بسم الله والحمد لله الذي جعل قلوبنا تهوي الى مشارق نور المبين.
- سيدنا وحبيبنا محمد المصطفى الأمين وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
- السلام عليكم أعزاءنا المستمعين ورحمة من الله وبركات.
- أطيب وأزكى التحيات نهديها لكم في مطلع الحلقة الثانية من هذا البرنامج، فأهلاً بكم ومرحباً.
- أيها الأفاضل، بيوت النور هي البيوت النبوية المقدسة التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها إسمه.
- لأنها بيوت تشع بأنوار رحمة الله وهدايته للعالمين، فهي ينابيع فيضه لعباده، وهو الفيض المبارك الذي يوصلهم الى الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
- والخصوصية التي تعرف بها وتميز هذه البيوت عن غيرها هي نورانيتها الإلهية الخالصة وخلوص تمثيل أهلها لخلافة الله المعصومة عن كل رجس أو دنس.
- فهي بيوت أسست على تقوى من الله ورضوان.
- وهي بيوت جعل الله فيها نوره الذي يوقد من شجرة مباركة لا شرقية ولا غربية أي تخلو من جميع شوائب الأهواء.
- فالأصل إذن في هذه البيوت ليست الحجارة والطين والبناء الظاهري، بل قلوب أهلها المشعة بالنور الإلهي الذي لا يقدر أن يطفأ لاطغاة مهما تجبروا وكادوا.
- ندعوكم للتأمل معنا في الواقعة التالية التي يبين فيها مولانا الإمام محمد الباقر – صلوات الله عليه – الحقيقة المتقدمة بأبلغ البيان.
- بعد إستحواذ طواغيت بني أمية على حكم المسلمين إجتهدوا في إطفاء نور الله المتجلي في أهل بيت النبوة – عليهم السلام-.
- فكانت واقعة كربلاء بعد إغتيال الإمام علي عليه السلام وسم خليفته الإمام الحسن المجتبى – عليه السلام -.
- وكانت جهود أئمة الضلال من عبيد بني أمية لعرض إسلام ظلماني سفياني محرف يحجب أنوار الإسلام المحمدي النقي عنهم وهدايته ورحمته.
- ولكن كانت النتيجة إنهيار تلك الضلالات وظلماتها أمام نورانية بيوت النور المعنوية من أئمة العترة المحمدية.
- فمثلاً يحدثنا المؤرخون عن جهود الطاغية الأموي هشام بن عبد الملك لحجب نورانية الإمام الباقر – عليه السلام – عن طريق فقهائهم من أمثال عكرمة.
- لما كانت السنة التي حج فيها أبوجعفر محمد بن علي الباقر ولقيه هشام بن عبدالملك أقبل الناس ينثالون عليه، فقال عكرمة: من هذا؟ عليه سيماء زهرة العلم – يعني المحمدي – لأخزينه، فلما مثل بين يديه إرتعدت فرائصه وأسقط في يد أبي جعفر الباقر وقال:
- يا ابن رسول الله لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عباس وغيره فما أدركني ما أدركني آنفاً من الرهبة؟ فقال له أبوجعفر عليه السلام: ويلك يا عبيد أهل الشام إنك بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
- مستمعينا الأطائب، في هذه الرواية يهدينا الإمام محمد الباقر عليه السلام الى حقيقة أن المصداق الملكوتي الأكمل لبيوت النور هو الوجود المقدس للحجة المعصوم من أهل البيت النبوي – عليهم السلام -.
- فهو مصباح الهدى الإلهي الذي تعجز كل جهود الطواغيت عن إطفائه لأنه نور الله.
- وهذه الحقيقة يبينها عليه السلام بصورة أكثر تفصيلاً ويتم بها الحجة على فقيه آخر من فقهاء السلطة هو قتادة البصري.
- فقد روى ثقة الإسلام الكليني في الجزء السادس من كتاب الكافي بسنده عن أبي حمزة الثمالي قال:
- كنت جالساً في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله إذا أقبل رجل فسلم فقال من أنت يا عبدالله؟ قلت رجل من أهل الكوفة ما حاجتك؟
- فقال لي: أتعرف أبا جعفر محمد بن علي؟ فقلت نعم فما حاجتك إليه قال هيأت له أربعين مسألة أسأله عنها فما كان كان من حق أخذته وما كان من باطل تركته.
- قال أبو حمزة فقلت له: هل تعرف ما بين الحق والباطل فقلت له فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل؟
- فقال لي يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون إذا رأيت أباجعفر (ع) فأخبرني فما انقطع كلامي معه حتى أقبل أبوجعفر الباقر عليه السلام وحوله أهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج فمضى حتى جلس وجلس الرجل قريباً منه.
- مستمعينا الأكارم، جاء في تتمة رواية كتاب الكافي، قال أبو حمزة الثمالي: فجلست حيث أسمع الكلام وحوله – عليه السلام – عالم – أي كثير – من الناس فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت الى الرجل فقال له: من أنت؟
قال: أنا قتادة بن دعامة البصري، فقال له أبوجعفر الباقر عليه السلام: أنت فقيه أهل البصرة. قال نعم، فقال له أبوجعفر (ع): ويحك يا قتادة إن الله جل وعز خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على خلقه فهم أوتاد في أرضه قوام بأمره نجباء في علمه اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه.
- قال أبوحمزة الثمالي: فسكت قتادة طويلاً ثم قال: أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك.
- فقال له أبوجعفر عليه السلام: ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي "بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" فأنت ثم ونحن اولئك.
- فقال له قتادة صدقت والله جعلني الله فداك والله ما هي بيوت حجارة ولا طين.
- مستمعينا الأفاضل، وعلى ضوء معرفة حقيقة أن الحجة الإلهي المعصوم – عليه السلام – هو المصداق الملكوتي لبيوت النور التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها إسمه، نفهم سر تأكيد الأحاديث الشريفة على إعمار وتعاهد المساجد التي صلى وتعبد فيها الأنبياء والأوصياء – عليهم السلام -.
- فإنها بيوت تشع بنورانية عبادتهم الخالصة – عليهم السلام – فتدخل هذه النورانية أفئدة الذين يفتحون قلوبهم لها ويتأسون بالأنبياء والأولياء عليهم السلام في التعبد لله عزوجل فيها.
- ولنا في هذا البرنامج سياحات في عالم المعنى في طائفة من أهم هذه البيوت المقدسة، نتعرف فيها الى أهمها ونشير فيها الى أنوار الرحمة والهداية والبركة التي تفيض منها.
- ونبدأ بسيد مساجد بيوت النور وهو المسجد الحرام والبيت المعمور الذي ينير لأهل السموات والأرضين، بآيات بينات.
- وهذا ما نتناوله – بعون الله – في الحلقة المقبلة من برنامجكم (بيوت النور).
- نشكركم على طيب المتابعة ولكم دوماً من إخوتكم وأخواتكم في إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران خالص التحيات.
- دمتم في أمان الله.