البث المباشر

الغاية الأساسية من خلق الإنسان

الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 14:20 بتوقيت طهران

الحمد لله الذي خلق الأنسان ولم يتركه سدى وأشرف الصلاة والسَّلام على النبي وآله أعلام الهدى.
ما فتح الإنسان عينيه أول مرة على هذه الخليقة إلا ورأى بباصرته وبصيرته آثار رحمة الله تعالى وعنايته وخيراته ورعايته. وكان من أوائل ذلك أنه سبحانه جلّ وعلا جعل أول خليقته على الأرض خليفته آدم (عليه السَّلام)، وأيّ خليفة لله هو أبونا آدم سلام الله عليه؟!
إنه نبي، والنبي هو الحاكم، فكان من عظيم رأفة الله تبارك شأنه أن خلق الحاكم والحاكمية، قبل خلق الناس والرعية، وبذلك لم يترك الله عزَّ وجلَّ عباده حيارى ولو لساعة واحدة بدون قيم وصيّ عليهم، أو بدون حاكم خليفة من قبل الله تعالى على خلقه في بلاده، وأيّ حاكم هو يا ترى؟! إنه أبو الأنبياء جميعاً نسلاً وسلالة، وأبو البشر جميعاً خلقه فوق البسيطة الموحشة.
هكذا بدآت الحياة بالانسان، أولاً بآدم أبينا (عليه السَّلام)، ثم أمنا حواء عليها السَّلام، فكان منها الأولاد، ثم الذراري، ولكن كيف؟ روى زرارة بن أعين أن الإمام جعفراً الصادق (عليه السَّلام) سئل عن بدء النسل من آدم (على نبينا وآله وعليه السَّلام) كيف كان، وعن بدء النسل من ذرية آدم، فأجابه في حديث طويل عن تفصيل في ذلك الى أن قال (عليه السَّلام) بعد بيانه لقتل قابيل هابيل: فوهب الله له - أي آدم - شيثاً وحده ليس معه ثان، واسم شيث (هبة الله) وهو أول وصيّ أوصى إليه من الآدميين في الأرض، ثم ولد له من بعد شيث (يافث) ليس معه ثان. فلمّا أدركا، وأراد الله عزَّ وجلَّ أن يبلغ بالنسل ما ترون، وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرّم الله عزَّ وجلَّ من الأخوات على الإخوة، أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها (بركة)، فأمر الله عزَّ وجلَّ آدم أن يزوجها من شيث، فزوجها منه ثم أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة أسمها (نزلة)، فأمر الله عزَّ وجلَّ آدم أن يزوجها من يافث فزوجها منه. فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية (أي بنت)، فأمر الله عزَّ وجلَّ آدم حين أدركا ان يزوج بنت يافث من ابن شيث، ففعل ذلك، فولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما. روى ذلك العلامة المجلسي في كتابة (بحار الأنوار) رواية عن الشيخ الصدوق من كتابه علل الشرائع وهكذا بدأ البشر بنبي، هو أبونا آدم (عليه السَّلام)، ثم استمرت البشرية القليلة عن طريق وصي، هو شيث بن آدم هبة الله (عليه السَّلام)، وقد جعل الله، تبارك اسمه، لهما الولاية على الآخرين، لتبدأ الحياة الأنسانية بالحاكمية الإلهية من خلال النبوة والإمامة، وتستمّر تمضي في الحياة من خلال الرسالات والوصايات الربانية، نسلاً بعد نسل وجيلاً بعد جيل تنظم حياة الإنسان في مراعاة وتناسب مع تطوّره البشري والحضاري، فتهديه على ضوء الصحف والألواح والوصايا، ثم الكتب السماوية، وتثبت له معالم الحكومة الإلهية من خلال حاكمية الأنبياء والمرسلين، ثم حاكمية الوصيّين وفي ظلهم وهدايتهم حاكمية التابعين المستخلفين. كيف ذلك يا ترى؟!
في جملة وصاياه الشريفة لكميل بن زياد، قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): يا كميل، أرأيت لو لم يظهر نبي، وكان في الأرض مؤمن تقي، أكان في دعائه (أي دعوته) الى الله مخطئاً أو مصيباً! بلى والله مخطئاً حتى ينصبه الله عزَّ وجلَّ لذلك ويؤهله له.
هذه الرواية الصحيحة المروية عن أهل بيت النبوة (عليهم السَّلام) والمبينة لكيفية إستمرار ذرية أبينا آدم (عليه السَّلام) بما يليق بساحة أنبياء الله وأوصيائه (عليهم السَّلام).

*******

وهنا يأتي دور السؤال عن الغاية الأساسية من خلق الإنسان، فما هي هذه الغاية على ضوء ما يقرره القرآن الكريم الذي يصرح بأن الإنسان لم يخلق عبثاً ولا يترك سدى؟
الإجابة عن هذا السؤال من ضيف برنامج خلفاء الله سماحة الدكتور عبد الله نظام المفكر الاسلامي من سوريا، في الحديث الهاتفي التالي:
المحاور: ما هي الغاية الاساسية من خلق الانسان على ضوء ما يقرره القرآن الكريم الذي يصرح ان الانسان لم يخلق عبثاً ولا يترك سدى، الاجابة عن هذا السؤال نستمع لها من ضيف البرنامج الدكتور عبد الله نظام المفكر الاسلامي من سوريا؟
عبد الله نظام: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة واتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا وحبيبنا وطبيب نفوسنا ابي القاسم محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين.
يقول تعالى في كتابه الكريم ذاكراً خلق الانسان، اعوذ بالله من الشيطان الرجيم «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ» ذكر تعالى في هذه الايات انه اراد ان يجعل في الارض خليفة له هذا الخليفة يوكل الله تعالى اليه بعض الشؤون في عمارة هذا الكون وقد ذكر هذا ربنا في آية اخرى «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» هذا الخليفة ذكره ربه فقال «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» لأن هذا الانسان يحمل في داخله عقلاً وفطرة وهو مزود بقوى وامكانيات تجعله قادراً على القيام بالكثير الكثير من الاعمال التي تعجز عنها سائر المخلوقات فكان هذا الانسان هو الكائن الذي حائز على الفضيلة والرفعة والشرف وقد رفعه ربه جل شأنه ليقوم بأعمال يريدها الله تعالى منه فكان هذا الانسان قادراً على الاحاطة بالامور المعنوية وبالامور المادية على السواء، نظر الملائكة الى الجانب المادي من الانسان فقالوا لربهم أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءوالله تعالى اراد ان يبين لهم ان هذا الانسان يستطيع ان يحيط بأشياء لا تقدر الملائكة على الاحاطة بها لأن الملائكة لا يوجد في خلقها شيء مادي وشهوي كما هو موجود عند الانسان لذلك قالوا عَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا فكان هذا المخلوق الذي يقدر على ادراك الامور المادية والمعنوية على السواء، هذا الانسان حتى لا يطغى الجانب المادي على معنوياته يسر الله له سبلاً للهداية واوجد فيه فطرة فقال تعالى في كتابه الكريم «وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ» اذن هنالك فطرة تدعو الانسان الى الايمان وتدعو الانسان الى الخير وتقربه الى هذه الامور وتبعده عن الامور الاخرى ولك يكتف الله عزوجل بهذه الفطرة بل بعث الانبياء وانزل الكتب السماوية وعبر عن الغاية من خلق الانسان في كتابه الكريم «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»، فقال المفسرون ان ارادة العبادة من هؤلاء تعني ان الله عزوجل انما خلقهم وهو يريد منهم ان يتبعوا تعاليمه وان يكونوا طوعاً لأمره وقد يسر لهم كل السبل الى ذلك وهذه هي صفة كمال لفعل الله عزوجل لأنه لولا ان الله عزوجل يسر لهم سبل الهداية لكان عمل الله تعالى غير تام وهذا غير ممكن بالنسبة الى عمل الله لأنه هو كامل ولا يصدر عنه الا ما يكون فيه الكمال فكان هذا الخلق الذي هو الانسان الذي يحمل اجمل صورة واكملها من الناحية الخلقية والمادية لابد ان يقترن بجمال صورة معنوية تعبر عنها انسانية هذا الانسان لذلك نجد ان الله عزوجل قد يسر سبل الهداية وزرع تلك الفطرة في نفس الانسان وعندئذ اذا كان هذا الانسان قد طغى وتجبر وخرج عما يريده ربه جل وعلا فأنما هذا هو مسؤولية الانسان وانما هي شقوة الانسان التي تكون قد غلبت عليه وجرفته بعيداً عما يريده الله تعالى له لذلك قال ربنا في كتابه الكريم عندما ذكر الاحتجاج على الكافرين «أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ، قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ» يعني غلب علينا ما يشقينا من شهواتنا ومن نزواتنا وانانياتنا وبذلك نحن لن نبصر الطريق الصحيح ولن نتبع الهدى الذي جاءنا من عندك لذلك صرنا قَوْمًا ضَالِّينَ والله تعالى في كتابه الكريم يبين انه قد جعل للانسان انعم كثيرة وان هذا الانسان اذا ما نظر في انعم ربه واراد ان يشكره عليها فعندئذ يجد انه مهما فعل من الطاعات فهو مقصر في حق الله لذلك العبادة امر يجب على كل انسان ان يلتزم به وان يقوم به كما شرعه الله تعالى لأنه «وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا»ولأن هذه العبادة هي تعبير عن ان الله تعالى هو الذي خلقنا وان الله تعالى هو الذي يرزقنا وان الله تعالى هو الذي بيده امرنا فنحن عبيده ولا شك لذلك لابد ان نعبر من الناحية العملية عن هذا الموقف.

*******


إذن فالغاية الأساسية من خلق الإنسان هو إيصاله الى كماله المنشود وسعادته الحقيقية من خلال معرفة الله وعبادته عزَّ وجلَّ.
يا كميل، الدين لله تعالى، فلا يقبل الله تعالى من أحد القيام به إلا رسولاً، أو نبياً، او وصياً.
يا كميل، هي نبوة ورسالة وإمامة، ولا بعد ذلك إلا: متولين ومتغلبين، وضالين ومعتدين.
يا كميل، الدين لله، فلا تغترن بأقوال الأمة المخدوعة التي قد ضلت بعدما اهتدت، وأنكرت وجحدت بعد ما قبلت.
يا كميل، إنّ النصارى لم تعطل الله تعالى، ولا اليهود، ولا جحدت موسى ولا عيسى، ولكنهم زادوا ونقصوا، وحرفوا والحدوا، فلعنوا ومقتوا، ولم يتوبوا ولم يقبلوا.
يا كميل، إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.
يا كميل، نحن - والله- الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ.
يا كميل، إنّ الله عزَّ وجلَّ كريم حليم، عظيم رحيم، دلّنا على أخلاقه، وأمرنا بالأخذ بها، وحمل الناس عليها، فقد أديناها غير مختلفين، وأرسلناها غير منافقين، وصدقناها غير مكذبين، وقبلناها غير مرتابين.
يا كميل، نحن الثقل الأصغر، والقرآن الثقل الأكبر، وقد أسمعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
الى أن قال (عليه السَّلام): ثم قال أي النبي (صلى الله عليه وآله): معاشر الناس، أمرني جبرئيل عن الله عزَّ وجلَّ أنه ربي وربّكم، أن اعلمكم أن القرآن هو الثقل الأكبر، وأن وصييّ هذا وابناي، ومن خلفهم من أصلابهم، حاملاً وصاياي، هو الثقل الأصغر، يشهد الثقل الأكبر للثقل الأصغر، ويشهد الثقل الأصغر، للثقل الأكبر، كلّ واحد منهما ملازم لصاحبه، غير مفارق له، حتى يردا إلى الله فيحكم بينهما وبين العباد.
يا كميل، فإذا كنا كذلك فعلى مَّ يتقدمنا من تقدّم، ويتأخر عنّا من تأخر؟!
وخلاصة ما اتضح ممّا تقدّم هو أنّ بدء حياة البشر في عالم الدنيا وفي هذه الأرض كان لخلق أبينا آدم وأمنا حواء (عليهما السَّلام)، أي أول البشر خلقاً في عالم الدنيا كان نبيّاً هو آدم (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسَّلام).
ثم إنّ الله عزَّ وجلَّ قدّر بأنّ الغاية من خلق الإنسان هو إيصاله الى كماله وسعادته الحقيقية وحياة النعيم الخالدة في عالم الآخرة. ولتحقق هذه الغاية لم يخل الله عزَّ وجلَّ الأرض في أي زمان من حجّة يهدي الخلق الى ما يحقق لهم الغاية من خلقهم. وهذا الأمر مستمر بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في أوصيائه من أئمة عترته الطاهرة (عليهم السَّلام) وبهم وبالقرآن الكريم معاً أوصى (صلى الله عليه وآله) كثقلين لا نجاة من الضلالة إلاّ بالتمسك بهما معاً، رزقنا الله وإياكم صدق الإلتزام بهذه الوصية المحمدية وعند هذه الحقيقة ينتهي لقاؤنا بكم في الحلقة الأولى من برنامج خلفاء الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة