تربت زينب العقيلة (عليها السلام) في بيت يعيش اهله اعلى درجات الايمان، لايخشون احداً الا الله تبارك وتعالي.. فبرزت الشجاعة عندهم وسرت في ذريتهم سجيةً واضحة. وشجاعة اهل البيت (عليهم السلام) شجاعة ايمانية حكيمة، مندفعة بطاعة الله، والغيرة على دين الله، ومتوخية مرضاة الله، وناهضة بإقامة حكم الله، ومراعية اوامر الله تعالى ونواهيه... وهي بعد شجاعة لامثيل لها، فجاء عن الامام علي (عليه السلام) انه اذا حمي الوطيس لاذ المسلمون في المعركة برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان يتقدمهم في القتال... واما امير المؤمنين (عليه السلام) فكان اكثر قتلى المشركين بيده، واعان على معظمهم، ولم يكن احد يعدوه في شجاعته واقدامه... واشترك الامام الحسن (عليه السلام) مع ابيه في معارك عديدة وعرف باقدامه وبسالته، ولولا تخاذل القوم لحقق للمسلمين ابعاد المنافقين وإزالتهم عن حياة الامة. وأما الامام الحسين (عليه السلام)، فهو وريث النبي (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين (عليه السلام) في الشجاعة والسؤدد وقد أقدم على الشهادة لا يرى في ذلك إلا مرضاة الله (جل وعلا).
والعقيلة المكرمة زينب (صلوات الله عليها) هي من هذا البيت الشجاع الابي وهي وريثته في الخصال الشريفة كلها، فماذا يتصور فيها يا ترى؟
الشجاعة من الملكات الأخلاقية الشريفة، والصفات الانسانية العالية، وهي من صفات الانبياء والاولياء (عليهم السلام)، والمراد بها قوة القلب وثبات الجنان. وقد كان للسيدة المكرمة زينب الكبرى (سلام الله عليها) هذه الخصلة الحميدة، ظهرت عندها جليةً خلال نهضة اخيها الامام الحسين (عليه السلام)، وايام الاسر والسبي.. فدخلت ساحة الحرب في كربلاء عدة مرات لمهام انسانية، فتداركت اخاها الحسين في بعض المواقف الصعبة كما في وقوفه على ولده علي الاكبر بعد شهادته، وقبلت مسئوولية الاهل والعيال والنساء والاطفال، وتكفلتهم في مسيرة السبي والأسر، مع كثرة الأعداء وقسوتهم وشدة صلافتهم، فانتشلت الاطفال من بين حوافر الخيل المهاجمة، وحفظت العيال واحاطتهم بين يديها، مما دل على شجاعتها وشهامتها العاليتين الفائقتين.
ثم كان من العقيلة ان حمت ابن اخيها الامام علي بن الحسين من القتل مرات عديدة، منها بعد هجوم عسكر عبيد الله بن زياد على مخيم الامام الحسين (عليه السلام) عصر يوم عاشوراء للسلب والحرق، وقتل من بقي من الرجال، فحالت العقيلة زينب الكبرى وبشجاعة فائقة دونهم ودون ما يريدون، حتى خلصته من القتل، وكذا انقذته من يد الطواغيت في قصر عبيد الله في الكوفة وقصر يزيد في الشام، وقد توجهت النوايا الخبيثة الى قتله، لقطع نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله).
*******
نتابع الحديث عن شجاعة السيدة زينب الكبرى منه خلال هذا الحوار مع ضيف البرنامج الشيخ باقر الصادقي:
المذيع: سماحة الشيخ باقر الصادقي السلام عليكم.
الشيخ باقر الصادقي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المذيع: سماحة الشيخ بعد المكوث في كربلاء ثلاثة ايام يذكر المؤرخون ان العقيلة زينب عادت الى مدينة جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمنورة بجدها وآله، ما هي ملامح سيرة العقيلة زينب (سلام الله عليها) في مدينة جدها بعد عودتها من موكب السبي؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم حينما رجعت الحوراء زينب والعمل الذي قامت به في المدينة ذهبت مباشرة الى تجديد العهد بقبر جدها رسول الله وتقديم العزاء الى رسول الله بولده الحسين، يقول الرواة انها اقبلت الى قبر جدها صاحت وابتاه وامحمداه اني ناعية اليك اخي الحسين فقد ذبحوه الى جنب الفرات ضمآناً، تشير بعض الروايات ماج القبر بصاحبه وسمعوا صوت من داخل القبر طبعاً للذوات الطاهرة ممكن وتسمع هذه الاصوات البرزخية ولدي حسين قتلوك وما عرفوك وعن شرب الماء منعوك ثم بعد تقديم العزاء الى قبر النبي ذهبت الى دار ابي عبد الله الحسين لتجدد العهد بتلك الدار التي طالما صلى فيها الامام الحسين وطالما اكرم الضيف وآوى الفقير والمسكين واليتيم وما شابه ذلك، يذكر الشيخ الجواهري اعلى الله مقامه في جواهر الكلام قال وانشغلن بنات الرسالة بالنياحة والبكاء على سيد الشهداء في دار ابي عبد الله الحسين وكان ظاهرة ملفتة للنظر بحيث انه تفرغ تام للنياح والبكاء على سيد الشهداء وتشير بعض الروايات ان الامام زين العابدين (عليه السلام) كان كذلك مهيأ الاجواء بحيث حتى عملية اعداد الطعام وكله الى بعض الخدم ليهيؤا الطعام لكي تتفرغ بنات الرسالة الى العزاء والنياحة والبكاء على سيد الشهداء، طبيعي في المدينة الناس كانت تأتي بشكل لتقديم العزاء وكانت الحوراء زينب تذكر مظلومية ابي عبد الله الحسين، كيف قتل، ومن هنا وحسب الظاهر كتب الوالي لانه صارت ظاهرة ملفتة للنظر بحيث انه كان البكاء يوقظ او يهز مضاجع وعروش الطغاة، كتب الوالي الى سيده انه هناك نوع من التفاعل من اهل المدينة مع مصيبة ابي عبد الله والامام الحسين كان محبوباً في المدينة، شخصية مروموقة معروفة.
المذيع: والمدينة كان تضم ايضا وجوهاً مما تبقى من الصحابة والتابعين.
الشيخ باقر الصادقي: احسنتم لذلك يعرفون مقام الحسين فكتب اليه ان اخرج زينب واخرج معها زوجها لانه كانت حالة من تهييج المشاعر بحيث ربما تكون هناك حالة انقلاب وحالة تهييج لذلك اخرجت على رواية الحوراء زينب (سلام الله عليها) بالقهر والغلبة واشبه بالنفي من بابه ومن جملة الاراء القوية التي يعتد بها لذلك رجعت على قول الى مصر والى الشام على قول آخر حيث مرقدها الآن ووافتها المنية، لكن هناك قول آخر.
المذيع: سماحة الشيخ لعلنا نتعرض لهذه الاقوال في الحلقة المقبلة وهي الاخيرة ان شاء الله لكن اجمالاً يمكن القول ان العقيلة (سلام الله عليها) رغم كل ما جرى عليها في هذا الموكب وخلال هذه الفترة وهي تواصل مسيرة الامام الحسين ونقل مظلوميته وكان هذا ربما احد الاسباب لثورة اهل المدينة.
الشيخ باقر الصادقي: بلاشك سبب وعامل مهم لحدوث هذه الثورة في المدينة.
المذيع: شكراً جزيلاً سماحة الشيخ باقر الصادقي.
*******
نتابع اعزاءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج اخلاق زينبية بالاشارة الى ان المواقف الشجاعه للسيدة العقيلة زينب (صلوات الله عليها) انها جابهت الطغاة بالمنطق الرادع وهم في عقر ديارهم، فلما ان اراد عبيد الله بن زياد ان يظهر شماتته وفرحه وغروره بقتل الامام الحسين (عليه السلام) قال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، واكذب احدوثتكم.
فلم تمهله العقيلة زينب حتى اجابته على الفور وبحزم: الحمد لله الذي اكرمنا بنيه محمد (صلى الله عليه وآله)، وطهرنا من الرجس تطهيراً، انما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا. اي انتم الفسقة الكذبة. وانتم المفضوحون. فعاد ابن زياد يسألها: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟ فانبرت العقيلة كاللبوة تجيبه وكلها عز وإباء ورضيً بقضاء الله تعالى: ما رأيت الا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم، ثم قالت له، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا ابن مرجانة... تعيره بجدته المعروفة بذات الاعلام.
فأخزته وفضحته، حتى غضب واستشاط من كلامها معه بهذه اللهجة التي لم يسمعها من احد قبلها وهو طاغية يزيد وواليه على البصرة والكوفة، وقد اجابته بهذه الاجوبة في قصره وبين حاشيته في ذلك الحشد، فأراد قتلها، فهدأه عمرو بن حريث بانها امرأة ولا تؤاخذ بشيء من منطقها.
وفي الشام بل في قصر الطاغية يزيد... تنهض ابنة علي الكرار فتلقم يزيد بن معاوية احجاراً تذهله بين حشد حاشيته ايضاً، فتقول له: امن العدل يا ابن الطلقاء! تذكره بجاهليته التي لم يخلعها بعد قائلة: وتهتف باشياخك، وزعمت انك تناديهم، فلتردن وشيكاً موردهم، ولتودن انك شللت وبكمت، ولم تكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت. ثم تخاطبه بتحد واحتقار له قائلةً: ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، اني لاستصغر قدرك، واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك... الى ان تقول له: فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند، وايامك الا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي: الا لعنة الله على الظالمين.
تلك هي الشجاعة الموروثة في آل النبي، كانت من صفات العقيلة المكرمة زينب (سلام الله عليها)، مقرونةً بالمهابة وهي مأثورة في سماتها، مشفوعة بثبات الجنان في أيام البؤس والشقاء والفاجعة، شهد بذلك المؤرخون واصحاب السير حتى كتب الاستاذ احمد الشرباصي في (نفحات من سيرة زينب): ورثت عن ابيها البطل المغوار، وسيف الله الغالب، صفة الشجاعة والاقدام، بعد ان شملها الله بجلال النبوة ونور الحكمة، وارضعها لبان الاسلام، وغذاها باكف الحق. كما كتب الاستاذ محمد علي المصري: السيدة زينب رضي الله عنها.. خيرة السيدات الطاهرات، ومن فضليات النساء وجليلات العقائل، التي فاقت الفوارس في الشجاعة!
فسلام منا على المرأة الصالحة، والمجاهدة الناصحة، والحرة الابية، واللبوة الطالبية، والمعجزة المحمدية، والذخيرة الحيدرية، والوديعة الفاطمية.
*******