الحمد لله علي جمّ آلائه، وأشرف صلواته علي خير أنبيائه، وعلي آله خلفائه وأوصيائه.
أهلاً بكم في هذا اللقاء المتجدّد معكم، حيث أوقفنا البحث علي تساؤل يقول: إذا كانت النبوّات والرسالات خلافة إلهيّة عظمي، فكيف يتصوّر أن يكون خليفة الله في الأرض؟ أليس هو الأفضل، والأكمل، وفي كلّ فضيلة ومنقبة وكرامة هو الأوّل؟!
وبعد انقضاء النبوّات والرسالات يواجهنا هذا السؤال: هل يتصورّ أنّ الله تعالي سيترك عباده، أو تعلن السماء قطع علاقتها بالأرض؟!
يجيب العقل أنّ ذلك لا يتصوّر، فالرسالات الإلهيّة لم تتحقق جميع مقاصدها وأهدافهاَ، هذا أوّلا، وثانياً: لا بدّ التبليغ والإنذار من هداية ممتدّة مع حياة الناس، حيث يكون للنبيّ الراحل أو الرسول المتوفي من خليفة يرثه في علمه وحكمه، ليقوم بين الناس ببيان معالم الدين وتطبيقاته الحياتية، وإحياء السّنن وحفظ الشريعة، والتنبيه والموعظة والتحذير من الانحراف عن طريق الأنبياء السابقين سلام الله عليهم أجميعن، ولا يتحقق ذلك إلّا من خلال الخلافة الثانية، وهي الإمامة التي تخلف النبوّة، وتكون امتداداً لها في حياة الأمم، حيث هي الولاية الإلهيّة حكماً حكيماً، رحيماً، من قبل الله تبارك وتعالي.
لم يختلف مسلمان علي أنّ الولاية الإلهية ضرورة دينية اعتقادية، وأنّها تعيين من الله جلّ وعلا، ويكفيناً برهاناً ساطعاً علي ذلك قوله تبارك وتعالي: « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ».
ونظرة بسيطة إلي نصّ الآيتين المباركتين، يري كلّنا حقيقتين واضحتين من جملة حقائق جمة، ألا وهما: أنّ هنالك ولاية، وأن هناك وليّاً والآيتان موضوعتان بين آيات تنهي عن ولاية أهل الكتاب وولاية الكفار، ولذلك رام جماعة من المفسّرين إشراكهما مع ما قبلهما وما بعدهما من حيث السياق، ويقصد بالسياق الواحد بيان وظيفة المسلمين المؤمنين تجاه أمر الولاية والنّصرة، وتنحصر الولاية: في الله سبحانه، ورسوله (صلي الله عليه وآله)، والمؤمنين الموسومين بأنهم يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. فهؤلاء هم المؤمنين حقاً، فيخرج بذلك عن الولاية المنافقون والذين في قلوبهم مرض، وتبقي الولاية - وهي تولّي الأمر - واجبةً في مؤمنين خاصّين، لا سيما وأنّ سياق الآية يدلّ علي وحدة ما في معني الولاية، حيث أسند الجميع: الله تعالي ورسوله والمؤمنون إلي قوله «وَلِيُّكُمُ» فظاهره كون الولاية في الجميع بمعنيً واحد، فولاية الرسول وَالَّذِينَ آمَنُواْ إنما هي من سنخ ولاية الله عزّوجلّ، ومن هنا جاء الأمر الإلهيّ ينادي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ» (النساء، ٥۹).
وتضم المصادر الحديثية المعتبرة كثيراً من الأحاديث الشريفة الدالة صراحةً أو ضمنياً أن الخلفاء والأئمة الأثني عشر من العترة المحمدية (عليهم السلام) هم «أُولِي الأَمْرِ» الذين تأمر الآية الكريمة بطاعتهم كأمتداد لطاعة الله عزوجل ورسوله الأعظم (صلي الله عليه وآله).
*******
قبل أن ننقل نماذج لهذه الأحاديث الشريفة نستمع لضيف هذه الحلقة من برنامج خلفاء الله سماحة السيد حسن الكشميري باحث اسلامي وخطيب منبري من قم المقدسة وهو يحدثنا عبر الهاتف عما يراه ابرز دليل علي الحقيقة المتقدمة:
السيد حسن الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
تحياتي لكم، طبعاً يدور الكلام عن موضوع الخليفة ومن هو خليفة الله ومن هم خلفاء الله في الارض؟
الآية ثلاثين من سورة البقرة ورد هذا المعنى وفي عدة سور وردت هذه العناوين، الاية الثلاثين من سورة البقرة «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً» الخليفة من هو؟ خليفة الله في الارض مبدئياً هو النبي آدم عليه وعلى نبينا واله افضل الصلاة والسلام ويعني ان الله تبارك وتعالى او كل اليه زمام الامور وادارة الارض واهل الارض وهكذا خليفة الله او خلفاء الله في الارض كل من يخلفه في الهدف وفي المهام طبعاً بالتزكية الالهية هذا خليفة الله طبعاً بين قوسين الادعاءات يوم بعد يوم تتعدد وتتكرر على السنة هذا وذاك قديماً وحديثاً، الخليفة حقيقياً هو من يمثل الله على الارض وان يكون معصوماً من الخطايا لأنه يتناسب مع سؤال الملائكة «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء» والله سبحانه وتعالى بعيداً كل البعد عن هذا، الله عزوجل اناط لخلفاءه وهم الانبياء وبعدهم الاوصياء والائمة اناط اليهم هذه المهام، تطبيق العدالة، مثلاً في سورة ص «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ» النبي (صلى الله عليه وآله) لما سؤل عن خلفاء الله قال: "كل من امر بالمعروف ونهى عن المنكر هو خليفة الله في الارض وخليفة رسوله" كان النبي احياناً يردد: "اللهم ارحم خلفائي" قيل ومن خلفاءك يا رسول الله؟
قال: "الذين يروون حديثي للناس" طبعاً الحديث يروونه الكثير من الادعاءات انها تروي الاحاديث عن رسول الله ولكن اسلم وانظف وانقى من روى عن النبي هم الائمة اذن هم خلفاءه، بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المصداق بهذا المعنى خلفاء الله في الارض هم امير المؤمنين والائمة، اهل البيت حسب الاية وطبعاً نصوص كثيرة صادعة بهذا والاية واضحة قل: «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ» واوضح لنا اهل البيت الذين لا يشك احد بسلامة كلامهم وطبعاً كلامهم نور انهم المعنيون بهذه الاية وانهم المصاديق الكاملة لهذا المعنى والقرآن يفسر بعضه بعضاً، بعد الله وبعد النبي من هم انظف الناس؟ هناك آية تجيبنا «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فهم انقى وانظف طبقة على وجه الارض طبعاً بعد غيبة الامام المهدي خلفاء الله على وجه الارض هم الفقهاء، الفقهاء الصالحون، الفقيه العادل المتقي هو خليفة الله، الفقيه السليم في سلوكه، من تجمع عليه الامة فهو خليفة الله وهو ما نصفه بالولي الفقيه وطبعاً اليوم هذا المعنى متمثل بالامام الخامنئي دام ظله الذي هو الولي الفقيه وولي امر المسلمين، ما من شك وهذا امر واضح تشهد به التفاسير والنصوص ان الخلفاء لله من يأمر بالتوحيد وتطبيق العدل وطبعاً اول ما يطبق ذلك على نفسه «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ».
*******
نتابع تقديمها بنقل الروايات الشريفة الدالة علي أن أُولِي الأَمْرِ الذين أمر الله بطاعتهم الي جانب الله ورسوله في الآية التاسعة والخمسين من سورة النساء هم أوصياء النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) وهنا نحتاج إلي الرواية، وإلي الاستدلال بالآية.
عن الشيخ الصدوق بإسناده عن أبي الجارود، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ» قال: إنّ رهطا من اليهود أسلموا، منهم: عبد الله بن سلام، وأسد وثعلبة، وابن يامين وابن صوريا، فأتوا النبيّ (صلي الله عليه وآله) فقالوا: يا نبيّ الله، إنّ موسي أوصي إلي يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله؟ ومن ولينا بعدك؟
فنزلت هذه الآية: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ».
قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): قوموا.
فقاموا وأتوا المسجد، فإذا سائل (أي فقير) خارج، فقال (صلي الله عليه وآله): يا سائل، هل أعطاك أحد شيئاً؟
قال: نعم، هذا الخاتم.
قال: من أعطاكه؟
قال: أعطانه ذلك الرجل الذي يصليّ.
قال: علي أيّ حال أعطاك؟
قال: كان راكعاً.
فكبّر النبيّ (صلي الله عليه وآله)، وكبّر أهل المسجد.
فقال النبيّ (صلي الله عليه وآله): عليّ وليكم بعدي.
قالوا: رضينا بالله ربّا، وبحمدّ نبيّا، وبعليّ بن أبي طالب وليّاً.
فأنزل الله عزّوجلّ: «وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ».
أما الاستدلال فنأخذه من رسالة الإمام أبي الحسن الثالث، عليّ بن محمّد الهادي (عليه السلام) ضمن ردّه علي أهل الجبر والتفويض، رواها ابن شعبّة الحرّاني في (تحف العقول عن آل الرسول)، والطبرسيّ أبو منصور أحمد بن علي في (الاحتجاج)، وقد جاء فيها: وقد اجتمعت الأمّة قاطبة لا اخلاف بينهم، أنّ القرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع الفرق، وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه، مصيبون مهتدون، وذلك بقول رسول الله (صلي الله عليه وآله): (لا تجتمع أمّتي علي ضلالة)، فأخبر أنّ جميع ما اجتمعت عليه الأمة كلّها حقّ، هذا إذا لم يخالف بعضها بعضاً والقرآن حقّ لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه، فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه، وأنكر الخبر طائفة من الأمّة، لزمهم الإقرار به ضرورةً حين اجتمعت في الأصل علي تصديق الكتاب، فإذا هي جحدت وأنكرت لزمها الخروج من الملّة، فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب، وتصديقه، والتماس شهادته عليه، خبر ورد عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه، بحيث لا تخالفه أقاويلهم، حيث قال: (إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي - أهل بيتي، لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما، وإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض). فلمّا وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصّاً، مثل قوله جلّ وعزّ: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ» وروت العامّة في ذلك أخباراً لأمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه تصدّق بخاتمه وهو راكع، فشكر الله ذلك له وأنزل الآية فيه، فوجدنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد أتي بقوله: (من كنت مولاه، فعليّ مولاه)، وبقوله: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي)، ووجدناه يقول: (عليّ يقضي ديني، وينجز موعدي، وهو خليفتي عليكم من بعدي).
*******