تقبل الله طاعاتكم نتابع معكم التدبر في آيات تشريع فريضة الصيام المباركة الواردة في سورة البقرة حيث نستلهم أنوار الهداية من قوله تعالي: وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. فما هي الدروس التي نتعلمها من هذا النبراس القرآني ؟
الفقرة المتقدمة جاءت في ختام الآية الثانية من آيات الصيام الثلاث المشار إليها، وقد ذكرت الآية أحكام الذين أسقطت الرأفة الإلهية حكم وجوب الصوم في شهر رمضان المبارك أما لمرض أو سفر أو مشقة كبيرة.
وهذه الفقرة القرآنية خاصة بالطائفة الثالثة أي الذين يصعب الصيام أما لكبر سنهم أو لمشقةٍ بالغة تصيبهم بسبب العطش مثلاً، هؤلاء أجازت لهم رأفة الله تبارك وتعالي أن يفطروا شهر رمضان ويقدموا بدلاً عن الصيام مقداراً معيناً من الطعام للمساكين وهو المعروف بالفدية.
ثم جاءت هذه الفقرة لتبين لهم حقيقة مهمة هي أن الصوم ولو مع تحمل المشقة البالغة أفضل لهم من الإفطار وإعطاء الفدية، وفي ذلك درس قرآني مهم يعرفنا بعظمة بركات الصوم بحيث يجيز الله للذين يصعب عليهم الصيام أن يتحملوا مشقته البالغة سعياً للحصول علي بركاته.
قال مولانا الإمام الرضا (عليه السلام) في بيان حكمة تشريع الصوم: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش ويستدلوا علي فقرة الآخرة وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً لما أصابه من الجوع والعطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الإمساك عن الشهوات، وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل ورائضاً لهم علي أداء ما كلفهم ودليلاً لهم في الآجل.
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): فرض الله الصيام إبتلاءً لإخلاص الخلق.
وقالت مولاتنا الصديقة الزهراء (ليها السلام): فرض الله الصيام تثبيتاً للإخلاص.
والأحاديث الشريفة في بيان فضيلة الصوم كثيرة تفسر في الواقع قوله تعالي: وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ وهي بالتالي تعلمنا أن نحرص علي الصوم كهديةٍ إلهية عزيزة وعظيمة البركات ونحرص علي تجنب ما يعيقنا عنها، فمثلاً ينبغي أن نتقي مثلاً المرض أو السفر في شهر رمضان لكي لا تُحرم من بركات هذه الفريضة المباركة.
وعلي هذا كان أئمة العترة المحمدية يؤدبون شيعتهم، لاحظوا ما روي في تفسير كنز الدقائقعن الحلبي أنه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيمٌ لا يريد براحاً [أي سفراً] ثم يبدوا له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر؟
فسكت (عليه السلام) أي إشارة الي عدم رضاه عنه أن يسافر الرجل ويُحرم نفسه من، قال الراوي فسألته غير مرة فقال (عليه السلام): يقيم [يعني لكي يصوم] أفضل إلا أن تكون له حاجة لابد له من الخروج فيها.
*******