شعره وكذلك العوز والفقر الذي مر به حافظ ايضاً، كما عرف عصره بازدهار الحركات الصوفية والجدل وما الى ذلك من نزعات وتيارات دينية. إن شاء الله سنتحدث عن غزليات حافظ في القسم الثاني.

المحاورة: إن شاء الله نشكرك أستاذ على هذه المعلومات القيمة التي تفضلت بها وتعرفنا من خلالها على شخصية الشاعر، شكراً لك ونستودعك الله

الشحمان: حياكم الله وحيا المستمعين الكرام.

 

والآن اسمحوا لنا كي نتواصل معكم مستمعينا الكرام من خلال استعراض طائفة من غزليات الشاعر الصوفي حافظ الشيرازي

أحبتنا المستمعين غزليات حافظ الشيرازي هي شعر الحب الإلهي بامتياز، الشعر الذي يستعير فيه العاشق للوله بمحبوبه الحق رمز الخمرة للتعبير عن حالة السكر الصوفي التي تعتريه دوماً لينسى هموم الدنيا وليوسع ما ضاق من الدنيا برشفة من كأس الخمرة الإلهية المستوعبة للعالم كله كما يعلن الشيرازي ذلك في طائفة من غزلياته ترجمت الى العربية:

 

ألا يا أيها الساقي أدر كأساً وناولها

 

وأغرق مشكلات العيش في الصهبا وأبطلها

 

إذا ضاقت بك الدنيا بورد الكأس جملها

 

متى ما تلقى من تهوى دع الدنيا وأهملها

 

وإن ناءت بك الأوزار للرحمن أوكلها

 

فؤادٍك بالهوى مضني وروحك بالطلا ولهى

 

ويا رب على الفقراء سُحب العفو أسبلها

 

ملأت قلوبَهم عشقاً حيارى في الهوى بُلهى

 

مستمعينا الأحبة وهؤلاء السكارى بخمرة الحبيب الأزلي هم الحاملون على مر العصور وكر الدهور لراية ذلك العشق، المبشرون به، المطوفون بين أصقاع هذا العالم داعين اليه لافي الدنيا فحسب بل وفي الآخرة ايضاً وهم أجلّ من أن يسكروا بخمرة هذا العالم المادي بل هم أرفع من أن تكون ثمالتهم آنية فهم سكارى منذ الأزل ومنذ أن أخذ الله العهد منهم في عالم الأرواح، هكذا يقرب شاعرنا الشيرازي في أبياته التالية فلنستمع معاً:

 

دجى الدهرُ وما زلنا على فلك الهوى نسري

 

ونحمل راية العشاق من عصر إلى عصر

 

ومن قطبٍ إلى قطب ومن قطر إلى قطر

 

دعاة الحب في الدنيا وفي الأخرى وفي الحشر

 

سُكارى منذ أن كنّا بلا كأس ولا خمر

 

أتتنا نشوةُ الصهباء قبل القطف والعصر

 

سرى تأثيرُها في الروح مثلَ النور في الفجر

 

فجدّد نشوةً سلَفت ونفسُك لا تُحمّلها

 

مستمعينا الأفاضل على الدنيا العفا حينما تكون كأس العاشق المتيم بالحب الإلهي مترعاً بخمرة الاتصال الإلهية ففي هذه الحالة سوف يذهل هذا العاشق عن كل شيء ولا يلقي آذاناً صاغية الى قيل الخلق وقالهم ولا يحفل بما يجري حوله من احداث جسام حتى لو كانت هذه الأحداث منصبة على موطنه مشيراً الشاعر هنا الى موطنه شيراز التي نكبت بهجوم المغول عليها وراعها البغي والطغيان واستبداد الحكام الظلمة وإباحتهم لدماء خلق الله فكل ذلك الى زوال وفناء ليبقى الخلود لكل ما هو جميل في هذه الحياة. فلنصغي الى الشاعر وهو يحدثنا عن هذه المعاني.

 

ألا أيها الدرويش حسبُك كوبك الملآن

 

وزهدك في حطام العيش والرحمة والرضوان

 

ألا تحفَل بما قالوا وما يجري ولا ما كان

 

وكم حلّ على شيرازَ من بغيٍ ومن طغيان

 

وزال البغي والباغي وغاب المُلك والسلطان

 

ولكن بقي النسرينُ والنرجس والريحان

 

وبهذا أخوتنا المستمعين الأكارم نأتي الى ختام القسم الأول من حلقة هذا الأسبوع التي خصصناها للتطواف في رحاب غزليات الشاعر حافظ الشيرازي على أمل أن نكمل جولتنا هذه في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله. شكراً على حسن إصغاءكم والى الملتقى.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة