بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله على عظيم النعماء، وأكرم الصلوات على محمد خاتم الأنبياء، وعلى آله الهداة الأمناء. ايها الإخوة الاعزاء... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. من يراجع سيرة أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) من خلال الكتاب والسنة الشريفة يجد علاقتين ظاهرتين وثيقتين: الأولى – علاقة الإمام علي (سلام الله عليه) بالقرآن الكريم- علمياً وعملياً- والثانية علاقة القرآن الكريم نفسه بالامام علي- تفيسرياً واعتقادياً. أمّا الأولى –فتوقفنا عليها عشرات الأحاديث الشريفة، والروايات المنيفة.. يكفينا منها ما رواه الحافظ ابن عساكر الدمشقيّ الشافعيّ في ترجمة أميرالمؤمنين (عليه السلام) من (تاريخ مدينة دمشق المجلد الثاني) أنّ علياً (عليه السلام) قال: (كنت أدخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلاً ونهاراً، وعلمت تفسيرها وتأويلها، ودعا الله لي أن لا أنسى شيئاً، وعلّمني إياه فما نسيته، من حرام ولا حلال، وأمر ونهي، وطاعة ومعصية، ولقد وضع يده على صدري وقال: اللهمّ أملأ قلبه علماً وحكماً ونوراً. ثم قال لي: أخبرني ربّي عزوجل أنه استجاب لي فيك.
*******
اما العلاقة الثانية وهي –اخوتنا الاكارم- علاقة القرآن المجيد بأميرالمؤمنين (عليه السلام) فتوقفنا عليها عشرات الآيات المباركة شاهدة بفضائل الامام علي (عليه السلام) وخصائصه، ومعالي منزلته وشرفه... منها: آية الكلمات التي تطّرقنا الى إشارات فيها ضمن لقائنا السابق معكم – أيّها الإخوة الأحبّة – وهي قوله تبارك وتعالى: " فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (سورة البقرة:الاية السابعة والثلاثون) وقد نقل الشيخ الطّبرسّي في (مجمع البيان) رواية خاصة، تقول بأنّ آدم (عليه السلام) رأى مكتوباً على العرش أسماءً معظّمة مكرّمة، فسأل عنها، فقيل له: هذه أسماء أجلّ الخلق منزلة عند الله تعالى، والأسماء: محمدٌ وعليٌ وفاطمة والحسن والحسين، فتوسّل آدم إلى ربّه بهم في قبول توبته، ورفع منزلته، فتاب آدم (عليه السلام) فتاب الله عليه، أي قبل توبته، وقيل: تاب الله عليه، اي وفقه للتوبة وهداه إليها بأن لقنه الكلمات حتى قالها، فلمّا قالها قبل الله تعالى توبته. والتلقّي –كما يراه اهل الفهم إخوتنا الافاضل- هو التلقن، وهو أخذ الكلام مع تفهّم وتفقه، وهذا التلقي هو الذي كان سبباً في توبة أبينا آدم (عليه السلام). ولعلّ أعمق من هذا ما يذكره مفسّرون آخرون أنّ التلقي هو قبولٌ وأخذ، بعد بيان وذكر. أمّا الكلمات المتلقاة، فلا بدّ أن تكون كلمات قدسيّة سامقة، فما هي تلك الكلمات يا ترى؟!
*******
في مؤلّفه القيّم القيّم (الدرّ الثمين، في خمسمائة آية نزلت في مولانا اميرالمؤمنين، باتفاق أكثر المفسرين من أهل الدين)، كتب الحافظ رجب البرسي: ثم جعل الله اسمه واسم نبيّه منّاً للنبيين، ومنّاً للاجئين، ووسيلة للداعين، فقال: "فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ"، وكانت الكلمات هي أسماء السادة الهداة. اما السيد هاشم البحراني، ففي عرضه لأسماء أميرالمؤمنين (عليه السلام)، يكتب في (اللوامع النورانية في أسماء علي وأهل بيته النورانية) فيقول: إنّ علياً هو كلمة من تلك الكلمات التي كانت في قوله تعالى: "فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ" أجل –أيّها الإخوة الأكارم- كان عليٌ سلام ربّنا عليه احد الكلمات الإلهية المقدسة التي توسّل بها آدم الى الله جلّ وعلا ليتوب عليه، فتاب عليه. وهذا الأمر ما رآه السيوطي، وهو شافعي المذهب، فثّبته في تفسيره الشهير (الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور)، حيث كتب في ظلّ الآية الشريفة آية الكلمات، راوياً عن ابن النجار، عن ابن عباس أنه قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال (صلى الله عليه وآله): سأل بحقّ محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ، فتاب عليه. وفي الرواية الثانية التي ينقلها ابن المغازليّ الشافعي على الصفحة الثالثة والستين من كتابه (مناقب علي بن ابي طالب) بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال: سأله بحقّ محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ، فتاب عليه وغفر له. روى ذلك ايضاً: المتقي الهندي في (كنز العمال)، وقريباً من معانيه فراتٌ الكوفيّ في تفسيره المعروف، مسنداً الى ابن عباس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال (لمّا نزلت الخطيئة بآدم وأخرج من الجنة، أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا آدم ادع ربّك، قال يا حبيبي جبرئيل، ما أدعو؟ قال: قل: ربّ أسألك بحقّ الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلاّ تبت عليّ ورحمتني، فقال آدم (عليه السلام): يا جبرئيل سمّهم لي، قال: قل: أسألك بحقّ محمد نبيك، وبحق علي وصيّ نبيك، وبحقّ فاطمة بنت نبيك، وبحقّ الحسن والحسين سبطي نبيّك، إلا تبت عليّ ورحمتني. فدعا بهنّ آدم فتاب الله عليه، وذلك قول الله تعالى: "فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ" ثم قال (صلى الله عليه وآله): "وما من عبد مكروب يخلص النية ويدعو بهنّ –أي بهذه الكلمات- إلاّ استجاب الله له". والى لقاء طيب آخر معكم –أحبتنا المؤمنين- نرجو لكم أهنأ الأوقات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.