بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد المختار وآله الطيبين الأبرار، أهلا بكم – أيها الأعزاء – في برنامجكم هذا آملين أن تقضوا معه وقتا طيبا ومفيدا.
قال سيد الوصين علي عليه السلام: "اعلموا عباد الله، أن عليكم رصدا من أنفسكم، وعيونا من جوار حكم، وحفاظ صدق يحفظون أعمالكم وعدد أنفاسكم، لا تستركم منه ظلمة ليل داج ولا يكنكم منهم باب ذو رتاج، وإن غدا من اليوم قريب يذهب اليوم بما فيه ويجيء الغد لاحقا به".
مستمعينا الأعزاء في كلماته الرائعة البليغة هذه إشارة صريحة واضحة من قبل الإمام عليه السلام إلى ضرورة الإنتباه والإبتعاد عن الغفلة والتغافل فهناك رقيب على أعمالنا وأقوالنا، وعيون من جوارحنا، والمراد: أن جوارح الإنسان عيون تشهد عليه يوم القيامة، قال تعالى في محكم كتابه: "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النور الاية الرابعة والعشرون)
وأما قوله عليه السلام: (حفاظ صدق) فهم الملائكة، قال تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"(ق الاية الثامنة عشرة). و(ليل داج): أي شديد الظلمة. (ولا يكنكم): أي لا يستركم. و(باب ذو رتاج): أي باب عظيم مغلق. والمراد: أن ما يستتر به المجرمون عن الناس حال ارتكابهم للجرائم هو مكشوف ومشاهد للملئكة عليهم السلام. (وإن غدا من اليوم قريب): المراد من الغد هو الموت، وليس بيننا وبينه إلا انقطاع النفس. (ويجيء لاحقا به): يشير عليه السلام هنا إلى سرعة مرور الزمن، فالأيام تمر سريعة.
ونبقى – أيها الأعزاء – مع كلمات أميرالمؤمنين النورانية الهادية إلى الصراط المستقيم حيث قال عليه السلام: (فكأن كل امرئ منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته، ومخط حفرته، فياله من بيت وحدة، ومنزل وحشة، ومفرد غربة، وكأن الصيحة قد أتتكم والساعة قد غشيتكم وبرزتم لفصل القضاء، قد زاحت عنكم الأباطيل، واضمحلت عنكم العلل، واستحقت بكم الحقائق، وصدرت بكم الأمور مصادرها، فاتعظوا بالعبر، واعتبروا بالغير، وانتفعوا بالنذر).
مستمعينا الأكارم:(منزل وحدته):أي القبر، (وكأن الصيحة قد أتتكم): هي نفخة إسرافيل التي يقوم فيها الخلائق للحساب. و(الساعة): أي القيامة (قد غشيتكم):أي أدركتكم ولا محيص لكم منها. (وبرزتم لفصل القضاء): أي حوسبتم على أعمالكم. (قد زاحت عنكم الأباطيل): وهي الأعذار التي يعتذر بها المسيئون (واضمحلت عنكم العلل): ما يتعللون به أمام من يلومهم. (واستحقت بكم الحقائق): أي وجب وحق ما كنتم توعدون به من شدة ذلك اليوم وأنتم في الدنيا. (وصدرت بكم الأمور مصادرها): أي رجوع كل امرئ إلى ثمرة ما قدم.
(فاتعظوا بالعبر)، الموعظة: ما يوعظ به من قول وفعل، والعبرة: الإتعاظ والإعتبار بما مضى. و(الغير): تغيرات الدهر وتبدلات الزمن، وما يشاهد من مصائب الدنيا وتقلباتها. (وانتفعوا بالنذر): أي بما أنذركم و خوفكم به الله جل جلاله، ورسوله صلى الله عليه واله وسلم.
نسأله تعالى أن يجعلنا من عباده المعتبرين إنه سميع مجيب. مستمعينا الأعزاء إنتهى الوقت المخصص للبرنامج، نشكركم على حسن المتابعة وجميل الإصغاء، وحتى اللقاء المقبل نتمنى لكم كل خير ودمتم في أمان الله.