حضرات الكرام، قرون عديدة من عمر الزمن مضت علي ولادة ووفاة جلال الدين الرومي البلخي المولوي الذي تسميه الكتابات الادبية باسم مولانا، إلا ان هذا الشاعر العارف او الصوفي كما يسميه بعض الكتاب ترك من ورائه العديد من النتاجات الأدبية ما بين منثور ومنظوم.
ومن كتب المولوي النثرية كتاب "فيه ما فيه" وكتاب "المكاتيب"، وكتاب المجالس السبعة، وسناتي الي الحديث عنها في قابل حلقات هذا البرنامج. اما كتب مولانا الشعرية، فيعتبرها من درس الادب الفارسي وأرخ له اكثر اهمية، واكثر شهرة وانتشارا والحقيقة هذه ولاريب.
علي ان الانتاج الشعري عند البلخي الرومي قد تمثل في مؤلفين عظيمين هما:
الف: المثنوي المعنوي
ب: ديوان شمس تبريزي
وجاء منا بعض الحديث عن المثنوي، وهو يستحق الكثير من الحديث وسنتابعه، إلا أنَّ ديوان شمس هو الاخر جدير ان نتوقف عنده دونما اطالة، فتعالوا لنري هذا الديوان علي شاشة العرض الادبي.
يتكون ديوان شمس تبريزي من مجموعتين من القصائد الاولي هي الغزليات والثانية هي الرباعيات ولا بد اولاً من بيان معني الغزل ومعني الرباعي حتي يتضح ما في هذا الديوان الثـّر.
يحدثنا التاريخ ان بعضا من شعراء الفرس وخلال القرن الخامس للهجرة بدأوا ينظمون قصائد الغرض منها الغزل وحده ونتيجة لإهتمام عدد كبير من الشعراء بهذا الضرب الجديد أصبحت له قواعد تفرقه عن بقية الفنون الاخري من الشعر ومن أهم سمات فن الغزل في الادب الفارسي ما يلي:
اولاً: يجب ان يكون الموضوع الذي يتناوله الشاعر في غزلياته، الغزل الخفيف البريء اولنقل الغزل العرفاني الصوفي.
ثانياً: ان تكون الوحدة الفنية - من اول بيت فيه الي آخر بيت- خالصة لمعالجة موضوعات الغزل وإلا يكون الحديث في الغزل مجرد مقدمة لغرض آخر.
ثالثاً: ان تكون ابيات "الغزلية" ما بين 7 ابيات و15 بيتاً، وقد اجاز بعض الادباء الايرانيين ان يكون عدد ابيات الغزلية من 5 ابيات الي 15 بيتاً.
رابعاً: ان يذكر الشاعر في البيت الاخير او قبل الاخير تخلصة الشعري، والمقصود بالتخلص اسم الشهرة او اللقب الذي يود الشاعر ان يعرف به بين الناس وهذا التخلص يجعل اسناد كل غزلية الي ناظمها امرا ميسوراً.
خامساً: يجب ان يكون الوزن الذي نظمت فيه الغزليات يصلح للمعاني العاطفية والعرفانية، اي وزن تقرح موسيقاه الاسماع، فتجتذب القلوب الي سماعة وحفظه.
سادساً: يجب ان تكون الفاظ الغزلية متسمة بالرقة والسلاسة بعيدة عن الايقاع العنيف، وليس من قبيل المبالغة اذا ما قلنا ان معظم الغزليات تصلح للغناء.
اما الرباعي وهو من الفنون الشعرية الفارسية النشاة. وبغض النظر عن تاريخ الرباعي في الادب الفارسي فإنه ضرب أدبي يتكون من 4 مصاريع وقد يسمي ب "دو بيتي" اي بيتين.
ويشترط في الرباعية وحدة القافية في المصاريع الاول والثاني والرابع. اما المصراع الثالث فمن حق الشاعران ينظمه متفقا مع المصاريع الاخري في القافية. او مخالفاً لها، فاذا جاءت الرباعية متفقة في القافية مع المصاريع الاربعة عرفت باسم "رباعي كامل" اما اذا جاءت متفقة في 3 مصاريع فقط عرفت باسم "رباعي خصي".
وهناك شروط اخري للرباعيات ربما نتعرض لها فيما بعد. اما الآن فها هي عودة الي ديوان شمس تبريزي بغزلياته، ورباعياته والرومي جلال الدين محمد الذي تعشقت روحه العرفان فتعالت في سمائه مطلقة العنان.
لقد انشد جلال الدين ما في ديوان شمس من غزليات ورباعيات تخليدا لذكري مرشده الروحي شمس تبريز، وبخاصة ان هذا الشيخ وكما ذكرنا من قبل هو الذي فجر القدرة علي النظم عند الرومي.
وتخلص جلال الدين في معظم غزلياته باسم شمس احياء لذكري هذا الشيخ الذي اختفي بسرعة من علي مسرح الاحداث.
ولم يكتف جلال الدين بذكر اسم شمس في التخلص وقد معنا معناه، ولكنه اورده كذلك في الكثير من غزلياته ولم يشأ الشاعر جلال الدين ان يتخذ من اسمه تخلصا شعريا في معظم غزليات هذا الديوان، احتراما لشيخه شمس، واعترافا منه بان كل ما يقوله ويعبرعنه انما بفضل روح شمس تبريزي وتشجيعها له علي النظم والابداع
وكما يقول الدكتور بديع محمد جمعة في كتابه من روائع الادب الفارسي (فهو اي جلال الدين يسند ما يقوله الي تلك القوة الخفية الحقيقية وراء هذا الابداع الفكري).
ايها الاكارم لقد عد جميع المؤرخين قديماً وحديثاً جلال الدين البلخي الرومي زعيماً لمدرسة الشعر الصوفي الايراني او الشعر العرفاني، وجعلوه يتفوق علي مواطنيه السابقين عليه تاريخاً مثل السنائي والعطار النيشابوري. ومع ذلك فقد كان تواضع الرومي دافعاً له لأن يقول:
عطار روح بود وسنائي دو چشم او
ما از پي سنائي وعطار آمديم
ولنا عودة الي ديوان شمس للرومي لنذكر نماذج من غزلياته ورباعياته، الديوان الذي اهتم به المستشرقون كثيراً. علي ان لجلال الدين غزليات بالعربية كذلك ربما ذكرنا نماذج منها سابقاً وسيأتي منا التعرض لنماذج اخري في الحلقات القادمة.
*******