البث المباشر

خطبة السيدة زينب في الكوفة كاملة مكتوبة

السبت 20 يوليو 2024 - 15:27 بتوقيت طهران
خطبة السيدة زينب في الكوفة كاملة مكتوبة

خطبة ألقتها السيدة زينب (ع) في الكوفة بعد واقعة الطف وفي مجلس عبيد الله بن زياد، وقد وجهت فيها الذم والتوبيخ إلى أهل الكوفة لخذلانهم وتقصيرهم في نصرة الإمام الحسين (ع).

 

عَنْ حِذْيَمِ بْنِ شَرِيكٍ الْأَسَدِيِ‏ قَالَ: لَمَّا أَتَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ بِالنِّسْوَةِ مِنْ كَرْبَلَاءَ، وَكَانَ مَرِيضاً وَإِذَا نِسَاءُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَنْتَدِبْنَ مُشَقَّقَاتِ الْجُيُوبِ وَالرِّجَالُ مَعَهُنَّ يَبْكُونَ، فَقَالَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ (ع) بِصَوْتٍ ضَئِيلٍ، وَقَدْ نَهَكَتْهُ الْعِلَّةُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَبْكُونَ عَلَيْنَا فَمَنْ قَتَلَنَا غَيْرَهُمْ؟ فَأَوْمَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) إِلَى النَّاسِ بِالسُّكُوتِ.

قَالَ حِذْيَمٌ الْأَسَدِيُّ: لَمْ أَرَ وَاللَّهِ خَفِرَةً قَطُّ أَنْطَقَ مِنْهَا كَأَنَّهَا تَنْطِقُ، وَتُفْرِغُ عَلَى لِسَانِ عَلِيٍّ (ع)، وَقَدْ أَشَارَتْ إِلَى النَّاسِ بِأَنْ أَنْصِتُوا، فَارْتَدَّتِ الْأَنْفَاسُ، وَسَكَنَتِ الْأَجْرَاسُ، ثُمَّ قَالَتْ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ (ص):

 

أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الْخَتْلِ‏[١] وَالْغَدْرِ وَالْخَذْلِ أَلَا فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ[٢] وَلَا هَدَأَتِ الزَّفْرَةُ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي‏ نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً[٣] تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ.‏[٤] هَلْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلَفُ‏[٥] وَالْعُجْبُ وَالشَّنَفُ،‏[٦]

 

وَالْكَذِبُ، وَمَلَقُ الْإِمَاءِ، وَغَمْزُ الْأَعْدَاءِ[٧] أَوْ كَمَرْعًى عَلَى دِمْنَةٍ[٨] أَوْ كَفِضَّةٍ عَلَى مَلْحُودَةٍ.[٩] أَلَا بِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَفِي الْعَذَابِ أَنْتُمْ خَالِدُونَ أَتَبْكُونَ أَخِي أَجَلْ وَاللَّهِ فَابْكُوا فَإِنَّكُمْ أَحْرَى بِالْبُكَاءِ فَابْكُوا كَثِيراً وَاضْحَكُوا قَلِيلًا فَقَدْ أَبْلَيْتُمْ بِعَارِهَا، وَمَنَيْتُمْ بِشَنَارِهَا،[١٠]

 

وَلَنْ تَرْحَضُوهَا أَبَداً[١١] وَأَنَّى تَرْحَضُونَ قُتِلَ سَلِيلُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنِ الرِّسَالَةِ، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَلَاذُ حَرْبِكُمْ وَمَعَاذُ حِزْبِكُمْ وَمَقَرُّ سِلْمِكُمْ وَآسِي كَلْمِكُمْ‏[١٢] وَمَفْزَعُ نَازِلَتِكُمْ وَالْمَرْجِعُ إِلَيْهِ عِنْدَ مُقَاتَلَتِكُمْ وَمَدَرَةُ حُجَجِكُمْ،‏[١٣]

 

وَمَنَارُ مَحَجَّتِكُمْ أَلَا سَاءَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ وَسَاءَ مَا تَزِرُونَ لِيَوْمِ بَعْثِكُمُ فَتَعْساً تَعْساً وَنَكْساً نَكْساً لَقَدْ خَابَ السَّعْيُ وَتَبَّتِ الْأَيْدِي وَخَسِرَتِ الصَّفْقَةُ وَبُؤْتُمْ‏ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَضُرِبَتْ عَلَيْكُمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أَتَدْرُونَ وَيْلَكُمْ أَيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ (ص) فَرَثْتُمْ وَأَيَّ عَهْدٍ نَكَثْتُمْ،

 

وَأَيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أَبْرَزْتُمْ وَأَيَّ حُرْمَةٍ لَهُ هَتَكْتُمْ وَأَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ‏ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ‏ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا لَقَدْ جِئْتُمْ بِهَا شَوْهَاءَ صَلْعَاءَ عَنْقَاءَ سَوْدَاءَ فَقْمَاءَ خَرْقَاءَ[١٤] كَطِلَاعِ الْأَرْضِ أَوْ مِلْ‏ءِ السَّمَاءِ[١٥]

 

أَفَعَجِبْتُمْ أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ دَماً وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى‏ وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ، فَلَا يَسْتَخِفَّنَّكُمُ الْمَهَلُ فَإِنَّهُ عز وجل. لَا يَحْفِزُهُ الْبِدَارُ[١٦] وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ فَوْتُ النَّارِ كَلَّا إِنَّ رَبَّكَ‏ لَنَا وَلَهُمْ‏ لَبِالْمِرْصادِ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ (ع):

مَا ذَا تَقُولُــــــــــونَ إِذْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ ‏مَاذَا صَنَعْتُمْ وَأَنْتُمْ آخِـــــــــــــــــــــرُ الْأُمَمِ‏

بِأَهْلِ بَيْتِي وَأَوْلَادِي وتكْــــــــــــرِمَتِي ‏مِنْهُمْ أُسَارَى وَمِنْهُمْ ضُرِّجُوا بِـــــــــــدَمٍ‏

مَا كَانَ ذَاكَ جَزَائِي إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ ‏أَنْ تَخْلُفُونِي بِسُوءٍ فِي ذَوِي رَحِمِي‏

إِنِّي لَأَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ يَحُــــــلَّ بِكُمْ ‏مِثْلُ الْعَذَابِ الَّـــــــــذِي أَوْدَى عَلَى إِرَمٍ

ثُمَّ وَلَّتْ عَنْهُمْ. قَالَ حِذْيَمٌ: فَرَأَيْتُ النَّاسَ حَيَارَى قَدْ رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ شَيْخٌ فِي جَانِبِي يَبْكِي، وَقَدِ اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ بِالْبُكَاءِ، وَيَدُهُ مَرْفُوعَةٌ إِلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي وَأُمِّي كُهُولُهُمْ خَيْرُ كُهُولٍ، وَنِسَاؤُهُمْ خَيْرُ نِسَاءٍ، وَشَبَابُهُمْ خَيْرُ شَبَابٍ، وَنَسْلُهُمْ نَسْلٌ كَرِيمٌ وَفَضْلُهُمْ فَضْلٌ عَظِيمٌ ثُمَّ أَنْشَدَ:

كُهُولُكُمْ خَيْرُ الْكُهُولِ وَنَسْلُكُمْ ‏إِذَا عُدَّ نَسْلٌ لَا يَبُورُ وَلَا يَخْزَى‏

 

فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: يَا عَمَّةِ اسْكُتِي فَفِي الْبَاقِي مِنَ الْمَاضِي اعْتِبَارٌ وَأَنْتِ بِحَمْدِ اللَّهِ عَالِمَةٌ غَيْرُ مُعَلَّمَةٍ فَهِمَةٌ غَيْرُ مُفَهَّمَةٍ إِنَّ الْبُكَاءَ وَالْحَنِينَ لَا يَرُدَّانِ مَنْ قَدْ أَبَادَهُ الدَّهْرُ فَسَكَتَتْ، ثُمَّ نَزَلَ (ع) وَضَرَبَ فُسْطَاطَهُ وَأَنْزَلَ نِسَاءَهُ وَدَخَلَ الْفُسْطَاطَ.

----------

الملاحظات

  1. الختل: الخداع.
  2. رقأت: جفت.
  3. أي: حلته وأفسدته بعد ابرام
  4. أي: خيانة و خديعة.
  5. الصلف: الذي يمتدح بما ليس عنده.
  6. الشنف: البغض بغير حق.
  7. الغمز: الطعن والعيب.
  8. الدمنة: المزبلة.
  9. الفضة: الجص والملحودة القبر.
  10. الشنار العار.
  11. أي: لن تغسلوها.
  12. أي: دواء جرحكم.
  13. المدرة: زعيم القوم ولسانهم المتكلم عنهم.
  14. الشوهاء: القبيحة والفقماء إذا كانت ثناياها العليا الى الخارج فلا تقع على السفلى. والخرقاء: الحمقاء.
  15. طلاع الأرض: ملؤها.
  16. يحفزه: يدفعه.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة