يرى خبراء التنمية في ايران أن تسخير التكنولوجيا المتقدّمة للصناعات الدفاعية الإيرانية في خدمة القطاعات المدنية يشكّل خياراً استراتيجياً من شأنه ردم الفجوة التكنولوجية وتعزيز الإنتاج المحلي، إضافة إلى تمهيد الطريق أمام نهضة اقتصادية شاملة وغير مسبوقة.
خطوط إنتاج الطائرات المسيّرة تبرز كمثال حيّ على التكامل الممكن بين القطاعين الدفاعي والمدني، إذ إن المكوّنات الدقيقة المُستخدمة في تصنيع المسيّرات قادرة على لعب دور فعّال في صناعة توربينات الرياح، الأمر الذي من شأنه أن يضع إيران في موقع الدولة المُصدّرة لتقنيات الطاقة المتجددة على مستوى العالم.
ويصف محللون هذا التحوّل المحتمل بـ"أثر فورستال الإيراني"، في إشارة إلى المفهوم الذي طوّره وزير الدفاع الأميركي جيمس فورستال في أربعينيات القرن الماضي، حين ربط الصناعات العسكرية في الولايات المتحدة ببرامج التنمية الصناعية، ما شكّل قاعدة الانطلاق للاقتصاد الصناعي الأميركي الحديث.
التكنولوجيا الثنائيّة ... جسر بين الدفاع والتنمية
ويشير الخبراء إلى أن الاستفادة من التقنيات ذات الاستخدام المزدوج لم تعد خياراً بل ضرورة. فعلى غرار منظومة الـGPS، التي بدأت كمشروع عسكري أميركي عام 1973 وتحولت لاحقًا إلى بنية تحتية للاقتصاد الرقمي العالمي، بدأت إيران باستخدام القدرات التقنية الدفاعية في مشاريع مدنية، أبرزها الاستمطار الصناعي، الذي أدى إلى زيادة معدلات الهطل في بعض المحافظات.
وتؤكّد دراسة صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية في رئاسة الجمهورية أن ما لا يقل عن ٤٠٪ من التقنيات العسكرية الأساسية قابلة للتحويل إلى استخدامات مدنية، ما يعزّز من أهمية المضي قدمًا في هذا المسار لتحقيق الاكتفاء الذاتي وبناء اقتصاد مقاوم.
مشاريع استراتيجية ضمن البنية الدفاعية القائمة
وبحسب الخبراء، فإن توجيه البنية التحتية الدفاعية نحو الإنتاج المدني يمكن أن يفتح المجال أمام مشاريع استراتيجية جديدة، منها:
*تحويل أحواض بناء الغواصات إلى مراكز لإنتاج مضخّات فائقة الضغط لتحلية مياه الخليج الفارسي.
*إطلاق خطوط إنتاج بطاريات الليثيوم في مصانع الذخيرة لدعم قطاع السيارات الكهربائية.
*إنشاء صندوق وطني للابتكار الثنائي بتمويل من صادرات الصناعات الدفاعية، ليكون حاضنة للمشاريع التقنية المشتركة.
نحو اقتصاد تُغذّيه القدرات الدفاعية
ويؤكّد خبراء الاقتصاد في طهران أن الصناعات التي تحمي الوطن قادرة كذلك على بناء اقتصاده، معتبرين أن التفوق في المجال الدفاعي يمنح إيران رافعة استراتيجية لقيادة مشاريع تنموية مستدامة.
وبما أن التكنولوجيا باتت الركيزة الأساسية للسيادة الاقتصادية، فإن إيران، بما تمتلكه من تراكم معرفي في المجال العسكري، قادرة على تحويل قوتها الدفاعية إلى محرّكٍ قوي للتنمية الصناعية، ما من شأنه أن يوفّر فرص عمل جديدة، ويعزّز الصادرات، ويمنح الاقتصاد الإيراني مناعة تقنية أمام التحديات الخارجية.