موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا ملجأ العاصين، يا غافر المذنبين، يا مجيب دعوة المضطرين"
نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها الدعاء الموسوم بـ(الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا الى احد مقاطعه الذي ورد في ختامه: (يا ملجأ العاصين، يا غافر المذنبين، يا مجيب دعوة المضطرين). هذه العبارات او الفقرات تتماثل فيما بينها من حيث نمط (الشدة) التي تصيب العبد، وهي شدة كبيرة، بسبب انها تتناول المذنبين، والعاصين، والمضطرين.
ولا تعتقد ان احداً منها يجهل حجم او نمط هذه الشدائد، لانها تتناول سلوك العبد حيال مبادئ الله تعالى، وتتناول حالات الاضطرار التي تصيب الانسان، بصفة ان الاضطرار هو اعلى درجة الشدائد: كما هو واضح.
العبارة الاولى تقول: (يا ملجأ العاصين) واما الثانية فتقول: (يا غافر المذنبين).
والسؤال المهم هو: ما هو الفرق بين (الذنب) وبين (المعصية)، ثم: لماذا قال النص: (يا ملجأ) بالنسبة الى العاصين، وقال: (يا غافر)بالنسبة الى المذنب؟
اما بالنسبة الى الفارق بين (الذنب) وبين (المعصية)، هو ان (الذنب) ممارسة العمل الذي يترتب عليه العقاب، واما (المعصية)فهي اعم من العمل المقترن بالعقاب او غير المقترن به.
واما من جانب آخر: يظل (الذنب) اشد خطورة من (المعصية) يدلنا على ذلك ان النص القرآني الكريم ذكر بان آدم(ع) عصى ربه، ولم يقل (اذنب)، ولكن في الحالتين ثمة مخالفة لما امر به تعالى، كل ما في الامر ام المخالفة قد تكون بمستوى الحرمة، او بمستوى الكراهة، او بمستوى ترك الافضل.
من هنا قال النص: (يا ملجأ العاصين) ولم يقل (يا غافر العاصين)، لان العاصي مادام ينسحب على من خالف الامر ماهو الاحسن، وحينئذ فان اللجوء الى الله تعالى يفرض مسوّغه هنا: بالنحو الذي اوضحناه.
نبقى ان نتساءل لماذا قال النص: (يا غافر المذنبين).
الجواب: بما ان الذنب ـ كما قلنا ـ يعني: عدم ممارسة الطاعة، حينئذ فان العبد لمحتاج ـ وهو غير معصوم ـ الى ان (يغفر) تعالى ذنب هذا العبد ومما لا شك فيه ان رحمته تعالى تسع كل شيء ولا حدّ لها، كما لا شك فيه ان التوبة من الذنب تصبح كمن لا ذنب له: كما هو نص الشريعة الاسلامية، عندئذ فان عبارة: (يا غافر المذنبين) تفسر لنا دلالتها بالنحو الذي اوضحناه.
اخيراً: يُختم مقطع الدعاء بعبارة: (يا مجيب دعوة المضطرين)، فماذا تعني ؟
الجواب: المضطر ـ كما قلنا ـ يمثل اشد الحالات التي تصيب الانسان بحيث يفقد توازنه العادي، ولذلك وردت النصوص الشرعية مؤكدة احكاماً خاصة بالمضطر والمكره ونحوهما مما لا قِبل للانسان بتحملّ الشدة التي يكابدها.
من هنا ايضاً: يمكننا ان نفسر عبارة: (يا مجيب دعوة المضطرين) بنحو يختلف عن عبارة (يا ملجأ) او (يا غافر)، حيث ان المضطر عندما يدعو الله تعالى يكون في اشد حالات التوتر والتمزق والضياع والوحشة، ويحتاج الى من يكشف عنه هذه الحالة الاضطرارية.
وهو ما يتساوق تماماً مع عبارة: (يا مجيب دعوة المضطرين) لان (الاجابة) تعني: ان الله تعالى استمع الى دعوة المضطر او استجاب لها، اي: كشف عن المضطر ما كان يشكوه او يدعو الله تعالى بأن يكشف عنه الحالة الاضطرارية.
بعد ذلك يواجهنا مقطع جديد من مقاطع دعاء (الجوشن) وهو المقطع الخامس عشر من المائة مقطعاً، حيث يبدأ بهذا النحو: (يا ذا الجود والاحسان، يا ذا الفضل والامتنان، يا ذا الامن والامان...)، وسوف نحدثك عن هذا المقطع في لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى والى ذلك الحين نستودعك الله تعالى، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ذلك، والى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.