بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الغنيّ الوهاب، وأشرف الصلوات وأزكاها على المصطفى وآله الأطياب. ايها الإخوة الافاضل... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في هذا اللقاء الطيّب والمتجدد معكم، وعودة الى الآية الشريفة التي وقفنا عندها في لقائنا السابق، وهي قوله تبارك وتعالى: "وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ" (سورة الأحزاب الآية الثالثة والاربعون). وقد رأينا المفسرين يؤكدون في سبب نزولها ومناسبة ذلك أنها نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وهما أول من صلّى وركع. وليست هذه الآية المباركة وحدها نزلت في الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، بل ذهب بعض المفسرين الى أنّ عشرات من أخواتها، وبعض المفسرين الى أنّ مئات مثلها... نزلت في فضائله ومناقبه، وفي معرض المدح والثناء عليه صلوات الله وسلامه عليه. ولذلك أعدّت في ذلك فصول، بل وكتبٌ وافرة، بعضها يذكر ما نزل في الامام علي عليه السلام من القرآن على وجه ضمنيّ شامل، والبعض الآخر يختصّ بما نزل فيه سلام الله عليه على وجه مختصّ. أمّا المؤلفات الشاملة لما نزل من الآيات فيه، فقد عدّ منها بعض المحققين تسعة وعشرين كتاباً. منها: أحاديث النزول- للدار قطنيّ، وإرشاد الرحمن لأسباب النزول- للأجهوريّ الشافعي، وأسباب النزول للواحدي النيسابوري، وتحت هذا العنوان المشترك لأبي الحسن المدينيّ، وللقرافيّ، ولهبة الله قطب الدين الراوندي، وآخر لابن فطيس الاندلسي، ولآبن الجوزي، والاسباب والنزول على مذهب آل الرسول- لابن شهر آشوب السّرويّ، والاعجاب ببيان الأسباب- لابن حجر العسقلاني، والتنزيل والتعبير- لمحمد بن خالد البرقيّ، والتنزيل عن ابن عباس- للجلوديّ، والصحيح المسند في أسباب النزول- لمقبل الوادي، ولباب النقول في أسباب النزول- للحافظ السيوطيّ المفسّر، ومدد الرحمن في أسباب نزول القرآن- للمقدسيّ الشافعيّ الخليلي، ونزول القرآن- لعكرمة عن ابن عباس، ويتيمة الدرر في النزول وآيات السور للموصليّ الحنبلي.. وغيرها التي اشتملت على ذكر ما نزل من القرآن الكريم في فضل أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام، بروايات صحيحة مسندة وافرة، وأخبار مؤكّدة متواترة.
*******
اخوتنا الاكارم... نعود مرة اخرى الى الآية الشريفة، قوله جلّ وعلا: "فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ" (سورة البقرة:الاية السابعة و الثلاثون).حيث يقول بعض المفسرين: بعد ان أمر الله تعالى بالإيمان في آيات سابقة لهذه الآية الكريمة، أمر بأهمّ وظائف العبودية وهي الصلاة على ما قرّرتها الشريعة المقدسة ثم أمر تبارك وتعالى بأهمّ الوظائف الاجتماعية، وهي الزكاة بما قرّرتها الشريعة الالهية من بذل المال والسعي في الحوائج وكفالة الفقراء المحرومين والمضطربين. ثم أمر جلّ وعلا بالركوع مع الراكعين، لما في العبادة الجماعية من المصالح الكثيرة. لعلّ الركوع أهم أركان الصلاة، أو لأنه أشقّ على المصلّين من السجود، فذكر تبارك وتعالى به على وجه الخصوص. ويستشفّ من هذه الآية المباركة –والله العالم- دعوة الى الجماعة الإيمانية والاتحاد والتوجّه الواحد الى الهدف الإلهيّ الأسمى، ولا يحصل ذلك إلاّ بالركوع مع الراكعين، خلف النبي، أو الوصيّ، في متابعة مسلّمة طائعة للرسول المعصوم الامين، ومن بعده لخلفائه وأوصيائه الائمة الهداة المعصومين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين.
*******
والآن -ايها الاخوة الأحبة- نفزع الى الرواية، في ظل الآية، فنقرأ سنداً طويلاً صحيحاً يذكره الحافظ أبو نعيم الاصفهاني في كتابه (النور المشتعل- أو: ما نزل من القرآن في علي)، ينتهي الى ابن عباس ليقول في ظلّ العبارة القرآنية الشريفة: "وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ": إنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ خاصة، وهما أول من صلّى وركع. روى ذلك الحافظ أبو العلاء الهمداني، عنه: الخوارزمي الحنفي في كتابه (المناقب) وكذا الحبريّ في تفسيره، والحافظ الحسكانيّ الحنفيّ في (شواهد التنزيل) وابن شهر آشوب في (مناقب علي بن أبي طالب) وأبو عبيد المرزبانيّ في (ما نزل من القرآن في عليّ)، والنطنزيّ في (الخصائص)، والسيد هاشم البحراني في (تفسير البرهان)، وسبط ابن الجوزي الحنبلي، ثم الحنفي، في (تذكرة خواصّ الأمّة)، وفرات الكوفيّ في تفسيره، والكازرونيّ في (صفوة الزلال المعين).. فيما كتب السيد هاشم البحراني في (اللوامع النورانية في أسماء عليّ وأهل بيته القرآنيّة) أن (الراكعين) هو اسم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولعلي (عليه السلام) في كتاب الله تبارك وتعالى. والسلام عليكم اخوتنا الاعزة الكرام، ورحمة الله وبركاته، وتحياته.