الحمدُ للهِ ذي البراهين البازغة، والنّعَمِ السابغة، وأزكي صلواتهِ علي محمّدٍ وآلهِ حُجَبِه البالغة.
قال تعالي في مُحكم تنزيله الحكيم، وتبيانهِ العظيم: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» وكان من تكريمه أن شرّفه بأن وَهبَه العقل وخلَقه في أحسنِ تقويم، وبعثَ له الّرُسُلَ والأنبياء، وجعل له الأوصياء، وأنزل له الكتبَ والصُّحُفَ والألواح، ونَصَب له الدلائلَ والبراهين، وأبقي له الآثارَ العلميّةَ من المتقدّمينَ والمتأخّرين.
ويفتخر بنو آدمَ علي المخلوقات أنّ أباهم أبا البشرِ آدم كان صفوة الله، وخليفة َالله، حيث قال تبارك وتعالي في كتابه المجيد: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً» (البقرة، ۳۰).
ولعلّ سائلاً هنا يسأل، أو يتسائل: لماذا خاطبَ اللهُ تعالي الملائكةَ في هذا الأمر؟
فيأتي الجواب: أنّ الله جلّ وعلا قال ذلك للملائكة ثمّ بيّنه للناس لأسبابٍ عديدة:- منها: إظهارُ فضل آدمَ علي الملائكة، وتعريفُه لهم، وإعلامُهم بأنّ صُنعَ هذا المخلوقِ العظيم (آدمَ) (عليه السلام)، كان بمباشرته تبارك وتعالي بلا مداخلةٍ من أحدٍ غيرهِ فيه ومنها: بيانُه عزّوجلّ أن ليس للإنسان معرفةُ حقائقِ الأشياء وأسرارِالخليقة وحِكمِها، فإنّ الملائكة - مع رِفعةِ شأنِهم- قد عَجَزوا عن ذلك ومنها: أنّ المحاورة التي جَرَت بين الله عزّوجلّ والملائكة، كانت تلطُّفاً منه جلّ وعلا لما انكسَرَمن نفوس الملائكة، حيث صَنعَ اللهُ الخليفةَََ من الطينِ الذي هو دونهَم بمراتب.
الجَعل في الُّغة: هو الفعلُ والإحداث، والخلافة: هي النيابة عن الغير وخلافة الأنبياء أنبياء اللهِ تعالي وحُجَجِه هي للتشريف والتشريع والتبليغ. إذن، كيف نَفهم قولَه تعالي: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً»؟
قيل: إنّ الإنسانَ فيه جهتان: جهةُ البدنِ والجسم، وجهة الروح، الجهة الجسمانية، حيث باشَرَتعالي بنَفسِه في خَلقِه ونَفَخَ فيه من روحه، فيكون آدمُ (عليه السلام) من هذه الجهة خليفةً عن غيره تكويناً. أمّا الجهة المعنويّة، فقد تعلّقتِ الإرادةُ الإلهيّة بجعلِ آدمَ خليفةً لله جلّ جلالُه، كما تعلّقت بجعل داوودَ (عليه السلام) خليفةً في الأرض، حيث خاطبه الله عزّوجلّ قائلاً له: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ» ( سورة ص، ۲٦)، ويشهد لذلك ما استفاض عن الأئمّة الهداة (عليهم السلام) أنّ أوّلَ مخلوقٍ علي وجه الأرض هو الحُجّة، وآخرَ من يموتُ هو الحُجّة، أي حجّة الله في أرضه وخليفتُه فيها، فكانت الخلافةُ الإلهيّة مختصّةً بالإنسان، وكانت الحاكميّة الإلهيّة سابقةً للرعيّة وكانت خلافةُ آدم (عليه السلام) من حيثُ نبوّته وكونِه حجّةََ الله خلافةً شخصيّة، ومن حيثُ كونه أبا البشر، خلافةً نوعية، كما يدُلّ عليه قولُه تعالي: «ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ»(يونس، ۱٤) إذ لكلّ طبقةٍ لاحقةٍ خلافةٌ تكوينيّةٌ بالنسبة إلي الطبقةِ السابقة في دارالكون، فتكون الخلافتانِ متلازمتين.
*******
عندما نلاحظ الأحاديث الشريفة تجد أنها تصف أئمة العترة المحمدية (عليهم السلام) بأنهم خلفاء الله وكذلك بأنهم حجج الله علي عبادةِ وسؤالنا هنا هو: ما معني كون خليفة الله حجة له تعالي علي عبادة؟ نستمع للاجابة من ضيف هذه الحلقة من برنامج خلفاء الله سماحة السيد راضي الحسيني الباحث الاسلامي من قم المقدسة:
السيد راضي الحسيني: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد واله بيته الطاهرين.
الحقيقة ورد الكثير من المصطلحات في ائمة اهل البيت سلام الله تعالى عليهم بأنهم خلفاء الله سبحانه وتعالى في الارض وانهم الخلفاء الراشدون وانهم حجج الله سبحانه وتعالى على الارض، الحقيقة مصطلح الخليفة هو من يقوم بالامر نيابة عن المستخلف بناءاً على كونه قد خلفه في قومه ونص عليه وهذا يظهر جلياً من خلال الاية الشريفة «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ»والواقع هذا المعنى غير صادق على احد من الخلفاء غير الذين نصبهم النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم خلفاء لله سبحانه وتعالى في ارضه فهؤلاء الذين نصبهم النبي (صلى الله عليه وآله) عبر روايات كثيرة ومتواترة امثال حديث الثقلين وروايات "خلفاء امتي اثني عشر كلهم من قريش" وروايات اخرى وردت في هذا المجال فهم خلفاء لله سبحانه وتعالى يقومون نيابة عن المستخلف في الحكم بين الرعية وتطبيق احكام الله سبحانه وتعالى بين الامة اما حجج الله سبحانه وتعالى الله سبحانه وتعالى يحتج على بني البشر بأنبياءه ورسله واوصياءه فهؤلاء الاوصياء هم الائمة، هم حجج الله سبحانه وتعالى على الخلق اجمعين، هؤلاء الحجج الذين هم يمثلون ويجسدون الشريعة الاسلامية بكل حذافيرها وتطبيقها كذلك هم في الواقع يحتج الله سبحانه وتعالى بهم على عباده"ولله الحجة البالغة على خلقه" هؤلاء الحجج البالغة على الخلق، الله سبحانه وتعالى يوم القيامة يحتج بهم على خلقه ويسائلهم عنهم كما بين النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين اذ قال: "اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي ابداً ولقد نبهني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فأنظروا كيف تخلفوني فيهما الا واني سائلكم عنهما يوم القيامة" اذن الامة سوف تسأل عن هؤلاء الحجج وتسأل بماذا عن هؤلاء الحجج؟ تسأل عن هل واليتموهم؟ هل عرفتموهم وهل وقفتم الى جانبهم؟ ام عاديتموهم وابغضتموهم؟ اذن هم حجج الله سبحانه وتعالى على الخلق اجمعين يحتج الله سبحانه وتعالى بهم على خلقه كما يحتج الله سبحانه وتعالى على الامم الاخرى بأنبيائه وبرسله على امة النبي (صلى الله عليه وآله) يحتج بالنبي (صلى الله عليه وآله) ويحتج بالاوصياء وهم الائمة سلام الله عليهم اجمعين.
*******
إنّ الخلافة الإلهيّة التي تشرّف بها آدمُ (عليه السلام) من قِبَلِ الله تبارك وتعالي، كانت تكريماً للإنسان أوّلاً، ثمّ كانت نعمةً عظمي عليه ثانياً، ثمّ أصبحت حجّةً عليه ثالثاً، كيف؟
في حدي غُررِ حِكمه، ودُرَرِكلِمه، قال أمير المؤمنينَ عليٌّ (عليه السلام): يا أيها الناس! إلي كم تُوعَظونَ فلا تَتَّعِظون؟! وكم قد وعَظَكمُ الواعظون، وحذّرَكمُ المُحذّرون، وزَجَرَكم الزاجِرون، وَبلّغَكم العالمون، وعلي سبيلِ النجاةِ دَلَّكمُ الأنبياءُ والمرسلون، وأقاموا عليكمُ الحجّة، وأوضحوا لكمُ المحجّة! فبادروا العملَ، واغتنموا المَهَل.
والآن ما هي الحجّةُ يا تري؟
قيل: مفهوماً هي الغَلَبة، وللحجّةِ مصاديقُ كثيرة حيث هي غالبةٌ للباطل والشرّ و الظّلم، ومن مصاديقها: النبيُّ والإمامُ والكتابُ والبرهان، يُطلَقُ علي كلِّ ذلك حجّةً من باب ذِكرِ السبب والقصدُ هو المسبّب وقد قال تعالي: «رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» (النساء، ۱٦٥) وفي كلامٍ للإمام عليٍّ (عليه السلام) جاءت هذه العباراتُ الشريفة: يا أيها الناس، إنّه لم يكن للهِ سُبحانَه حُجّةٌ في أرضِه أَوكدُ من نبيّنا محمّدٍ صلواتُ اللهِ عليهِ وآله، ولا حكمةٌ أبلَغُ من كتابِه القرآن العظيم، ولا مَدَحَ اللهُ تعالي منكم إلاّ مَنِ اعتصَمَ بِحَبلِه، واقتدي بنبيّه.
فالحُجّة للهِ في أرضه وخليفتُه وأمينُه نبيّاً مبعوثاً، أو إماماً وصيّاً يشهدُ بذلك العقل، وتُقِرُّ به الضَّرورةُ والنَّقل، فالعبادَ يلفّهمُ الجهل، فلابدّ لهم من عالمٍ مُعاضد، وقاعدةُ اللُّطف الإلهيّ تقتضي جميعَ المقدّماتِ التي تقرّبُ العبادَ إلي الطاعة وتبعّدهم عن المعصية. وأمّا الضرورة فهي قائلةٌ أيضاً بوجوبِ نَصب الحجّة لتبليغ العباد شرائع الدين: «لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ» (الأنفال، ٤۲) وأمّا النقل، فيكفي قوله تعالي: «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ» (الأنعام، ۱٤۹).
*******