ليس هناك من جهة تتقن اللغة الوحيدة التي يفهمها جيش الاحتلال الإسرائيلي وقادته، مثل حزب الله، فعندما كان الشيخ نعيم قاسم يقول:"نحن لن نبني توقع وقف العدوان على حراك سياسي، ولن نستجدي لإيقاف العدوان، وسنجعل العدو هو الذي يسعى إلى المطالبة بوقف العدوان"، كان هناك من يضع هذا الكلام في خانة رفع معنويات مجاهدي حزب الله، ولكن الميدان أثبت أن هذا الكلام لم يكن لرفع المعنويات، بل أوامر صدرت وتم تنفيذها بدقة، فآذت العدو، الذي اضطر للتنازل عن جميع أهداف عدوانه على لبنان، والقبول بوقف إطلاق النار وهو صاغر.
علينا أن نؤكد أولا أن قرار وقف العدوان على لبنان، ليس قرارا "إسرائيليا" كما يحاول مجرم الحرب نتنياهو الإيحاء به، بل هو قرار أمريكي، فالأمريكي أدرك ان من الصعب تحقيق أهداف العدوان، فقرر إيقافه، وليس هناك من دليل أوضح على ذلك، من إعلان الرئيس الأمريكي نفسه عن قرار وقف الحرب، فأمريكا هي التي تدير "حروب إسرائيل"، وهي التي تخطط وتعد العدة لها، وتنفذها عبر قوات الاحتلال الإسرائيلي مباشرة، وعبر قواتها بصورة غير مباشرة، وتنهيها عندما لا تصب نتائجها في صالحها، أو في صالح ربيبتها "إسرائيل".
ليس هناك أدنى مبالغة في قولنا إن حزب الله انتصر انتصارا ملحميا في هذه المنازلة، رغم حجم التضحيات، وفي مقدمتها استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله، فالانتصار يعني منع العدو من تحقيق أهداف عدوانه، وهذا هو ما حققه رجال نصر الله، فالعدو أراد إعادة المستوطنين الصهاينة إلى شمال فلسطين المحتلة، وحاول منع إطلاق الصواريخ باتجاه كيانه، وتدمير قدرات حزب الله العسكرية والصاروخية، والعمل لإحداث تغييرات سياسية في لبنان بعد إنهاء حزب الله سياسيا، والاستفادة من العدوان على لبنان لإحداث تغييرات في المنطقة ككل، وجميع هذه الأهداف لم تتحقق.
بينما حقق حزب الله هدفه المتمثل بمنع عودة المستوطنين إلى مستوطنات شمال فلسطين المحتلة، وحول تل أبيب وحيفا وعكا وأغلب مستوطنات الكيان الإسرائيلي إلى أهداف يومية لصواريخه ومسيراته، وأنزل 4 ملايين مستوطن إلى الملاجىء، في مقابل القصف العشوائي والوحشي الصهيوني للضاحية الجنوبية والبقاع وجنوب لبنان، والذي أسفر القصف عن استشهاد 3800 شخص وأكثر من 15000 جريح، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء.
ولا نبالغ أيضا إن قلنا إن الانتصار الذي حققه رجال نصر الله، هو انتصار ملحمي بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فوفقا للقياسات المادية، كان يجب على جيش الاحتلال أن يعبر نهر الليطاني، وليس فقط إبعاد حزب الله 30 كيلومترا عن الحدود، كما كان مخطط له، فكيف أفشل بضعة آلاف من المجاهدين، طوال شهرين، هجمات 5 فرق عسكرية من قوات النخبة في جيش العدو الإسرائيلي، يبلغ عدد أفرادها بين 50 و60 ألف، الهجمات البرية لهذه الحشود العسكرية الضخمة، وتمنعها من احتلال حتى قرية واحدة وتكبدها أيضا خسائر فادحة، حيث دمر رجال نصر الله خلال 52 يوما أكثر من 50 دبابة ميركافا "إسرائيلية"، وقتل أكثر من 100 جندي وجرح المئات؟!.
رغم أن المعلومات عن بنود الاتفاق شحيحة حتى الآن، إلا أن الثابت والواضح أن الاتفاق يقوم على تنفيذ القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن بعد حرب عام 2006، بلا زيادة ولا نقصان، وهو قرار لطالما تهرب الكيان الإسرائيلي من تنفيذه، وانتهكه آلاف المرات، ووصفه قادة الكيان خلال العدوان الأخير بأنه بات من الماضي، إلا أنه وبفضل الصمود الملحمي لأبطال المقاومة، والصمود الاسطوري لحاضنته الشعبية، تم فرض القرار على الكيان الإسرائيلي، بنسخته الاولى التي تمنع أي انتهاك للسيادة اللبنانية.
عندما يسمع القارىء، أن نتنياهو وعصابته "استسلموا" لرجال نصر الله، فهذا الكلام ليس لنا، بل هو كلام الصهاينة أنفسهم، فمن باب شهد شاهد من أهلها، ننقل بعض ما قالته الصحافة في الكيان الإسرائيلي عن مسؤولين صهاينة، فور الإعلان عن احتمال وقف العدوان على لبنان، فهذه صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلت عن رئيس بلدية كريات شمونة أفيخاي شتيرن قوله:
"ان هذا الاتفاق يجعل هجوما مماثلا لطوفان الأقصى أقرب للحدوث في شمال إسرائيل.. كيف انتقلنا من النصر الشامل إلى الاستسلام الكامل؟. وما الذي سيعود إليه سكاننا؟ مدينة مدمرة بلا أمن ولا مستقبل؟ هذا جنون".
أما شن موشيه دافيدوفيتش، رئيس المجلس الإقليمي لــ "ماتيه آشر" في الجليل الغربي، فشن هجوما عنيفا على اتفاق وقف إطلاق النار. وقال في مقابلة مع الصحيفة "أسأل نفسي ما إذا كنت أعيش في حلم أو وهم، أم أن صناع القرار في الحكومة الإسرائيلية هم الذين يتوهمون"، واصفا طرح الاتفاق بالمهزلة، وبأنه أمر مهين.
وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وصف القرار بأنه "فرصة تاريخية ضائعة للقضاء على حزب الله" وأنه "خطأ فادح"، رغم زعمه بأنه يتفهم "القيود والذرائع" التي تدفع إلى ذلك.
كما أعرب عضو الكنيست من حزب الليكود عميت هاليفي عن تحفظاته، مستهدفا على وجه التحديد المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، الذي قيل إنه حدد موعدا نهائيا للطرفين لإتمام الاتفاق أو مواجهة انسحابه من المفاوضات.
من جانبه، أعرب عضو الكنيست من حزب الليكود دان إيلوز عن مخاوفه، واصفا التقارير عن قرب التوصل إلى اتفاق مع حزب الله بأنها "مقلقة جدا".
أما رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، فقد وصف الاتفاق بـ"غير المعقول" لأنه لم يطالب الحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله!.
وقال رئيس ما يسمى بـ"المعارضة الإسرائيلية" يائير لابيد: "في عهد نتنياهو حدثت الكارثة الأكبر في تاريخنا وأي اتفاق مع حزب الله لن يمحو الإهمال.. حالياً بلدات الشمال مدمرة وحياة السكان انهارت والجيش".
ويرى المراقبون أن حزب الله نجح في تثبيت معادلة الردع ومنع الاحتلال من تحقيق أي مكاسب استراتيجية. وأن محاولات الاحتلال تحطيم منظومة القيادة والسيطرة لحزب الله فشلت في الوصول إلى أهدافها، وهذا يظهر قوة وصمود المقاومة اللبنانية، التي فرضت شروطها على الأرض، وأجبرت الكيان الاسرائيلي على التراجع والاعتراف بخسائره الفادحة، وأظهرت للعالم أن المقاومة قادرة على مواجهة أعتى الجيوش.
يتفق جميع الخبراء العسكريين على أن قرار وقف اطلاق النار، وإن أكد على خلو جنوب الليطاني من سلاح حزب الله، إلا أن ذلك لن يؤثر على قوة الحزب، فالمسألة لا تقتصر على نطاق 10 أو 20 كيلومترا فقط، فالموضوع يتعدى ذلك إلى نوعية الأسلحة التي يمتلكها الحزب والمناطق التي يوجد فيها، فعندما يمتلك صواريخ بمدى يصل إلى 100 أو حتى 250 كيلومترا، فإن إبعاده إلى شمال الليطاني لن يكون له تأثير يذكر.
كما أن اعضاء الحزب يشكلون جزءا من سكان الجنوب الذين يرتبطون ارتباطا وثيقا بأرضهم، ولا يمكن لأي قوة من إبعادهم عن مناطقهم، التي سيرجعون إليها مهما كانت الظروف. لذلك، فإن فكرة إبعاد الحزب عن الجنوب أو منطقة جنوب الليطاني هي غير واقعية بالمرة.
وأخيرا، ما لم يتم تنفيذ القرار 1701 بجميع بنوده، وفي مقدمتها انسحاب جيش الاحتلال من جميع الأراضي اللبنانية، فمن حق الشعب اللبناني، وفقا لجميع الشرائع السماوية والوضعية، أن يقاوم المحتل، أي إن المقاومة ستبقى إلى جانب الجيش والشعب، كمعادلة ذهبية، حمت وستحمي لبنان، رغم أنف أمريكا والكيان الإسرائيلي والعرب المتصهينة.
قناة العالم