البث المباشر

جرح اميرالمؤمنين

الأحد 26 مايو 2019 - 13:00 بتوقيت طهران

قل لإبن ملجم والأقدار غالبة

هدمت للدين والإسلام أركانا

قتلت أفضل من يمشي على قدم

وأعظم الناس إسلاماً وإيماناً

وأعلم الناس بالقرآن ثم بما

سن الرسول لنا شرعاً وتبياناً

بسم الله الرحمن الرحيم...
إخوتنا .. أخواتنا الأكارم، السلام عليكم وأعظم الله أجورنا وأجوركم بمناسبة ذكرى الجرح الأليمة وأيام إستشهاد مولى الموحدين أميرالمؤمنين علي (ع)؛ وبهذه المناسبة الأليمة على قلوبنا جميعاً وضمن حلقات أعلام الهدى نقدم لحضراتكم هذه الحلقة الخاصة بالمصاب الأليم الجلل.. نرجو المتابعة.
أحبة الإيمان وأهل البيت، إن سيرة الإمام الهمام قائد الغر المحجلين (ع) تدعوا إلى التدبر والتفكر، فهي سيرة معصومة نقية تكشف عن سلوك القدوة الحسنة بكل تجلياتها وتربط المرء بالمفاهيم المقدسة الطيبة في أصالتها وتفتح له آفاقاً جديدة في مجالات العلم والعمل والفكر والتربية والسلوك.
وفي هذه الدقائق نسير في رحلة قصيرة مع وصيص النبي وابن عمه، وليد الكعبة وباب مدينة علمه الإمام علي بن أبي طالب لأن سيرته المتعالية صفحة خالدة من صفحات المجد والسمو، نرى فيها عالم المثل العادلة ومبادئ الإستقامة؛ إنه رجل عاش لله سبحانه وليس فيه شئ لغيره جل وعلا.. يغضب لغضبه ويرضى لرضاه ويحب فيه ويبغض فيه عزوجل؛ أوليس هو الذي قال عنه رسول الله (ص): "علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة"
نستجلي، أيها الأخوة والأخوات، من السيرة العلوية موقفين فقط الأول فيه صدق النصيحة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والثانية عظيم الرأفة العلوية حتى بأعدائه، عليه السلام؛ الأولى في ليلة المبيت والثاني في معركة النهروان.

مواقف علوية

إن مبيت إمام المتقين ليلة الهجرة في فراش النبي (ص) هو بمثابة إعلان عن أهليته في أن يمثل شخصية الرسول القائد في كل أمر مستصعب وتأكيداً لمبدأ أن نفس علي هي نفس الرسول وإن ثبات الإمام ثلاثة أيام في مكة المكرمة يؤكد شجاعته حين أعلن بكل جرأة وثقة موقفه المبدئي بأنه ثابت على خطى الرسول وقد نفذ أوامره وأنجز منها بهدوء ودقة تامة، ثم هجرته العلنية أمام أنظار قريش.

ومضيت مرفوع الجبين مهاجراً

يحلو لنفسك في الإله رحيلها

تمشي على قدميك مشية فارس

لم يثنه وعر الطريق وطولها

آخاك في الإسلام أفضل مرسل

يغم الأخوة لا يرام مثيلها


وكان الصادق الأمين (ص) في هجرته قد توقف في قبا نازلاً عند عمرو بن عوف، فأقام بضعة عشر يوماً يقولون له أتقيم عندنا فنتخذ لك منزلاً ومسجداً؟ فيقول: لا إني أنتظر علي بن أبي طالب وقد أمرته أن يلحقني ولست مستوطناً منزلاً حتى تقدم علي، وما أسرعه إن شاء الله.
وحين وصل الإمام (ع) كانت قدماه قد تفطرتا من فرط المشي وشدة الحر، وما أن رآه النبي (ص) على تلك الحالة حتى بكى عليه إشفاقاً له، ثم مسح يديه الكريمتين المباركتين على قدميه، فلم يشكهما بعد ذلك.

في النهروان

تجمعت قوات المارقين عن الدين قرب النهروان بعد أن التحقت بهم مجاميع من البصرة وغيرها وحاول الإمام علي (ع) مراراً أن يقنعهم بالتخلي عن فكرتهم وتمردهم وسعيهم للحرب، ولم يجد فيهم إلا الجهل والإصرار، فعبأ جيشه ونصحهم بأخلاق الإسلام، وفي كيفية التعامل في مثل هذه الظروف كما هو شأنه في كل معركة، ولما انتهى الإمام إليهم بعث لهم رسولاً يطلب منهم قتلة عبد الله بن خباب وقتلة رسوله الحارث بن مرة، فردوا عليه مجتمعين: كلنا قتلناهم وكلنا مستحل لدمائكم ودمائهم.
كما بعث الإمام قيس بن سعد وأبا أيوب الأنصاري لينصحوا القوم عساهم أن يفهموا واقع الأحداث ويجنبوا الأمة مزيداً من الدماء، ثم أتاهم (ع) ونصحهم وبين لهم أنه كره التحكيم وعارضه وشرح سبب معارضته بوضوح لهم، ولكنهم أنفسهم أجبروا الإمام على قبول التحكيم وأن الحكمين لم يحكما بالقرآن والسنة.
وبعد النصيحة إنصرف عنهم وتقدم الخوارج فاصطفوا للقتال، وعبأ أميرالمؤمنين جيشه لملاقاتهم، وفي محاولة أخيرة، أمر (ع) أبا أيوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ويقول لهم: (من جاء إلى هذه الراية فهو آمن ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن إنه لا حاجة لنا فيكم إلا فيمن قتل إخواننا) فانصرف منهم مجاميع كثيرة، وقال الإمام (ع) لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدؤوكم بالقتال.
وهجم الخوارج، ولم تمض إلا ساعة حتى أبيد أكثرهم ولم ينج منهم إلا أقل من عشرة ولم يقتل من أصحاب الإمام إلا أقل من عشرة أشخاص.
أيها الأخوة والأخوات، ورغم أن القاتل المباشر لأميرالمؤمنين (عليه السلام) كان من الخوارج، إلا أنه (عليه السلام) كان يوصي بمداراتهم وعدم التعامل معهم مثل أشياع معاوية والفرقة الباغية، فما السر في ذلك؟
نتلمس الإجابة في حديث ضيفنا الكريم سماحة الشيخ فيصل العوامي الباحث الإسلامي من السعودية.
أعلام الهدى
الحلقة ۸
الموضوع: ما السر في وصية أمير المؤمنين بالمدارات مع قاتله
خبير البرنامج: الشيخ فيصل العوامي
العوامي: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. لهذا الموقف وأمثاله دلالات كثيرة بعضها يرتبط بالبعد السياسي الاجتماعي وبعضها يرتبط بالبعد الأخلاقي. أما مايرتبط بالبعد السياسي فالدلالة الهامة هنا في المقام تقتضي ضرورة التركيز على مصدر الفساد الذي كان يسعى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه للقضاء عليه ومصدر الفساد كان معاوية وإبن ملجم وغيره إنما هم آثار لذلك المصدر فالتوجه لضرب الآثار للقضاء عليها لايحل الاشكال ويضعف الانسان في توجهه لأصل الفساد بينما لو كان هناك تركيز على أصل الفساد وهو معاوية بن أبي سفيان وبدايات تكوين الدولة الأموية الفاسدة وعدم التشاغل بالأطراف والفروع وآثار ذلك المصدر فهذا المنهج سيؤدي لامحالة الى القضاء على ذلك المصدر او الحد من قدرته ومكانته ومستوى تأثيره. وتلقائياً اذا المصدر ضعف او إنتهى وإنهار فإن الأطراف والآثار الناجمة عنه تلقائياً ايضاً سوف تتلاشى او لاأقل تضعف. تماماً كالينبوع، من يريد أن يوقف الماء لايذهب الى الأطراف للماء الجاري وإنما يذهب الى الينبوع الأساس، الينبوع اذا جف وأوقف تلقائياً تلك الأطراف والآثار ايضاً تجفف. بينما لو كان أمير المؤمنين سلام الله عليه يركز على الآثار، على إبن ملجم وعلى فلان.. إنشغال الامام علي بالآثار يعطي مجالاً وفرصة لذلك المصدر وهو معاوية لينمو ويستشري ويتوسع وبالتالي سينشغل ويتغافل الامام سلام الله عليه عن المصدر ويعطيه المجال للتوسع والإستشراء. لهذا امير المؤمنين سلام الله عليه ماكان يريد التوجه لخصوص إبن ملجم وأشكاله لأنهم آثار لذلك المصدر وما حصل ذلك إلا بفعل معاوية بن أبي سفيان. فلابد من التشاغل والإنشغال بالمصدر وهو معاوية بن أبي سفيان، هذا البعد السياسي. أياً كان يريد أن يخوض مقاومة، جهاد معين لمقاومة الظلم والفساد ينبغي أن يبحث عن المصادر الأساس التي ترفد الى تلك الآثار التي تشكل المصدر الأساس للإنحراف في الأمة ولابد أن يركز عليها حتى يتمكن من القضاء عليه او تجفيفه او إضعافه وتلقائياً تلك الآثار سوف تتراجع شيئاً فشيئاً. هذا هو المنهج او البعد السياسي وأما الدلالة الأخلاقية فإن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه كان يتعامل بقلب لاإنتقام فيه أبداً وإنما هو قلب ممتلأ بالرحمة والرأفة واللطف والعفو. وحقيقة الرحمة والعفة لاتتجلى في التعامل مع الصالحين. لايقال في التعامل مع الانسان الصالح أنه عفى عنه، العفو الحقيقي والرحمة الحقيقية إنما تتحلى عند التعامل مع أشد الناس عداوة. هناك تكتشف نفسك أنك تحمل قلباً رحيماً او لا. "ولايجرمنكم شنآن قوم على أن لاتعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى" في التعامل مع الانسان الذي يؤذيك ويظلمك هناك تكتشف نفسك أنك صاحب رحمة وصاحب لطف وصاحب عفو.. الخ. أمير المؤمنين سلام الله عليه وهذه هي الدلالة الأخلاقية في تعامله مع انسان مثل إبن ملجم كان يتعامل بمنطق العفو والرحمة، وهذا المنطق البعض قد يقول هو دليل على السذاجة لأنه يعطي مجالاً للظالم والمعتدي كي يتمادى في غيه، بالعكس منطق العفو والرحمة من جانب هو حجة على الظالم والمعتدي لأنه كان له مجالاً لأن يتراجع ولم يتراجع فهو حجة عليه. ومن جانب ايضاً يعطيه مجالاً كي يتراجع وماأكثر المعتدين الذين تراجعوا وأستفادوا من مثل هذه اللحظات، لحظات العفو التي أثرت فيهم أكثر من رد الفعل الإنتقامي. وثالثاً يعطي رسالة أخلاقية للآخرين ليعتبروا بها ويتعلموا.
نتقدم بجزيل الشكر لسماحة الشيخ فيصل العوامي الباحث الاسلامي من السعودية على هذه التوضيحات ونتابع هذا اللقاء من برنامج اعلام الهدى الخاص بذكرى جرح مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
فنقرأ لكم طائفة من وصاياه بالقرآن والسنة والعترة.
يقول أميرالمؤمنين (ع): "ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق، ولكن أخبركم عنه، ألا فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ودواء لدائكم ونظم ما بينكم".
وأما سنة رسول الله (ص) فقد دعا الإمام إلى العمل بها. قال (ع): "اقتدوا بهدي نبيكم فإنه أفضل الهدي واستنوا بسنته فإنها أهدى السنن"
كما بيّن الإمام موقع الأئمة (عليهم السلام) جميعاً وموقفهم المشرف في إيصال السنة الصحيحة إلى الأمة وإحياء ما أماته المبطلون من سنة رسول الله (ص).
قال (ع): "لا يقاس بآل محمد (ص) من هذه الأمة أحد.. هم عيش العلم وموت الجهل.. لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه.. هم دعائم الإسلام وولائج الإعتصام".
ولما كانت ليلة تسع عشر من شهر رمضان، كان الإمام علي (ع) يكثر التأمل في السماء وهو يردد: "ما كذبت ولا كذّبت إنها الليلة التي وعدت بها" وأمضى (ع) ليلته بالدعاء والمناجاة، ثم خرج إلى مسجد الكوفة لصلاة الصبح فجعل يوقظ الناس على عادته إلى عبادة الله عزوجل فينادي الصلاة .. الصلاة.
ثم شرع (ع) في صلاته، وبينما هو منشغل يناجي ربه، إذ هوى اللعين عبد الرحمن بن ملجم، ووقع السيف على رأسه المبارك فقدّ منه فهتف الإمام (ع) "فزت ورب الكعبة" ولما عجت الضجة في المسجد، أقبل الناس مسرعين فوجدوا كافل الأرامل واليتامى طريحاً في محرابه، فحملوه إلى داره وهو معصب الرأس والناس يضجون بالبكاء والعويل وألقي القبض على المجرم ابن ملجم، وأوصى الإمام علي ولده الإمام الحسن (عليهما السلام) وبنيه وأهل بيته أن يحسنوا إلى أسيرهم وقال: "النفس بالنفس، فإن أنا مت فاقتلوه كما قتلني وإن عشت رأيت فيه رأيي".

ذكرت قاتله والدمع منحدر

فقلت سبحان رب العرش سبحانا

إني لأحسبه ما كان من إنس

كلا ولكنه قد كان شيطاناً

وبعد جرحه الأليم أوصى الإمام علي (ع) ولديه سيدي شباب أهل الجنة وجميع أهل بيته بوصايا عامة فقال: "أوصيكما بتقوى الله وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما وقولا الحق واعملا للأجر وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً واعملا بما في الكتاب ولا تأخذكما في الله لومة لائم".
ولم يمهل الجرح، أبا الأيتام، أميرالمؤمنين (ع) طويلا لشدته وعظيم وقعته؛ فكان آخر ما نطق به ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة قوله تعالى: "لمثل هذا فليعمل العاملون" الصافات/٦۱
ثم فاضت روحه الطاهرة إلى الجنة المأوى.

واستقبلت روحك الأفلاك معلنة

بشرى الشهادة محفوفاً بها الظفر

وكيف لا وعلى فوديك من دمها

أزكى الدماء تلقى فيضها القدر


نعزيكم أحبة الحق والعدالة بذكرى جرح الإمام علي (ع) ونشكركم على هذه المتابعة الكريمة منكم، وها قد تمت حلقة أخرى من برنامج (أعلام الهدى) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة