الحمد لله الذي العزيز الوهّاب، وأفضل الصلاة والسلام علي حبيبه المصطفي، وعلي آله الأطياب.
أهلا ومرحبا بكم، في هذا اللقاء النافع معكم، وقد انتهينا معاً في الحديث السالف إلي ضرورة استمرار النبوّة بعد رحيل النبيّ، كأصل عقائديّ ثابتٍ في الأديان، فما كان من نبيّ إلّا وكان له وصيّ، بل كان له أوصياء متتابعون إلي أن يبلغ الأمر إلي النبيّ الذي بعده. إذاً، لابدّ النبيّ من إمام وصيّ خليفةً له، وهكذا، لتكون الخلافة الإلهيّة ماضيةً في العباد، إلي يوم المعاد، باختيار وانتخاب من الله تعالي بعد عناية خاصة، ورعاية خاصة، وبعهد ربّاني خاص، حتي يتحلّي بالمواهب الإلهيّة الخاصّة، فيكون واحد دهره، ليس له مثل ولا نظير، أو كما يصفه الإمام الرضا (عليه السلام) بقوله: (الإمام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل. معدن القدس والطهارة والنّسك والزهادة، والعلم والعبادة. مخصوص بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ونسل المطهّرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش، والذّروة من هاشم، والعترة من الرسول (صلى الله عليه وآله)، والرضي من الله عزّوجلّ، شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف. نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة. مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عزّوجلّ، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله ...).
أو كما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله في وصفه: (الإمام هو المنتجب المرتضي، والهادي المنتجي، والقائم المرتجي. اصطفاه الله بذلك واصطنعه علي عينه من الذّرّ حين ذرأه، وفي البريّة حين برأه، ظلّاً قبل خلق نسمة عن يمين عرشه، محبوّاً بالحكمة في علم الغيب عنده، لم يزل مرعياً بعين الله، يحفظه ويكلأه بستره، مطروداً عنه حبائل إبليس وجنوده، مدفوعاً عنه وقوب الغواسق، ونفوث كلّ فاسق، مصروفاً عنه قوارف السّوء، مبّرءاً من العاهات، محجوباً عن الآفات، معصوماً من الزّلّات، مصوناً عن الفواحش كلّها...).
*******
النصوص الدالة علي وجوب عصمة الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) كثيرة ويستفاد منها أن توفر العصمة شرط أساسي يجب توفرة في خليفة الله وحجته علي خلقه سواء كان نبياً أو وصياً وإلا ما كان خليفة الله وهنا نتسائل ما هي علة إشتراط العصمة كشرطٍ في الخلافة الإلهية؟
نستمع للاجابة عن هذا التساؤل من ضيف هذه الحلقة من برنامج خلفاء الله سماحة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ تفسير القرآن في الحوزة العلمية من مدينة قم المقدسة:
السيد عبد السلام زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم طبعاً علة اشتراط العصمة في حجج الله سواءاً كانوا من الانبياء او من الائمة (عليهم السلام) لأن هؤلاء قدوة واسوة فحينما يصدر خطأ منهم واحد فالامة كل الامة الى يوم القيامة ستقوم بهذا الخطأ ولهذا الدليل الاول على العصمة هو الدليل العقلي يعني ان العقل يحكم بعصمة الانبياء والمرسلين والائمة (عليهم السلام) لأنهم الحلقة الرابطة بين الله عزوجل وبين الناس لأنهم اسوة، لأنهم قدوة وطبعاً ان القدوة والاسوة اذا اخطأ فأن كل الناس سيخطأون كذلك ولهذا كان العقل يحكم بوجوب عصمة الانبياء والمرسلين والائمة (عليهم السلام) هذا الامر الاول يعني العصمة قضية عقلية قبل ان تكون قضية نقلية وما نراه في القرآن الكريم من بعض الايات المباركة التي قد تبدو منها عدم العصمة للانبياء لابد ان نؤول هذه الايات جميعاً على اساس هذه القاعدة العقلية قاعدة العصمة لأن الظهور حجة من اروع القواعد ومن اوائل القواعد التفسيرية، الظهور حجة ما لم يخالف قرينة عقلية قطعية او قرينة نقلية قطعية او حقيقة علمية ولهذا يؤول الظهور حينما يصطدم مع قرينة عقلية قطعية ومن اكبر القرائن العقلية القطعية هي عصمة الانبياء والمرسلين ولهذا نؤول كل الآيات التي قد يرى من ظاهرها ان فيها خدش بسلوك المعصوم من الانبياء والمرسلين مثلاً قضية هروب يونس (عليه السلام): «وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ» تصدى الامام الرضا (عليه السلام) في مجلس المأمون الى الكثير من المسائل من معصية آدم«وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى» الى هروب يونس الى يوسف (عليه السلام): "وهمت به وهم بها لولا ان رآى برهان ربه" الامام الرضا في رواية طويلة في مجلس المأمون يسأله علي بن الجهم حول هذه الايات المباركة والامام يفسر مثلاً «وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ» نقدر ليس بمعنى القدرة، بمعنى التضييق، ان نضيق عليه، الامر الثاني في العصمة هو النقل يعني النقل يؤكد القرآن ان هؤلاء معصومون «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى».
كل ما يقوله النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) هو لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى طبعاً وان قسمت العصمة، العصمة في التبليغ، العصمة في اداء الرسالة، العصمة في التبليغ من الله عزوجل، العصمة في السلوك يعني هل ان النبي يخطأ؟ طبعاً كل هذه دليلها العقل والنقل كذلك فالدليل الاول على عصمة حجج الله (عليهم السلام) سواءاً كانوا من الانبياء المرسلين او من الائمة المعصومين هو العقل والدليل العقلي يقول حينما يخطأ نبي من الانبياء مثلاً لة فرضنا خطأ نبي لأخطأت الامة جميعاً لأنه اسوة وقدوة ولهذا كان تقرير المعصوم حجة، كان فعل المعصوم حجة يعني قوله وفعله وتقريره حتى التقرير يعني حينما يرى الانسان يعمل شيئاً ويوافق على هذا العمل، هذا العمل لابد وان يكون صحيحاً، لابد ان يكون شرعياً لأن حتى تقرير المعصوم بأعتباره يجب عليه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا حينما لايتكلم المعصوم، لايعارض على هذا العمل فتكون موافقته، يكون تقريره حجة لأنه معصوم ولأنه حجة هو كذلك فعليه ان يغير اذا كان خطأً اذن الدليل الاول هو الدليل العقلي والدليل الثاني هو الدليل النقلي.
*******
نبقي معاً نحوم حول خصائص الإمامة والإمام، لتتبيّن حقائق كبري في الخلافة الإلهيّة الحقة، فمن خلال الحقّ، يعرف من أهل الحقّ، كما ورد في وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن الحقّ لا يعرف بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله).
ولعلّ سائلاً يقول: إذا كان هنالك إمام عرف بدليل، فما الدليل علي الإمام من بعده. وجواب ذلك واضح أيضاً، إذ وردت الروايات صريحةً من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعرّف بأوصيائه جميعاً، بأسمائهم وأسماء آبائهم، بل وبألقابهم وخصائصهم، وقد عرضنا علي أسماعكم بعضها في لقاءاتنا السابقة، من طريق علماء السنّة وعلماء الشيعة، ثمّ ذكرنا أنّ الإمامة لا تكون للإمام إلّا بالنصّ من الله تعالي علي لسنا النبيّ، أو علي لسان الإمام الذي قبله.
وقد جاء في (الكافي) الشريف للشيخ الكلينيّ قول الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث طويل: (فإذا انقضت مدّة والده (أي والد الإمام) إلي أن انتهت به مقادير الله إلي مشيئته، وجاءت الإرادة من الله فيه إلي محبّته، وبلغ منتهي مدّة والده، فمضي، وصار أمر الله إليه من بعده وقلّده دينه، وجعله الحجّة علي عباده، وقيّمه في بلاده وأيّده بروحه، وآتاه علمه، وأنبأه فصل بيانه، إستودعه سرّه، وانتدبه لعظيم أمره، وأنبأه فضل بيان علمه، ونصبه علماً لخلقه، وجعله حجّة علي أهل عالمه، وضياء لأهل دينه، والقيّم علي عباده، رضي الله به إماماً لهم، استودعه سرّه، واستحفظه علمه، واستخبأه حكمته، واسترعاه لدينه، وانتدبه لعظيم أمره، وأحيا به مناهج سبيله وفرائضه وحدوده فقام بالعدل عند تحيّر أهل الجهل، وتحبير أهل الجدل، بالنور الساطع والشفاء النافع بالحقّ الأبلج، والبيان الّلائح من كلّ مخرج، علي طريق المنهج، الذي مضي عليه الصادقون من آبائه (عليهم السلام). فليس يجهل حقّ هذا العالم إلّا شقيّ، ولا يجحده إلّا غويّ، ولا يصدّعنه إلّا جريّ علي الله جلّ وعلا).
وتفد علينا الروايات وافرة في (الكافي) وغيره، تخبرنا أنّ الوصاية نزلت من الله تعالي في أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، خلفاء لرسول الله علي عهد من الله، فكان ممّا ورد في ذلك أنّ لكلّ إمام صحيفة باسمه، فيها تكاليفه التي عينها الله تعالي له، كذا ورد أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
إنّ الله عزّوجلّ أنزل علي نبيه (صلى الله عليه وآله) كتاباً قبل وفاته فقال: يا محمّد، هذه وصيتك إلي النّجبة أهلك.
قال: وما النّجبة يا جبرئيل؟
فقال: عليّ بن أبي طالب وولده (عليهم السلام). وكان علي الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلي أمير المومنين (عليه السلام) وأمره أن يفك خاتماً منه ويعمل بما فيه.
ففك أمير المؤمنين (عليه السلام) خاتماً وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلي ابنه الحسن (عليه السلام) ففك خاتماً وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلي الحسين (عليه السلام) ففك خاتماً فوجد فيه أن اخرج بقوم إلي الشهادة، فلا شهادة لهم إلّا معك، وآشر نفسك لله عزّوجلّ، ففعل، ثمّ دفعه إلي عليّ بن الحسين (عليه السلام) ففك خاتماً فوجد فيه أن أطرق واصمت، والزم منزلك، واعبد ربّك حتي يأتيك اليقين، ففعل، ثمّ دفعه إلي ابنه محمّد بن عليّ (عليه السلام)، ففك خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وأفتهم، ولا تخافنّ إلّا الله عزّوجلّ، فإنّه لا سبيل لأحدٍ عليك، ففعل، ثمّ دفعه إلي ابنه جعفر (عليه السلام) ففك خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وأفتهم، وانشر علوم أهل بيتك، وصدّق آباءك الصالحين، ولا تخافنّ إلّا الله عزّوجلّ، وأنت في حرز وأمان، ففعل، ثمّ دفعه إلي ابنه موسي (عليه السلام)، وكذلك يدفعه موسي الي الذي بعده ثم كذلك اليالي قيام المهدي صلي الله عليه.
أجل، كلّ ذلك بأمر من الله وتبليغ أمين من رسول الله، ولذا قال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) لأصحابه: (أترون أنّا الموصي منّا يوصي إلي من يريد؟! لا والله، ولكنّه عهد من رسول الله، (صلى الله عليه وآله) إلي رجل فرجل...).
نعم، اولئك خلفاء الله، وقد امتازوا بأكمل الفضائل، من: العلم والحلم، والعبادة والتقوي، والصدق والعدل والإحسان، والرحمة والرأفة، والإخلاص والأمانة، ومواساة الناس وإغاثتهم، وجميع المكارم في أسماها، فكانوا للناس - كرسول الله - نعم، اولئك خلفاء الله، وقد امتازوا بأكمل الفضائل، من: العلم والحلم، والعبادة والتقوي، والصدق والعدل والإحسان، والرحمة والرأفة، والإخلاص والأمانة، ومواساة الناس وإغاثتهم، وجميع المكارم في أسماها، فكانوا للناس - كرسول الله - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أولي أن يصدّقوا فيتـّبعوا ويطاعوا، ويتولّوا دون غيرهم.
*******