البث المباشر

طبيعة العلاقة بين الصدق والامانة

الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 15:03 بتوقيت طهران

الحمد لله علي هدايته لنور الاسلام، وأفضل صلواته علي المصطفي وآله خير الأنام.
إن من جبلة الإنسان إجلال الأمانة، فهي خصلة محبوبة، ومطلوبة إذ بدونها تفقد الثقة ويتزلزل الأطمئنان وتختل الروابط البشرية، حيث يسري الشك ويتفشي الأتهام والشبهة والاشتباه، ويعيش الناس القلق والحيرة والتكذيب.
وقد تقدمت دعوات الأنبياء والمرسلين، ومن بعدهم دعوات الوصيين، بطمئنة أقوامهم أنهم جاؤوا بالأمانة يؤدونها وهم أمناء، بل كانوا قبل البعثة قد عرفوا بالأمناء منهم رسول الله محمد (صلي الله عليه وآله)، حيث كانت العرب تسميه قبل مبعثه الشريف بـ" الصادق الأمين"، لما شاهدوه طيلة عمره المبارك من أمانته وصدقه. حتي غلب هذان اللقبان الكريمان علي اسمه المقدس، فيوم تشاجرت قريش علي وضع الحجر في موضعه بعد بناء الكعبة المعظمة في الجاهلية، لم ترض إلا بحكم من يدخل من باب شيبة، فإذا برسول الله (صلي الله عليه وآله) يطلع عليهم من تلك الباب، فما كان من القوم إلا أن صاحوا: هذا الأمين قد جاء فحكموه فبسط المصطفي رداءه، ثم أخذت القبائل بأطراف ثوبه الطاهر فرفعوه مرة واحدة جميعاً، ثم تناوله رسول الله (صلي الله عليه وآله) فوضع الحجر بيده الكريمة في موضعه من الكعبة.
وعرف النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم) بالأمانة منذ صباه، وذلك لطف لله تعالي عليه من جملة ألطاف جمة، حتي وصفه أقرب الناس منه وأحبهم له، أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يوماً فقال: "إن محمداً (صلي الله عليه وآله) أوتي الحكم والفهم صبياً بين عبدة الأوثان، وحزب الشيطان، ولم يرغب لهم في صنم قط، ولم ينشط لأعيادهم، ولم ير منه كذب قط، وكان أميناً".
والأمانة في رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمانات، فعند الناس كان أميناً، أي كان مؤدياً للأمانة ولكل ماكان يودع، وكان مؤتمناً علي الأموال والحرمات، ومأموناً في جانبه لايتوقع أحد منه أذي أو خيانة - حاشاه وألف حاشاه - فهو الطاهر المطهر، التقي النقي الزكي وكان (صلي الله عليه وآله) صادق الوعد مأموناً في وعده وقوله وفعله، وكل أموره وعند الله تبارك وتعالي كان المصطفي (صلي الله عليه وآله) الأمين علي وحيه وغيبه، وعلي شريعته ودينه، حتي قال يوماً لرجل أراد أن يأتمنه: إني لأمين الله في سمائه وأرضه، ولو ائتمنتني علي شيء لأديته اليك.
وما انقطع الناس عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قبل مبعثه، حيث كانوا يأتمنونه ويودعون أماناتهم عنده، وقد أودعته خديجة رضوان الله عليها قبل زواجها منه أموالها ليتجر بها، واستمر الناس معه متوثقين منه بعد بعثته، فلما أراد الهجرة إلي المدينة أوصي علياً (عليه السلام) برد الأمانات إلي أهلها، كذلك لما حانت منه الوفاة أوصاه بإنجاز عداته، ورد الأمانات إلي أهلها، ومازال وهو علي فراش الموت يوصي برد الأمانات وأدائها إلي أهلها، وصدق الحديث والوفاء بالوعد، مؤكداً علي ذلك.
إن عنوان "أمين الله" يعني الأمانة الكبري في الأرض والسماء، والأمانة علي الرسل وعلي عزائم الأمور، وعلي الوحي والتنزيل، وغير ذلك وذلك مقام جليل ارتضاه الله تعالي لرسول الله (صلي الله عليه وآله) وشهد له به الإمام علي (عليه السلام) في إحدي خطبه الشريفة حيث قال: "وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصفي، وأمينه الرضي".
أجل فقد عرفه الله تعالي من قبل لأنبيائه، ففي صحف إدريس ورد أن آدم (عليه السلام) نظر إلي طائفة من ذريته يتلألأ نورهم، فقال: ما هؤلاء؟!
فأجابه الله تعالي: هؤلاء الأنبياء من ذريتك، قال: يا رب، فما بال نور هذا الأخير ساطعاً علي نورهم جميعاً؟
قال تعالي: "هذا محمد أميني".
نعم، هو (صلي الله عليه وآله) أمينه علي الرسالة والتنزيل، ومن بعده أوصياؤه الأئمة أمناء الله علي البيان والتأويل، وهو (صلي الله عليه وآله) أمين الله علي رسله، وعلي عزائم أمره، وعلي وحيه، وفي أرضه وفي خلقه، وهذا ما نؤكده في قلوبنا ونجريه علي السنتنا، في دعواتنا وزياراتنا، حيث نقول: "السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا أمين الله، السلام من الله، والتسليم علي محمد أمين الله علي رسالته، وعزائم أمره، ومعدن الوحي والتنزيل، السلام علي أمين الله علي رسله، وعزائم أمره، السلام علي محمد رسول الله خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وصفوة رب العالمين، أمين الله علي وحيه، وعزائم أمره، السلام عليك أيها النبي المرسل، والوصي المرتضي، والسيدة الكبري والسيدة الزهراء، والسبطان المنتجبان، والأولاد الأعلام، والأمناء المنتجبون".
وقد روي عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا (عليه السلام) قوله: "إن محمداً (صلي الله عليه وآله) كان أمين الله في خلقه، فلما قبض (صلي الله عليه وآله) كنا - أهل البيت - ورثته، فنحن أمناء الله في أرضه".

*******

ما طبيعة العلاقة بين الصدق والامانة وهما من اركان صفات خلفاء الله الحقيقيين، عن العلاقة بين صدق وامانة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسلم يحدثنا سماحة الشيخ باقر الصادقي الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة في الاتصال الهاتفي التالي:
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
عرف النبي الاكرم (صلي الله عليه وآله) بأنه الصادق الامين والسبب في ذلك طبعاً قبل ان يبعث النبي (صلي الله عليه وآله) كان يلقب بهذا اللقب الصادق الامين وهناك حادثة جرت قبل ان يبعث النبي حينما صار نزاع بين القبائل، قبائل العرب آنذاك اي قبيلة تكتسب الشرف في وضع الحجر الاسعد او الاسود في مكانه فصار نزاع كل قبيلة تريد ان تأخذ الشرف في ذلك وتكتسب الفضل والفضيلة في ذلك فصار عندهم نزاع فقال احدهم ليكن اول داخل الى الكعبة من هذا الباب نحتكم اليه وهو الذي يضع الحجر في مكانه ونعرض عليه ربما يشير الينا برأي سديد واتفقوا على ذلك وبالاثناء دخل النبي الاكرم (صلي الله عليه وآله) وقلنا هذا قبل المبعث فقالوا هذا هو الصادق الامين واخبروا لما تنازعوا عليه فأشار اليهم برأي ارضى الجميع، جميع القبائل وهو انه قال: علي بعباءة ثم وضع الحجر الاسود في تلك العباءة ثم امر لكل رئيس قبيلة ان يمسك طرف من هذه العباءة وحملوه جميعهم وهو النبي (صلي الله عليه وآله) بنفسه وضعه في مكانه وهذا الحل كان قد ارضى الجميع وموضع الشاهد انهم حينما نظروا الى النبي قالوا هذا هو الصادق الامين اذن كان النبي الاكرم (صلي الله عليه وآله) معروفاً بصدقه ومعروفاً بأمانته قبل ان يبعث وهذا بالنسبة الى السبب والعلة اما قضية الصدق والامانة في الحقيقة فالصدق هو مطابقة القول للواقع وهو اشرف الفضائل النفسية لخصائصه الجليلة وآثاره الهامة في حياة الفرد والمجتمع لذلك مجدته الشريعة الاسلامية وحرضت عليه قرآناً وسنة، قال تعالى: «هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا» والسنة كذلك والروايات الواردة عن النبي وعن اهل البيت اكدت على الصدق، قال امير المؤمنين (عليه السلام): "الزموا الصدق فأنه منجاة" وقال الصادق (عليه السلام): "لا تختبروهم بصلاتهم ولا بصيامهم فأنما الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ولكن اختبروهم عند صدق الحديث واداء الامانة" ومن آثار الصدق ومعطياته هو توفير الوقت الثمين وكسب الراحة الجسمية والنفسية فأذا صدق المتبايعون في مبايعاتهم ارتاحوا جميعاً من عناء المماكسة وضياع الوقت الثمين وهكذا بالنسبة الى الامور الاخرى للصدق واما الامانة كذلك ورد في فضلها وقبل ان انتقل الى الامانة لابأس هناك حديث عن الامام الصادق (عليه السلام) واقعاً فيه موعظة، كان يعظ بعض اصحابه قال: "انظروا الى ما بلغ اليه علي (عليه السلام) عند رسول الله (صلي الله عليه وآله) فألزمه فأن علياً (عليه السلام) انما بلغ ما بلغ به عند رسول الله لصدق الحديث واداء الامانة" والامانة كذلك ممدوحة يقول الامام زين العابدين "لو أأتمنني قاتل ابي على السيف الذي قتل به ابي الحسين لأديته له" والامانة ممدوحة ومن هنا كان النبي الاكرم (صلي الله عليه وآله) معروفاً بأمانته كانوا يودعون عنده وكانوا يؤمنونه على اموالهم وعلى اعراضهم وعلى ممتلكاتهم وهذه من ثمرات الامانة فلذا لابد للانسان المسلم ان يستفيد من حياة الرسول (صلي الله عليه وآله) هذه الدروس القيمة، دروس الصدق ودروس الامانة وكان (صلي الله عليه وآله) يحث على ذلك وفي حجة الوداع حينما خطب بالمسلمين ذكرهم بمآثر الصدق ومآثر الامانة وعرف في الحديث الشريف "اربعة من كن فيه كمل ايمانه ولو كان من بين قرنه الى قدمه ذنوب لم ينقصه ذلك، قال هي الصدق واداء الامانة والحياء وحسن الخلق".

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة