هذي النساء الفضليان وفي العلا
كل اقامت في مقام قيم
لكن زينب في علاها قد سمت
شرفاً تأخر عنه كل متقدم
في علمها، وجلالها، وكمالها
والفضل والنسب الصريح الافخم
من ارضعتها فاطم در العلى
من نبعها... فعن العلى لم تفطم
عن امها اخذت علوم المصطفى
وعلوم والدها الوصي الاكرم
حتى بها بلغت مقاماً فيه لم
تحتج لتعليم ولا لمعلم
شهد الامام لها بذاك وانها
بعد الامام لها مقام الاعلم
ولها بيوم الغاضرية موقف
انسى الزمان ثبات كل غشمشم
حملت خطوباً لو تحمل بعضها
لانهار كاهل يذبل ويلملم
ورأت مصاباً لو يلاقي شجوها
العذب الفرات كساه طعم العلقم
في الرزء شاركت الحسين وبعده
بقيت تكافح كل خطب مؤلم
كانت لنسوته الثواكل سلوةً
عظمى ... وللأيتام ارفق قيم
ومصابها في الاسر حدد كل ما
كانت تقاسيه بعشر محرم
ودخول كوفان اباد فؤادها
لكن دخول الشام جاء باشام
لعل القائل بأن لا مثيل لمصائب زينب العقيلة، لا يكون مبالغاً ابداً... اجل، فليس كنوائبها نوائب، ولا شبيه للرزايا التي عانتها في واقعة كربلاء وبعدها... حتى امتازت عن الناس بذلك في كل المحن التي مرت بها، ما جعلها نسيبح وحدها، وسبيكةً خالصةً لا نظير لها... وقد اراد احد الفضلاء التعريف بها فكتب متحيراً:
هي زينب، وما ادرانا من زينب! هي التي حازت من الصفات الحميدة ما لم يحزها من بعد أمها من النساء واحدة، حتى حق ان يقال: هي الصديقة الصغرى ... وهي من الصبر والثبات وقوة الايمان والتقوى وحيدة!
نعم ... لقد أصيبت العقيلة الطاهرة زينب (صلوات الله عليها) ببلايا لم يصب بها احد، فامتحنت بفقد الاحبة، لا بفراقهم ... ولا بوفاتهم فحسب ... بل بقتلهم امام عينيها بصورة بشعة، وفيهم اخوتها وابناء اخوتها شباناً ورضعاً... وامتحنت زينب بالخوف والهلع حين زحف جيش عمر بن سعد يحرق الخيام ويدعس الاطفال.. وامتحنت زينب الصبورة بالجوع حتى أقعدها عن الصلاة وقوفاً في بعض منازل الشام ... وامتحنت بنقص الانفس بفقد الكفيل والمعين ... بل امتحنت بكل المحن والآلام والفجائع والنكبات، لكنها وقفت ومضت صابرةً محتسبة، ومصبرةً من معها، لأنها كانت في درجة عليا من درجات المؤمنين المتقين، ومن اصحاب المعرفة واليقين، وكانت قد بلغت درجة المهتدين الراضين المسلمين.
*******
والآن مع ضيف البرنامج الشيخ باقر الصادقي وهو يحدثنا عن سيرتها (سلام الله عليه) في الاسر.
المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم شكراً لكم احباءنا على متابعتكم لهذا البرنامج وسلامنا على ضيفنا الكريم في هذه الحلقة سماحة الشيخ باقر الصادقي.
الشيخ باقر الصادقي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المذيع: في الحلقة السابقة بينتم بعض جوانب سيرة العقيلة زينب (سلام الله عليها) في السبي الذي يمكن ان نستلهم منها الكثير من اخلاقياتها (سلام الله عليها)، حبذا لو تكملون الحديث عن هذا الجانب من سيرتها (سلام الله عليها)؟
الشيخ باقر الصادقي: الجانب الثالث الذي لم نشير اليه في تلك الحلقة انها كانت ترعى الاطفال وايتام ابي عبد الله والنساء، نساء الامام الحسين وكذلك كانت تلاحظ وتراقب وتعطف على الامام زين العابدين، وكأنما من جملة ادوارها (سلام الله عليها) انها كانت مكلفة بالمحافظة لكي لاينقطع نسل آل محمد صلوات الله عليه وعلى آله ويمكن ان نلاحظ هذا من خلال المصاديق التالية اولها اكمال الدين واتمام النعمة عن الامام الحسين (عليه السلام)، الى من تفزع الحجة، الناس بعد شهادة الامام الحسن العسكري قال الى الجدة، قال اتأمرنا ان نتقدي بأمرأة، فقال اقتداءً بزينب بعد شهادة الحسين لان العلوم في الظاهر كانت تخرج عن السيدة زينب حفظاً وحماية على الامام زين العابدين، العلوم بالسر كانت تخرج من الامام زين العابدين ولكن في الظاهر عن طريق الحوراء زينب (سلام الله عليها) وهذا في الحقيقة نستمع منه انه للمحافظة لان الطغاة ربما كان اذا يتحدث الامام ويلتقي بالناس بكثرة خصوصاً بعد شهادة ابيه وربما تعرض حياته للخطر والى القتل وهناك شواهد اخرى في مجلس عبيد الله بن زياد لما كلم الامام سلام الله عليه اجابه الامام فانزعج قال الا لك الجرأة على رد كلامي خذوه واضربوا عنقه، يقول الراوي فرأيت عمته الحوراء زينب القت بنفسها عليه، وقالت يابن زياد حسبك ما اخذت من دماءنا ان كنت عزمت على قتله فاقتلني معه فهذا في ما نستوضح منه انها كانت من جملة ادوارها ان تحافظ على الامام سلام الله عليه حتى في السبي يعني بعد الخروج من كربلاء وحتى الوصول الى المدينة، لما نظرت اليه وهو يجود بنفسه حينما نظر الى جثمان ابيه الحسين على ارض كربلاء اخذت تسليه، مالي اراك تجود بنفسك يا بقية جدي وابي ان هذا لعهد من الله الى جدك رسول الله ولابد ان يقام في هذا المقام لابيك علم لايدرج على قرور الليالي والايام، بل يحاول الطغاة واشياع الكفر محو هذا العلم فلايزاد الا علواً وارتفاعاً، من خلال المشاهد الثلاث التي ذكرتها نستوحي ان من جملة مهامها في السبي هي المحافظة على الامام زين العابدين، وهذا في الحقيقة تكليف على كل الامة، الامة بالشكل العام ينبغي ان تحافظ على امامها، وحرمة الامام حي كحرمته ميتاً كذلك هم احياء عند الله ففي الحال نشير الى ما قام به البعض من تدمير وضرب وحرق مرقد الامام الهادي ومرقد الامام الحسين العسكري، هذا انما يكشف عن عداء لله وعداء للرسول (صلى الله عليه وسلم) لانهم ابناء رسول الله والمرء يحفظ في ولده.
المذيع: لعل هناك جوانب اخرى لو سمحتم نخصص لهذه حلقة اخرى جزاكم الله.
*******
واذ عانت السيدة المكرمة زينب العقيلة شتي المصائب والنوائب، فقد ظهر منها انواع الصبر والشكر والرضى والتسليم، فصبرت على الطاعات في اشد المواقف، كما صبرت عن المعاصي، وصبرت في الرزايا والنوازل المفجعة، فلم تصدر أية شكوى، او حالة جزع أو تذمر، او اي امر ينم عن السخط على قضاء الله حاشاها (سلام الله عليها)، بل وقفت في وجه الطاغية عبيد الله بن زياد بن ابيه لترده وتجيبه بما يلقمه حجراً قائلةً له: ما رأيت الا جميلا، فاستشاط عبيد الله غضباً من جوابها ... وهي التي قالت لابن اخيها علي بن الحسين وقد رأته يجود بنفسه لما نظر الى مشهد كربلاء يوم الحادي عشر، لا يجزعنك ما ترى، فوالله ان ذلك لعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى جدك وابيك وعمك! ويكفي في علو مقام زينب تلك الدرة المكنونة، والجوهرة المصونة، انها كانت على عظيم درجة من الصبر والتسليم لأمر الله تعالى والرضى بقضائه ما تقول عند الجسد المقطع لولي الله سيد الشهداء الحسين: اللهم تقبل هذا القربان. فقاربت امها الزهراء في الكرامات، وفي الصبر في النائبات، بحيث الحقت بالمعجزات. و كشفت بكلماتها تلك عن قوة الايمان ورسوخه، وفنائها في ذات الله -جل وعلا-، وعن رفعة منزلتها عند الله تبارك وتعالى، وعن عظم صبرها الفريد.. حتى قيل فيها: فضلها الله على النساء، وجعلها عند اهل العزم ام العزائم، وعند اهل الجود والكرم (أم هاشم).
*******