وفي مقابلة مع المذيع الأمريكي "تاكر كارلسون" وجه الرئيس بزشكيان خطابه لكارلسون وقال: سيد كارلسون! كنا على طاولة المفاوضات. كنا نتحدث، وكان الرئيس الأمريكي قد دعانا إلى السلام. في ذلك الاجتماع، أخبرونا أن "إسرائيل" لن تهاجم إلا إذا سمحنا لها بذلك.
وأضاف: ولكن عشية الاجتماع السادس، وبينما كنا لا نزال نتحدث، ألقوا القنابل على طاولة المفاوضات ودمروا الدبلوماسية.
وفيما يتعلق بعمليات التفتيش واختبار الصدقية قال الرئيس الايراني: نحن بلا شك مستعدون للعودة إلى الحوار و عمليات التحقق، لم نتجنب التحقق قط، ونحن مستعدون لإجراء تفتيش آخر. لكن للأسف، بعد الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية، دُمرت العديد من المعدات والمواقع، ولم يعد الوصول إليها سهلا، وعلينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان الوصول إليها ممكنا مرة أخرى.
النص الكامل لهذا الحوار كما يلي:
شكراً لكم، سيادة الرئيس. يبدو أن هناك توقفاً حالياً في النزاع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية. برأيكم، كيف سينتهي هذا الوضع في النهاية؟ وكيف تودون أن تُختم هذه الأزمة؟
الرئيس بزشكيان: لم نكن نحن من بدأ الحرب، ولا نريد أن تستمر أي حرب. منذ توليت المسؤولية، كان شعاري هو تحقيق الوحدة داخلياً وإقامة السلام والهدوء مع الجيران والعالم.
أنتم تتحدثون عن السلام، سيادة الرئيس. ومن ناحية أخرى، يؤكد الرئيس الاميركي دونالد ترامب، أن الهجوم الأخير الذي شنته الحكومة الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية جاء نتيجة اعتقاد بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية غير مستعدة للتخلي عن برنامجها النووي. وبحسب رأي السيد ترامب، لن يكون تحقيق السلام ممكنًا إلا إذا تخلّت إيران عن هذا البرنامج. هل ترحبون بالتخلي عن البرنامج النووي الإيراني كخطوة لتحقيق السلام؟
الرئيس بزشكيان: الحقيقة أن نتنياهو منذ عام 1992 روج هذا الادعاء بأن إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي، وكل رئيس أمريكي تولى المنصب عزز هذا التصور لديه. لقد حاول أن يضلل رؤساء الولايات المتحدة بأن إيران تسعى للسلاح النووي. نحن لم نكن أبدًا نسعى إلى السلاح النووي، ولسنا كذلك الآن، ولن نكون في المستقبل. هذا أمر وفتوى صادرة عن قائد الثورة الإسلامية، وقد تم التحقق من ذلك من خلال تعاوننا الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن للأسف، بسبب تصرفاتهم تم تعطيل هذا المسار.
هل يعني هذا أنكم تؤكدون صحة التقارير التي تفيد بقطع التعاون بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ في مثل هذه الظروف، لا يوجد سبيل لمعرفة كمية اليورانيوم الموجودة، أو نسبة ومستوى التخصيب، ولا يعلم المجتمع الدولي ما الذي تقوم به إيران في إطار برنامجها النووي. برأيكم، كيف يمكن من الآن فصاعدًا إجراء عملية التحقق بشأن البرنامج النووي الإيراني؟ وهل من الممكن أن تشارك دول أخرى في هذا المسار؟
الرئيس برشكيان: السيد كارلسون! كنا على طاولة المفاوضات، كنا في خضم الحوار، ودعانا ترامب لإقامة السلام. في ذلك الاجتماع، قيل لنا إنه ما دام نحن لا نسمح، فلن يهاجم إسرائيل. ولكن في الاجتماع السادس، بينما كنا لا نزال نفاوض، أُلقيت قنبلة على طاولة المفاوضات بالفعل ودُمرت الدبلوماسية. مع ذلك، بخصوص الرقابة وعملية التحقق، نحن بلا شك مستعدون للدخول مجددًا في الحوار وإجراء التحقق. لم نهرب أبدًا من عملية التحقق، ونحن مستعدون لمزيد من الفحوص، ولكن للأسف، بعد الهجوم الاميركي على منشآتنا النووية، تدمرت الكثير من المعدات والمرافق، وأصبح الوصول إليها غير ممكن بسهولة. علينا أن ننتظر لنرى إن كان بالإمكان استعادة الوصول مجددًا أم لا.
تُشير تقارير إلى أن ادارتكم تعتقد بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قامت بالتجسس على المنشآت النووية الإيرانية وسلّمت معلومات سرية إلى اسرائيل. هل تؤيدون هذا الرأي؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل لديكم أدلة ترغبون في عرضها على العالم؟
الرئيس بزشكيان: فيما يخص الثقة بالوكالة، فإن تصرفات الكيان الصهيوني التي استغلّت معلومات التفتيش أثارت شكوكا كبيرة. ومع ذلك، كنا دائماً مستعدين للتعاون وسمحنا للوكالة بزيارة جميع المواقع التي تخضع لإشرافها. ازدادت حالة عدم الثقة عندما قدّم تقرير الوكالة الأخير ذريعة للكيان الصهيوني لشن هجمات على منشآتنا النووية دون أي تصريح. للأسف، لم تُدين الوكالة حتى الهجوم على مراكز كانت تحت إشرافها، والتي قبلناها وفق معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT). هذا الأمر غير مقبول من الناحية القانونية الدولية وأدى إلى تراجع ثقة شعبنا ومشرعينا بالوكالة.
سيادة الرئيس، لقد أشرت إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت دائمًا حريصة على تجنب الحرب وسعت لحل الخلافات مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر الدبلوماسية، لكن فجأة تعرّض هذا المسار لتعطيل جراء حادثة ما. الآن أود أن أسألكم، هل أنتم مستعدون لبدء جديد في مسار الدبلوماسية؟ بمعنى آخر، هل هناك إمكانية لإستئناف المفاوضات؟ وإذا كان الأمر كذلك، من وجهة نظركم، كيف ينبغي أن يتم التوصل إلى اتفاق مرضٍ مع الولايات المتحدة وعلى أي أسس؟
الرئيس بزشكيان: أعتقد أننا كان بإمكاننا حل مشاكلنا بسهولة عبر الحوار. يمكن أن تستند أطر الحوار إلى القوانين الدولية وحقوق الدول. لا نطلب سوى احترام القوانين الدولية، ولا نزال متمسّكين بذلك. نتنياهو هو من أشعل الفوضى في المنطقة وحاول تعطيل حوارنا. نحن نطمح للسلام. إيماني أن البشر في عالمنا الصغير يجب أن يعيشوا بسلام وطمأنينة جنبًا إلى جنب، لكننا تعرّضنا للهجوم. شعبنا قادر على الدفاع عن نفسه. وأعتقد أن ترامب بإمكانه أن يقود المنطقة نحو السلام والأمن، أو نحو حرب لا تنتهي.
هل تخططون للعودة إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، سواء مع الممثل الحالي السيد ويتكوف أو مع غيره؟ وإذا لم يكن هناك مثل هذا المخطط، برأيكم ماذا قد يحصل إذا استمر الوضع على ما هو عليه؟
الرئيس بزشكيان: لا نمانع المفاوضات، لكن الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني في منطقتنا وبلدنا، بما في ذلك اغتيال وقتل قادتنا في منازلهم — وهو جريمة حرب — واستهداف علمائنا مع عائلاتهم وأطفالهم، وقتل الأبرياء وقصف النساء الحوامل، قد أدت إلى تفاقم الوضع. هذا الكيان يدمر المباني فوق رؤوس الناس فقط ليقتل شخصًا واحدًا! نأمل بعد تجاوز هذه الأزمة أن نتمكن من العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن هذا يحتاج إلى شرط أساسي: الثقة في مسار الحوار. لا ينبغي السماح مجددًا للكيان الصهيوني بالهجوم خلال المفاوضات وإشعال فتيل الحرب.
هل تعتقدون أن لإسرائيل حاولت اغتيالكم؟
الرئيس بزشكيان: حاولوا وأقدموا على ذلك ، لكن إيماننا أن الإنسان يبقى على قيد الحياة بإرادة الله، وإن لم يشأ، قد يموت حتى في المشي. نحن مستعدون للدفاع عن شعبنا واستقلالنا وحرية أرضنا حتى اخر قطرة الدم، ولا نخشى الموت. لكن في عالمنا الذي نعيش فيه، أن تقوم جهة أو جهات بجعل المنطقة غير آمنة بالدماء والقتل والنهب والرغبات الشيطانية أمرٌ مؤسف وقبيح جدًا.
إذا تسمحون، أود العودة إلى هذا الموضوع مرة أخرى. حتى الآن، لا توجد تقارير رسمية تشير إلى أن الولايات المتحدة حاولت اغتيالكم أو أن هذا الأمر تم تأكيده من قبل جهات رسمية، هل يمكنكم توضيح ذلك أكثر؟
الرئيس بزشكيان: هذا العمل كان من جانب الكيان الصهيوني، وليس الولايات المتحدة. كنا في اجتماع داخلي نراجع البرامج، وعندها قصفوا المنطقة التي كنا فيها بناءً على معلومات من جواسيسهم. لكن إذا شاء الله، فلا يحدث شيء. ونحن لم نخشَ الموت أو الشهادة في سبيل استقلال وكرامة بلدنا. شعبنا وأرضنا زادوا في الوحدة والتماسك في مواجهة حرب الكيان الصهيوني العدوانية. إيران حضارة، وشعبها قد يختلف في بعض القضايا، لكن كل إيراني أينما كان، يدرك ويحترم وحدة أراضي بلاده ويدافع عنها. نصيحتي للحكومة الأمريكية هي ألا تدخل حربًا بدأتها أهداف غير إنسانية لنتنياهو وإبادته الجماعية؛ فهي حرب لا نهاية لها لا تجلب سوى الرعب وانعدام الأمن للمنطقة.
هناك كثير من الأمريكيين لا يزالون يخشون إيران، ويخشون أن تستخدم إيران قنبلة نووية ضد الولايات المتحدة. وهم يشاهدون فيديوهات يظهر فيها بعض الإيرانيين يرددون شعارات مثل "الموت لأمريكا" ويصفون الولايات المتحدة بـ"الشيطان الأكبر". برأيكم، هل هذه المخاوف واقعية؟ وهل يجب على الشعب الأمريكي أن يخاف من إيران؟
الرئيس برشكيان: لا أظن أن هذه الصورة تعكس الحقيقة عن إيران. خلال مئتي عام مضت، لم تهاجم إيران دولة واحدة. وشعار "الموت لأمريكا" لا يعني الموت للشعب الأمريكي أو المسؤولين هناك. هذا الشعار يعني "الموت للجريمة"، "الموت للقتل"، "الموت لدعم المجازر"، و"الموت للسياسات التي تزرع انعدام الأمن في المنطقة". هل سبق ورأيتم إيرانياً يرتكب عملية اغتيال في أمريكا؟ أنا لم أسمع بذلك. بحسب معلوماتنا، لا يوجد إيراني سعى للاغتيال أو إثارة الفوضى، بينما هناك آخرون في المنطقة، قال رئيس أمريكا نفسه إن بلاده دربتهم؛ وهم نفس داعش الذين تسببوا في عدم الاستقرار والجريمة في المنطقة وحتى في أمريكا، وأساءوا صورة ديننا ومعتقداتنا. شعارنا "الموت لـ..." هو ضد الجريمة وعدم الأمن، وليس ضد البشر. وكل من يدعم هذا المسار يلقى اللعن من شعبنا، وليس الأفراد ككائنات بشرية.
هناك اثنان من المراجع العظام والعلماء البارزين في إيران أصدروا فتاوى ضد دونالد ترامب، ما هو رأيكم بشان مضمون هذه الفتاوى؟
الرئيس برشكيان: حسب علمي، لم يصدروا فتاوى ضد أي فرد بعينه. الفتوى التي تم نشرها — والتي ليست لها علاقة بالحكومة أو القيادة — تبيّن فقط أن الإساءة إلى الدين أو الشخصيات الدينية محرمة وغير مقبولة من الناحية العقائدية. هذا الأمر ليس موجهاً ضد رئيس أمريكا أو أي شخص آخر بشكل خاص. علماء الدين أعربوا عن آرائهم العلمية، ولكن هذه الفتوى لا تعني أبداً القتل أو التهديد.
في ضوء وجود عدد كبير من الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة، يعتقد بعض الناس أن هؤلاء الأشخاص يشكلون ما يُعرف بـ«الخلايا النائمة» التي تنتظر أوامركم لتنفيذ أعمال عنف أو إرهاب داخل الأراضي الأمريكية. هل تود أن توجه لهم رسالة من هنا تطلب فيها منهم الامتناع عن أي أعمال عنف داخل الولايات المتحدة؟
الرئيس برشكيان: بصراحة، كثير من الأمور التي تطرحها أنت أسمعها للمرة الأولى كمواطن إيراني. هل رأيتم في سلوك الإيرانيين في أمريكا غير العلم، والأدب، والتعاون، والمعرفة؟ هذه الصور هي دعاية يروج لها الصهاينة وبعض الذين يريدون استمرار الحرب والاضطراب. يحاولون تخويف الرأي العام وصناع القرار في أمريكا ليجرّوها إلى حرب لا فائدة منها.
في بداية الثورة، كان يبدو أن إيران كانت لديها علاقات اقتصادية مع إسرائيل، ويقال إن بعض الأسلحة نُقلت من إسرائيل إلى إيران آنذاك. ما الذي أدى إلى هذا التحول الجذري في العلاقات بين إيران وإسرائيل؟ ومن المسؤول عن هذا التحول؟
الرئيس برشكيان: ما حدث أمام أعين العالم من قبل الكيان الصهيوني واضح تمامًا. في غزة، يقوم نتنياهو بقصف الأطفال والنساء والمدارس والجامعات بسهولة و يمنع وصول الماء والطعام والدواء. هذه أفعال ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. هذا السلوك غير مقبول لدى شعوب المنطقة. بحسب معلوماتي، إيران لم تتلقَ أي سلاح من الكيان الصهيوني ولم تكن تسعى للحرب. هذه الحروب فُرضت علينا. حتى الحرب مع العراق لم نبدأها نحن. واليوم، الكيان الصهيوني يهاجمنا ايضا. لم نكن نريد الحرب، حتي انهم يحاولون للأسف جر أمريكا إلى هذه المواجهة.
هل تعتقد أنه من الممكن أن تؤدي المفاوضات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة إلى عالم تعود فيه الشركات الأمريكية للاستثمار في إيران، وترفع العقوبات، ويعم السلام؟ هل هذا هو هدفكم؟
الرئيس برشكيان: منذ تولي المسؤولية، سعيت لتعزيز الوحدة الداخلية ثم إقامة علاقات صحية وإيجابية مع الجيران. في حوارنا مع قائد الثورة، كان يؤمن أن المستثمرين الأمريكيين يمكن أن يأتوا إلى إيران ولا مانع من عملهم. هذه عقيدة قيادتنا العظيمة. لكن للأسف، الكيان الصهيوني لا يسمح بالهدوء في المنطقة. أعتقد أن الرئيس الأمريكي يمكنه إما أن يقود الأمور نحو السلام والأمن، ويكبح جماح الكيان الصهيوني، أو يقع في فخ نتنياهو وحروبه التي لا تنتهي. القرار بيده. نحن مستعدون لكل تعاون اقتصادي وصناعي وتجاري مع الأمريكيين ولا زلنا، لكن العقوبات هي التي تمنعهم من العمل في بلدنا.
سيادة الرئيس، كسؤال أخير، في حال نشوب حرب أوسع ضد الجمهورية الإسلامية، إلى أي مدى تتوقعون أن تدعم حلفاء إيران مثل الصين وروسيا إيران اقتصاديًا وعسكريًا؟ وهل تتوقعون مثل هذا الدعم؟
الرئيس برشكيان: ما يهمنا هو إيماننا بالله وعقيدتنا. لدينا قدرة على الدفاع عن أنفسنا، وإذا لزم الأمر سنقف حتى النفس الأخير لحماية وطننا وسلامة أراضينا. نحن لا نسعى للحرب. قلنا مرارًا إننا لا نريد سلاحًا نوويًا. لكن هناك تصور خاطئ لدى بعض الساسة الأمريكيين، وهو تصور يعززه نتنياهو بحماسه للحرب. أي حرب في هذه المنطقة ستشعل نارًا وعدم أمان في كل الشرق الأوسط. إذا كان الرئيس الأمريكي يريد هذا المستقبل، فليواصل طريقه، أما إذا كان يريد السلام – وأنا أؤمن بضرورة السير نحو السلام والاستقرار – فلا ينبغي أن يسمح للكيان الصهيوني بإشعال المنطقة. الرئيس الأمريكي قادر على إيقاف نتنياهو ووضع حد للحرب والدمار. وهذا القرار يعتمد على السياسة التي يتخذها الرئيس الاميركي.
سيادة الرئيس، أشكركم من القلب على إتاحة هذه الفرصة لنا وعلى الوقت الذي خصصتموه لمشاركة آرائكم ووجهات نظركم.
الرئيس بزشكيان: أشكركم على توفير هذه الفرصة للتعبير عمّا نؤمن به ونحمله في قلوبنا. آمل أن يسعى شعب وحكومة الولايات المتحدة لتحقيق السلام والاستقرار لبلدهم والمنطقة. شكراً جزيلاً على هذه الفرصة.