البث المباشر

ما الفرق بين مهمة النبي (صلي الله عليه وآله) كمنذر ومهمة أوصيائه (عليهم السلام) كهداة

الأربعاء 19 يونيو 2019 - 12:20 بتوقيت طهران

الحمد لله الذي غمر عباده بعنايته، وأشرف الصلاة والسلام علي المصطفي سيّد بريّته، وعلي آله أهل بيته وعترته.
يعلم كلّ مسلم، أنّ الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، كما كانوا منذرين، كانوا هادين، ولكنّ الله تبارك وتعالي عندما خاطب رسوله الأكرم (صلّي الله عليه وآله وسلّم) قال له: «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (سورة الرعد، ۷) فيفهم من خلال هذه الآية المباركة أنّ هناك هادياً ما أنّ هناك منذراً، فإذا كان النبيّ منذراً فمن يكون الهادي يا تري؟
قال بعض أصحاب التفسير، ومنهم العلّامة الطباطبائي في تفسير (الميزان): المعني: إنّما أنت تهديهم من طريق الإنذار، وقد جرت سنّة الله في عباده أن يبعث في كلّ قوم هادياً يهديهم. والآية الشريفة تدلّ علي أنّ الأرض لا تخلو من هاد يهدي الناس إلي الحقّ: إمّا نبيّ منذر، وإمّا هادٍ غيره يهدي بأمر الله تعالي. أي لا تخلو الأرض في كلّ زمان من الخلافة الإلهية، يكون فيها نبيٌ منذر، أو إمام هاد إلي الحقّ بعد النبيّ الذي أنذر وهدي، وإلّا كيف تفهم الآية إذا يكن هاد بعد رحيل النبيّ؟!
وقد روي الشيخ الكلينيّ في (الكافي) أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله قد قال في ظلّ الآية الكريمة: (أنا المنذر وعليّ الهادي)، وفي هذا المعني روي الشيخ في (معاني الأخبار)، والصفار القمّي في (بصائر الدرجات)، والعيّاشيّ والقميّ في تفسيريهما، وغيرهم بأسانيد عديدة.
قيل: معني قول رسول الله (صلي الله عليه وآله): (أنا المنذر وعليّ الهادي) أنّي مصداق المنذر، والإنذار هداية مع دعوة، وعليّ مصداق للهادي من غير دعوة ورسالة، وهو الإمام، جاء في (الدرّ المنثور) للسيوطيّ الشافعيّ: أخرج ابن جرير الطبري، وابن مردويه، وأبو نعيم الأصفهاني في (المعرفة)، والديلميّ في (فردوس الأخبار)، وابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق)، وابن النجار، أنّه لمّا نزلت الآية: «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» وضع رسول الله (صلي الله عليه وآله) يده علي صدره وقال: (أنا المنذر)، وأومأ بيده إلي منكب عليّ فقال: (أنت الهادي يا عليّ، بك يهتدي المهتدون من بعدي).
وعلي ضوء قوله عزوجل: «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» صرح النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) في كثير من صحاح الأحاديث الشريفة بأن أئمة عترته الإثنا عشر هم الهداة وأولهم علي (عليه السلام) وهم خلفاء الله من بعده وسننقل بعض نماذجها لاحقاً.

*******

أما الآن فنسأل: ما الفرق بين مهمته (صلي الله عليه وآله) كمنذر ومهمة أوصيائه (عليهم السلام) كهداة؟
نستمع معاً للاجابة عن هذا التساؤل من ضيفنا الكريم في هذه الحلقة من برنامج خلفاء الله وهو سماحة الشيخ محمود آل سيف الباحث الاسلامي من السعودية:
الشيخ محمود آل سيف: من المنة لله جل وعلا على العباد ان بعث في اوساطهم الانبياء والرسل وجعل وجود الرسول والرسالة دائر مدار العقاب والحساب «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» فالعقاب من الله والمسائلة هي بعد اقامة الحجة على الخلق والخلق يسائلون عن ابلاغ ما وصل اليهم من رسالة ومن احكام ومن تشريعات الهية فهذه منة لله تبارك وتعالى على العباد، الرسول هو متلقي الوحي من رب السماء والمتلقي الشريعة من السماء ويقوم بأبلاغها الى الناس او الى القوم الذين يعيش معهم ونجد الى جانب الرسول والى جانب النبي الاوصياء والاولياء الذين يقومون بدور الرسول في الابلاغ ودور الرسول في المحافظة على رسالة الرسول والدعوة اليها وتوضيحها وعندما نتأمل في الاية الكريمة «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» نجد ان الانذار والهداية دور واحد، النبي يقوم بدور الانذار والبشارة من جانب ودور الهداية ايضاً ولكن نجد التعدد في الوظيفة في هذه الآية الكريمة«إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فكأنما الهادي هو الامام الذي يأتي بعد الرسول ليبلغ ويهدي الخلق الى شريعة النبي والى رسالة النبي، ما هي رسالة النبي؟ وما هي شريعة النبي؟ الرسالة هي الاسلام، الشريعة هي الاسلام والرسالة هي القرآن التي جاء بها النبي ونزلت على رسول الله، دور الامام؟ الامام لا يوحى اليه وانما يوحى الى النبي فقط ولكن حتى تتكامل الرسالة وحتى تتم الحجة على الخلق من الله تبارك وتعالى على الخلق بالامام فوجود الامام يعتبر لطف من الله سبحانه وتعالى، يقوم الامام بهذه الوظائف اولاً انه يحافظ على رسالة النبي وثانياً يدعو اليها ويبين غامضها وايضاً هناك حوادث تقع في كل مجتمع وفي كل زمان يقوم هذا الامام ببيان الوظيفة الشرعية على ضوء ما جاءت به الرسالة وما جاءت به النبوة فقول الرسول هو القول الفصل في كل مسألة وانما يبلغه ويشرحه الامام ولهذا نجد ان وظيفة الامام ووظيفة الولي هو الوارث وهو الوارث للرسالة، الوارث للعلمن الوارث لدور النبي صلى الله عليه واله وسلم فأذا اعتبرنا ان دور النبي هو الابلاغ والدعوة وتلقي الوحي وهو منذر ومبشر فأن وظيفة الامام هي هداية الناس الى طريق الانبياء، هداية الناس الى رسالة الانبياء وتوضيح ما كان غامضاً فيها او مبهماً عند الخلق، هذه هي وظيفة الامامة يحافظ على وصايا النبوة ويحافظ على الشريعة ويبينها للناس ويمكن الحديث: "انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي" وفي بعض الروايات "لا نبوة بعدي" يعني ليس هناك من رسالة جديدة وانما الرسالة الخاتمة هي رسالة الاسلام ودور الانبياء هو التبشير والدعوة والبيان في اطار وحدود هذه الرسالة السمحاء.

*******

نواصل الحديث عن الآية الكريمة «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ».
ونبقي مع الآية، وكذا الرواية، لتتكامل لدينا صورة الخلافة الإلهية في العباد، فنجد أنّ الثعلبي في تفسيره (كشف البيان) يروي ما رواه السيوطيّ في (الدرّ المنثور)، ولكنّ سنده: عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله)، كذا ينتهي إلي ابن عباس كلّ من: ابن جرير الطبريّ في تفسيره (جامع البيان)، والفخر الرازي في (التفسير الكبير)، والمتـّقي الهنديّ في (كنز العمّال)، وكذا الشبلبنجيّ الشافعي في (نور الأبصار)، والمناويّ في (كنوز الحقائق)، وغيرهم، فيما روي الحاكم النيسابوري الشافعيّ في (المستدرك علي الصحيحين) بسند ينتهي إلي أبي بريدة الأسلمي أنّه قال: دعا رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالطّهور (أي بماء للوضوء)، وعنده عليّ بن أبي طالب، فأخذ رسول الله (صلي الله عليه وآله) بيد عليّ بعدما تطهّر فألصقها بصدره ثمّ قال: «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ»- ويعني نفسه -، ثم ردّها إلي صدر عليّ فقال: «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»، ثمّ قال لعليّ: (أنت منار الأنام، وغاية الهدي، وأمير القرّاء، أشهد علي ذلك أنّك كذلك). رواه ابن شهر آشوب في (مناقب آل أبي طالب) عن الحاكم الحسكانيّ الحنفي في (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل)، والمرزبانيّ في كتابه (فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين) ومن طرق علماء السنّة في هذا المعني روايات أخري كثيرة. وفي (معاني الأخبار) قال الإمام الصادق (عليه السلام) في ظلّ قوله تعالي: «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»: (كلّ إمام هادٍ لكلّ قوم في زمانهم).
وفي رواية أخري: (كلّ إمام هاد للقرن الذي هو فيهم) وفي ظلّ الآية ذاتها قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): رسول الله (صلي الله عليه وآله) المنذر، ولكلّ زمان منّا هاد يهديهم إلي ما جاء به نبي الله (صلي الله عليه وآله)، ثم الهداة من بعده عليّ، ثمّ الأوصياء واحداًَ بعد واحد، وفي رواية أخري عنه كذلك صلوات الله عليه قال: رسول الله (صلي الله عليه وآله) المنذر، وعليّ الهادي، أما والله ما ذهبت منّا، ومازالت فينا إلي الساعة.
وهكذا يتـّضح لنا من خلال هذه الآية وآيات أخر، ومن خلال رواياتها، أنّ الخلافة الإلهيّة لم تنقطع إلي يوم القيامة، وأنّ خلفاء الله تعالي موجودون في كلّ زمان، وإن اقتضت الحكمة الإلهيّة غيبة بعضهم، كغيبة النبيّ إلياس (عليه السلام)، وغيبة الخضر (عليه السلام)، وغيبة المسيح عيسي ابن مريم (عليه السلام) حيث رفعه الله إليه، وغيبة خاتم الأوصياء الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه الشّريف).
وقد يسألنا سائل: إذا كانت الخلافة الإلهيّة مستمرّة، ففي من استمرّت بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟
يجيب علي هذا السؤال: الشيخ سليمان القندوزي، وهو حنفيّ المذهب، في كتابه (ينابيع المودّة) يروي عن (فرائد السّمطين) للحموينيّ الجوينيّ، وهو شافعيّ المذهب، بسنده عن مجاهد عن ابن عبّاس، وكلاهما ثقتان مرضيّان في رجال رواة علماء السنّة، قال: قدم يهوديّ يقال له (نعثل) فقال: يا محمّد، أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها أسلمت علي يديك.
قال: سل يا أبا عمارة.
فأخذ يسأل في التوحيد والنبيّ (صلي الله عليه وآله) يجيبه، إلي أن قال نعثل: صدقت، فأخبرني عن وصيّك من هو؟ فما من نبيّ، إلّا وله وصيّ، وإنّ نبيّنا موسي بن عمران أوصي يوشع بن نون.
فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (إنّ وصييّ عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين).
فعاد نعثل يقول: يا محمّد، فسمّهم لي.
فأجابه (صلي الله عليه وآله) إلي ذلك قائلاً: إذا مضي الحسين فابنه عليّ، فإذا مضي عليٌّ فابنه محمّد، فإذا مضي محمّد فابنه جعفر، فإذا مضي جعفر فابنه موسي، فإذا مضي موسي فابنه علي، فإذا مضي عليّ فابنه محمّد، فإذا مضي محمّد فابنه محمّدٌ فابنه عليّ، فإذا مضي عليّ فابنه الحسن، فإذا مضي الحسن فابنه الحجّة محمّد المهديّ، فهؤلاء اثنا عشر.
وتمضي الرواية حتي تقول بأنّ نعثلاً أنشأ أبياتاً يقول فيها مخاطباً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): صلّي الإله ذو العلي عليك يا خير البشر- أنت النبيّ المصطفي والهاشميّ المفتخر بكم هدانا ربّنا وفيك نرجو ما أمر - ومعشرٍ سمّيتهم أئمّة إثنا عشر حباهم ربّ العلي ثمّ اصطفاهم من كدر - قد فاز من والاهم وخاب من عادي الزّهر آخرهم يسقي الظّما وهو الإمام المنتظر - عترتك الأخيار لي والتابعين ما أمر من كان عنهم معرضاً فسوف تصلاه سقر.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة