لا نزال مع الزيارة الجامعة أي زيارة الائمة عليهم السلام حيث يطلق عليها مصطلح "الكبيرة" تمييزاً لها عن سواها بالاضافة الى خصوصيتها المتمثلة في بلاغة صياغتها من الزاوية الفنية ... المهم ان نواصل حديثنا عن الزيارة المذكورة حيث قدمنا في لقاءات سابقة جملة مقاطع منها بحسب تسلسلها ونتقدم الان بمتابعة احد مقاطعها البادئ بالسلام على الائمة عليهم السلام، حيث وصفهم بجملة سمات مثل الهداة والولاة والحماة وبقية الله وخيرته ... الى ان يقول (وحجته وصراطه ونوره وبرهانه ورحمة الله وبركاته)... بهذه العبارات ينتهي المقطع ليواجهنا مقطع آخر وهكذا ... والمهم ان نحدثك عن الفقرات المذكورة حيث تحمل كل مفردة دلالة خاصة يحسن بنا القاء الانارة عليها...
المفردات او السمات المذكورة هي الحجة الصراط النور، البرهان، هذه السمات بعضها تعبير صوري أي يعتمد الصورة الفنية كالاستعارة او الرمز تعبيراً عن دلالات خاصة... وحتى العبارة المباشرة مثل سمة الحجة هي في الواقع تترشح بعدة دلالات كما تترشح الصورة الرمزية او الاستعاريةاو التشبيهية بدلالات متعددة.
ولنقف مع الاولى منها وهي سمة "الحجة" ... وهذه المفردة او العبارة لا نحسبك بعيداً عن مضمونها الواضح، وهو ما يحتج به على الآخر من حيث وضوح المسألة وظهورها وقد انسحب هذا المعنى اللغوي لمفردة "الحجة" على المعصومين (عليهم السلام) أي على من نصبه الله تعالى حجة على العباد من حيث التوصيل لرسالة السماء الى الآخرين ومما لا شك فيه ان الائمة (عليهم السلام) بموجب الآية المباركة القائلة باطاعة الله تعالى ورسوله(ص) واولي الامر (عليهم السلام) يجسدون "الحجة" على الآخرين بصفة ان الله تعالى أمر النبي(ص) بان ينصب خلفاء له يوصلون المبادئ الى الآخرين وبذلك يكونون "حجة الله تعالى" على عباده وهذا فيما يتصل بسمة الحجة ولكن ماذا بالنسبة الى السمة الثانية وهي الصراط؟
هذا ما سنجيب عنه بعد الاستماع الى الحوار التالي مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ حسان سويدان وفيه ثم مهمة ترتبط بصفة الحجة من مقامات الامام عليه السلام نستمع معاً...
نتابع احباءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان بالاجابة عن السؤال الذي عرضناه قبل اللقاء بضيف البرنامج بشأن معنى وصفهم عليهم السلام بصفة "صراط الله" ولعلك مستمعي الكريم تعرف بان الصراط من حيث دلالته اللغوية العامة وهو الطريق ولكن النصوص الشرعية سواءاً كانت قرآناً كريماً ام احاديث نبوية او احاديث المعصومين (عليهم السلام) بعامة طالما تستخدم الكلمة المذكورة رمزاً لما هو ايجابي من الظواهر فيكون الصراط بمثابة رموز متعددة تنطبق حيناً على السلوك السوي وحيناً على الشخصيات المصطفاة وحيناً على مطلق الظواهر الايجابية ... ولعل التعبير عن سمة الائمة (عليهم السلام) بانهم "صراط الله تعالى" يتضح بجلاء حينما نضع في الاعتبار انهم (عليهم السلام) "طريق" الله تعالى الى عباده بصفة انهم يوصلون مبادئ الله تعالى بعد النبي(ص) الى الآخرين حيث لا طريق سواهم الى الله تعالى ما دامت الطرق غير المنتسبة اليهم تجسد الطرق غير المطلوبة.
تبقى مفردة "النور" ومفردة "البرهان" وهما اثنان آخريان خلعتهما الزيارة على الائمة (عليهم السلام).
اما النور فلا نعتقد اننا بحاجة الى تفصيل الحديث عنه حيث ان هذه المفردة رمز واضح للاسلام وللايمان ولمطلق القيم الخيرة من الظواهر ومن السلوك ويكفينا القرآن الكريم حينما يصف المؤمنين بان الله تعالى يخرجهم من الظلمات الى النور.
واما السمة الاخيرة من مقطع الزيارة المشار اليها فهي "البرهان" أي ان الائمة عليهم السلام هم "برهان" الله تعالى ... فماذا تعني؟
لقد لاحظنا ان السمة التي حدثناك عنها اولاً وهي سمة الحجة تعني ما يحتج به على الاخرين، هنا فان "البرهان" بدوره يكاد يتماثل مع سابقته الا انه يختلف عنه بكون البرهان يجسد دليلاً الى الله تعالى... وبالفعل فان التوصيات الاسلامية الواردة في شأن الائمة عليهم السلام بصفتهم اوصياء النبي(ص) انما يجسدون البرهان على ما رسمه الله تعالى من المبادئ وأمرا الناس بالعمل وفقها.
اذن البرهان هو غير الحجة ولكن كليهما يشتركان في التدليل على ان الائمة (عليهم السلام) هم الحجة والبرهان على ما او كله الله تعالى والنبي(ص) اليهم من توصيل المبادئ الى الآخرين والعمل بها. نسأله تعالى ان يوفقنا الى طاعته انه سميع مجيب.
*******
أما الآن نتابع تقديم برنامج امناء الرحمن بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ حسان سويدان اهلاً ومرحباً بكم:
المحاور: فيما يرتبط بمقامات الائمة في زيارة الجامعة من هذه المقامات التي ذكرتها، لهم مقام انهم حجة (عليهم السلام) الاحاديث الشريفة ذكرت ان الامام هو الحجة الظاهرة، والعقل هو الحجة الباطنة سؤالنا هو عن العلاقة بين هاتين الحجتين وما الوجه للحاجة للحجة الظاهرة مع وجود الحجة الباطنة؟
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. بعد السلام والتحية لكل الاخوة والاخوات نقول هناك قضية مركزية ومهمة جداً في حياة الانسان الذي يريد ان يحيا على اساس رسالة الغيب بمعنى الايمان بالغيب، الايمان بالله سبحانه وتعالى الذي هو غيب عن الحواس والايمان بأن هذا الارتباط الايماني بالله سبحانه وتعالى لابد وان ينعكس لابد وان يترجم في تمام حركات وسكنات هذا الانسان على اساس عبوديته لربه عزوجل اذا اتضحت هذه الحقيقة وهي حقيقة مسلمة لدى الجميع الذين يعتقدون بالباري ووجود الباري عزوجل لاشك ولاريب انه تفنتح هنا قضية الترابط الذي سألتم عنه الترابط بين الحجة الباطنة وانه ما حاجة الانسان الذي يمتلك هذه الحجة الذي يمتلك جوهرة العقل الذي هو اول مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى كما ورد في الروايات فقال له: (اقبل فأقبل، قال له ادبر فأدبر فقال وعزتي وجلالي ما خلقت مخلوقاً افضل واشرف منك بك اثيب وبك اعاقب) على هذا الاساس بلاشك ولاريب ان الانسان يتوقف قليلاً ليقول اذا كان العقل هو هذه الحجة العظيمة والحجة الباطنة ويمتلكها نوعاً كل انسان عاقل وهي التي تهدي اساساً الى الايمان بالغيب الذي هو الباري عزوجل فما حاجة معها الى الحجة الظاهرة؟ الجواب بسيط وواضح لو كانت القضية مجرد ان نؤمن بالله سبحانه وتعالى ايماناً نظرياً مجرداً عن حياتنا وعن سلوكنا وعن عملنا، لربما امكننا ان نكتفي بهذا القدر، وهو اننا نعتقد بوجود الباري ثم نخلي سبيلنا في اعمالنا وافعالنا وسلوكنا ومجريات حياتنا لنعيش كما نشاء، الا ان الامر ليس كذلك، وبأتفاق المتألهين المعتقدين بالالوهية بلاشك ان الايمان بالربوبية والالوهية يستتبع ان يسلك الانسان في الحياة على اساس ما يريد الله سبحانه وتعالى هنا تطرح بشكل واضح قضية السفارة الالهية التي تتمثل اولاً وبالذات بخط النبوة ثم بأوصياء الانبياء، لماذا لان هولاء اناس استطاعوا بصفاء ذواتهم وصقل نفوسهم وارتقاءهم في العبودية ان يخلع الحجاب بينهم كل بقدر معرفته وبين عالم الغيب فأستطاعوا الى ان يوحي الله اليهم ما يريده منهم اولاً وما يريده من جميع خلقه ثانياً فنزلت الشرائع الالهية بواسطة الملائكة الى هؤلاء الانبياء فبلغوها الى الخلق هذه الحاجة الاولية الاساسية نستطيع ان نقول بيان المرام والمراد الالهي للبشرية، الحاجة الثانية المهمة في هذا المجال القدوة الصالحة من يمشي في كل حركاته وسكناته بل في كل نفثاته ايضاً على اساس الايمان بالله وعلى اساس تقوى الله وعلى اساس تشريع الله سبحانه وتعالى هذا هو المفتاح الرئيس للحاجة ومن هنا فإن الحجة الظاهرة تكمل دور الحجة الباطنة التي هي العقل اساسه الحجة الباطنة اذا نظرنا الى الانسان بما هو انسان.
المحاور: يعني الحجة الباطنة هي التي تهدي الى الحجة الظاهرة والحجة الظاهرة هي التي تأخذ بيد الانسان الى القرب الالهي؟
الشيخ حسان سويدان: لا يمكن ان يكون هناك دور للحجة الظاهرة لولا وجود الحجة الباطنة فالمجنون لايمكن ان يكلف بكل هذه التكاليف.
*******