البث المباشر

تفصيل الآية «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا»

الأربعاء 19 يونيو 2019 - 10:04 بتوقيت طهران

الحمد لله بارئ الخلق، باسط الرزق، ذي الجلال والإكرام، والفضل والإنعام، وأشرف صلواته علي رسوله سيّد الأنام، وعلي آله الهداة الكرام.
لقد خلق الله الخلق وخلق معه أسباب الهداية، وإن جاءت الهداية في تأخّر رتبيّ زمانيّ، فيوم سأل فرعون موسي وهارون (عليهما السلام) كما في الآية المباركة: «قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى، قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى» (سورة طه، ٤۹-٥۰).
قال أصحاب التفسير: الهداية هي إيصال الشيء إلي مطلوبه، أو إلي غايته التي يرتبط بها وجوده والمراد بالهداية هنا هو الهداية العامّة الشاملة، دون الهداية الخاصّة بالإنسان، والآية الكريمة مشتملة علي البرهان علي كون الله تعالي ربّ كلّ شيء لا ربّ غيره، وهو الذي يهدي عباده إلي ما فيه خيرهم وصلاحهم وسعادتهم.
وكان من أسباب هدايته تبارك وتعالي عباده أن بعث إليهم خلفاءه سفراء بينه وبينهم، يوصلون إليهم آياته مشعّة بالعقائد الصحيحة والشرائع الشريفة والأخلاق الرفيعة، في كتب إلهيّة مقدّسة قد تضمّنت:
أوّلاً: العقائد التوحيديّة السليمة من الشّرك والضّلال.
ثانياً: الأحكام الشرعيّة المتضمّنة للواجبات والمحرّمات، وما بينهما من المستحبّات والمكروهات، مشفوعةً بالعلل والوصايا والتنبيهات.
ثالثاً: مكارم الأخلاق وفضائلها، في نفس المرء وبين أسرته ومجتمعه ما يضمن سلامة معاشراته وروابطه مع الناس.
وبهذا لم يترك الله جلّ وعلا عباده سديً هملاً، بل وضع لهم مناهج الحياة الطيّبة ما يسعدون بها في دنياهم، ويمهّدون بها لنعيم أخراهم.
وفي باب الهداية أيضاً نجد خصوصية أخري لأئمة الحق المنصوبين من الله جل جلاله تميزهم عن غيرهم، وهي أن هدايتهم تكون بأمر الله عزوجل، وهذا ما تصرح به الآيات الكريمة نظير قوله عزّ من قائل: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا».

*******

وهنا يثار سؤال عن امر الله فما المراد منه؟ نتلمس الاجابة عن هذا السؤال من الحديث الهاتفي التالي لسماحة السيد محمد الموسوي رئيس رابطة اهل البيت العالمية من لندن:
السيد محمد الموسوي: بسم الله الرحمن الرحيم وردت هذه العبارة في كتاب الله العزيز «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» في سورة الانبياء كما وردت في سورة السجدة «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» هؤلاء هم الائمة الذين امر الله عزوجل العباد بطاعتهم، امر الله هو حكمه وهم الذين يهدون الناس لأمر الله فنصف هؤلاء الائمة هو من امر الله وانما يهدون الناس لا لأي هدف دنيوي وانما يهدون الناس بأمر الله فهم ائمة منصوبون من قبل الله وهذه الاية فيها دليل واضح على ان ائمة الهدى لايأتون من خلال انتخابات او اي عملية بشرية وانما هي من امر الله اي عملية تعيين وتشخيص ائمة الهدى انما هي من امر الله عزوجل وقد قال الله عزوجل: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» فالمؤمن ينبغي عليه ويجب عليه ان يمتثل لأمر الله الذي هو بقدرته وبحكمته وبعلمه وبرحمته عين للناس ائمة الهدى بأمره وهم الذين نصبوا بأمر الله ويهدون الناس لأمر الله عزوجل وهذا يعني ان تعيينهم بأمر الله وان كل هديهم بأمر الله وهو دليل آخر على عصمتهم لأن ائمة الهدى وهم «يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» اي بأمر الله عزوجل لا يهدون الا الى الخير وهذا دليل على عصمتهم التامة ولو لم تكن لهم عصمة تامة لما قال الله عزوجل «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» لأنه لا يمكن ان يجتمع امر الله مع المعصية اذن هنا دليل أخر على عصمة هؤلاء الائمة (عليهم السلام) فأمر الله عزوجل في نصبهم وامر الله عزوجل فيما يدعون اليه ويهدون الناس اليه كما نقرأ «وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ» نعم هم العابدون حق العبادة وهم المعصومون وهم الذين يهدون الناس الى الله عزوجل وهذا ما نقرأه في الزيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الامام علي الهادي (عليه السلام) الامام العاشر من ائمة المسلمين عندما نخاطبهم فنقول: «من اراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم»، فالائمة (عليهم السلام) يهدون بأمر الله وهم منصوبون من عند الله عزوجل كما نصب هو عزوجل انبياءه دون تدخل بشري وكذلك فأن ائمة الهدى من الله عزوجل دون تدخل بشري وكذلك نلاحظ ان هذه الآية الكريمة التي يقرأها المسلمون جميعاً وهي الناصة«وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» تدعو المسلمين كافة الى التمسك بأمر الله والتمسك بأئمة الهدى هو التمسك بأمر الله وهذا ما نقرأه في الاحاديث الشريفة في تفسير قوله تبارك وتعالى «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا» التمسك بأئمة الهدى هو التمسك بأمر الله او التمسك بحبل الله المتين والمسلمون جميعاً مطالبون ان يمتثلوا لأئمة الهدى لأن امر ائمة الهدى ليس امراً شخصياً وليس امراً سياسياً وليس امراً حزبياً او فئوياً بل هو امر من الله عزوجل فالمسلمون جميعاً مطالبون باتباع ائمة الهدى لأن الله عزوجل جعلهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بأمره ولا يمكن لمسلم ان يعصي امر الله ولا يمكن له ايضاً ان يعصي اماماً، امام هدى يهدي بأمر الله عزوجل وهذه ايضاً من الايات الداعية للمسلمين ان يعتصموا بحبل الله وان يتوحدوا على اتباع ائمة الهدى ولا يتفرقوا فرقاً فرقاً بعيداً عن ائمة الهدى وهذا ما نقرأه في الاحاديث الشريفة وبالذات حديث الثقلين: "اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابداً كتاب الله وعترتي اهل بيتي" هؤلاء ائمة الهدى الذين يهدون الناس بأمر الله والتمسك بهم مع كتاب الله عزوجل لأنه لا يمكن ان ينفصلا ولا يمكن ان يفترقا يعني التمسك بما امر الله عزوجل والامن من الضلالة والابتعاد عنهم يعني الابتعاد عن كتاب الله والابتعاد عن امر الله وهو نتيجة حتمية له ان يضل الانسان عن الدين المستقيم والصراط الحق ولذلك نقول بهذه الاية الكريمة «يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» امر للمسلمين جميعاً بالامتثال لأمر الله عزوجل واتباع ائمة الهدى الذين يهدون بامر الله والله هو الذي جعلهم «وَجَعَلْنَاهُمْ» ولم ينتخبهم احد ولم يعينهم شخص ولم تأتي بهم ظروف سياسية وانما «وَجَعَلْنَاهُمْ» الله عزوجل جعلهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بأمره وهذه الآية تدعو المسلمين جميعاً لأمتثال امر الله والتوحد تحت لواء ائمة الهدى الذين يأمرون الناس بالهدى بأمر الله عزوجل.

*******

وكان لخلفاء الله (عليهم السلام) من النبيّين والمرسلين، وخلفائهم الوصيّين صلوات الله عليهم أجمعين، دورٌ كبيرٌ في هداية الأمم وإنقاذها من ظلمات الجاهليات وضلالاتها الاعتقاديّة وسلوكيّاتها الانحرافيّة، حيث جاؤوا عليهم السلام يقدّمون لمجتمعاتهم: الكتب المقدّسة خطابات قدسية من الباري عزّوجلّ، والشرائع الحقّة التي تهذّب حياتهم، والوصايا النيّرة التي تضعهم علي طريق النور والهداية، كل ذلك مقروناً بالسيرة الطاهرة المعصومة من الزّلل، بل من كلّ زلل.
فكانت النبوّات والرسالات الشريفة رحمات إلهيّة أغدقت علي البشر في كلّ عمر الدنيا، حتي جعل العلماء لها عنواناً اسمه: (قاعدة اللّطف الإلهيّ). كتب الشيخ محمّد رضا المظفـّر رحمه الله في مؤلفه النافع "عقائد الإماميّة" يقول: نعتقد أنّ النبوّة وظيفة إلهيّة، وسفارة ربانية، يجعلها الله تعالي لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين، وأوليائه الكاملين في إنسانيتهم، فيرسلهم إلي سائر الناس لغاية إرشادهم إلي ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة، ولغرض تنزيههم وتزكيتهم من درن مساوئ الأخلاق ومفاسد العدات، وتعليمهم الحكمة والمعرفة، وبيان طرق السعادة والخير، لتبلغ الإنسانية كمالها الّائق، فيرتفع الناس بذلك إلي درجاتهم الرفيعة في الدارين: دار الدنيا ودار الآخرة.
ثمّ قال الشيخ المظفر مضيفاً: ونعتقد أنّ قاعدة اللّطف توجب أن يبعث الخالق اللطيف بعباده رسله لهداية البشر، وأداء الرسالة الإصلاحيّة، وليكونوا سفراء الله وخلفاءه. كما نعتقد أنّه تعالي لم يجعل للناس حقّ تعيين النبيّ أو ترشيحه أو انتخابه، وليس لهم الخيرة في ذلك، بل أمر كلّ ذلك بيده تعالي، لأنّه أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ.
وتوالت النبوّات والرسالات، وتتابع الأنبياء والمرسلون، حتي بلغ أمر الله تعالي واختياره الحكيم إلي المصطفي محمّد (صلي الله عليه وآله)، فكان طاهر المولد زكيّ المحتد، أميناً صادقاً، منزّهاً عن الرذائل جميعها قبل بعثته، لكي تطمئنّ إليه القلوب، وتركن إليه النفوس، ويستحقّ المقام الإلهيّ العظيم ونعم ما وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال في إحدي خطبه في الأنبياء (عليهم السلام): (فاستودعهم في أفضل مستودع، وأقرّهم في خير مستقرّ، حتي أفضت كرامة الله سبحانه وتعالي إلي محمد (صلي الله عليه وآله)، فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً، وأعزّ الأرومات مغرساً، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتجب منها أمناءة. عترته خير العتر، وأسرته خير الأسر، وشجرته خير الشّجر، نبتت في حرم وبسقت في كرم).
أجل، وكان (صلي الله عليه وآله) معصوماً متـّصفاً بأكمل الصفات الخلقيّة والعقليّة وأفضلها، فوثق به الناس واطمئنّوا به، وكانت له الرئاسة العامّة علي جميع الخلق، فأدّي عن الله جلّ وعلا كلّ ما أمره به أن يؤدّيه، وبلّغ رسالته علي أكمل وجه وأفضل طريق، حتي إذا دنا رحيله، حجّ حجّة الوداع، وتلا خطبته الغديرية العظمي قبيل الوداع، ما جعل الأمّة في جميع أجيالها علي المحجّة البيضاء والنّمرقة الوسطي، فقال فيما قاله (صلي الله عليه وآله):
معاشر الناس، التقوي التقوي، إحذروا الساعة كما قال الله عزّوجلّ: «إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ» (الحجّ، ۱) إذكروا الممات والحساب والموازين، والمحاسبة بين يدي ربّ العالمين.
معاشر الناس، أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم باتـّباعه، ثمّ عليّ من بعدي، ثمّ ولدي من صلبه أئمة يهدون إلي الحقّ وبه يعدلون.
معاشر الناس، ألا وإنّي منذر وعلي هاد.
معاشر الناس، إنّي نبيّ، وعليٌّ وصيّ، ألا إنّ خاتم الأئمة منّا القائم المهديّ، ألا وإنّ رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلي قولي وتبلّغوه من لم يحضر، وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته، فإنّه أمرٌ من الله عزّوجلّ ومنّي.
معاشر الناس، القرآن يعرّفكم أنّ الأئمّة من بعده ولده، وعرفتم أنّه منّي وأنا منه، حيث يقول الله في كتابه: «وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ»(الزخرف، ۲۸)، وقلت: «لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما».
معاشر الناس، إنّي أدعها إمامةً ووراثةً في عقبي إلي يوم القيامة، وقد بلّغت ما أمرت بتبليغه، حجّةً علي كلّ حاضرٍ وغائب، وعلي كلّ أحدٍ ممّن شهد أو لم يشهد، ولد أو لم يولد، فليبلّغ الحاضر الغائب، والوالد الولد، إلي يوم القيامة وسيجعلونها ملكاً واغتصاباً، ألا لعن الله الغاصبين والمغتصبين!

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة