البث المباشر

خصوصية المفردة القرآنية والتشكيل الإعرابي (9)

الأربعاء 12 يونيو 2024 - 13:47 بتوقيت طهران
خصوصية المفردة القرآنية والتشكيل الإعرابي (9)

ثمة مفردات قرآنية كثيرة في الآيات القرآنية تتشابه حروفها وتختلف معانيها تبعاً لاختلاف التشكيل [الحركات] لكل حرف من الحروف فضلاً عن موقعها الكلي من الإعراب وفي السياق.

 

وسبق أن عرفنا خلال المقالات الثماني الماضية من هذه السلسلة (خصوصية المفردة القرآنية) على جوانب كثيرة، ونواحٍ عديدة، ومعانٍ متنوعة، وأنماط مختلفة، وسياقات متنوعة.

 

وفي هذه المقالة التاسعة (في سلسلة المقالات التي ستصدر كلها في كتاب خاص بإذن الله إن كان في العمر بقية) نسلط الضوء على أهمية حركات الإعراب أو التشكيل المتعلق بالحروف المكونة للمفردات القرآنية ، وخاصة تلك الكلمات المتشابهة إلى حد كبير في حروفها والمتقاربة في الرسم القرآني.

 

والحركات هي رموزٌ توضع فوق الحرف او تحته ليتم نطقها بشكل سليم، وبسبب هذا التشكيل والحركات يصبح للكلمة الواحدة أكثر من معنى. وأبرز فوائد الحركات:

 

■ إنها تساعد في معرفة المعنى الدقيق للكلمة ثم الجملة فلا يمكن فهم معاني الكلمات بدقة دونها.

 

■يساعد ضبط الكلمات على معرفة إعرابها بشكل صحيح.

 

■تعين على النطق السليم للكلمات فلا يحدث لحن لأن بعض الكلمات متشابهة تماماً في حروفها بل متطابقة ولا يمكننا أبدا التمييز بينها، إلا بوضع الحركات عليها وتحتها.

 

■ويترتب على النطق الصحيح والتشكيل الدقيق تشخيص موقع الكلمة في الجملة وتحديد معناها في السياق واعطاء القارئ المعلومة والحكم الشرعي من غير التباس في المعنى والمفهوم [محمد ابراهيم محمد مصطفى / القيمة الدلالية لحركات الإعراب بين القدماء والمحدثين - بتصرف] وكذلك [المقتطف / ص527 و528 – بتصرف]

 

وأحياناً يؤدي الخطأ في كتابة حركة أو أكثر الى الخطأ في التلاوة والانحراف في المفهوم والتغيُّر في الحكم الشرعي والتبدل في المعنى والتأثير على اللفظ وعلى نمط القراءة ولذلك سنورد مثالاً لإحدى المفردات القرآنية الداخلة تحت هذا العنوان وهي كلمة (سُوء) و(سَوء).

 

قال تعالى: {ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السَّوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا} (الفتح 6).

 

ويرى ابن عاشور أن [السَّوء والسُّوء] مترادفان في أصل اللغة ومعناهما (المكروه) ضد السرور فهما مثل:

 

_الكَره والكُره،

 

_والضُّعف والضَّعف،

 

_ والضُّر والضَّر،

 

_والبأس والبؤس.

 

هذا عن الكسائي وتبعه الزمخشري وبيّنَهُ الجوهري بالقول: ان [السَّوء] بفتح السين مصدر و[السُّوء] بضم السين اسم مصدر، إلا أن الاستعمال غلب المفتوح في أن يقع وصفاً لمذموم مضاف إليه موصوفه كما وقع في هذه الآية، وكذلنا في الآية (ويتربصون بكم الدوائر عليهم دائرة السَّوء) [التوبة: 98] وأغلب المضموم في معنى الشيء الذي هو بذاته شرٌّ. فإضافة الظن الى [السَّوء] من إضافة الموصوف الى الصفة، فهذا (ظنُّ سَوء) بالرسول (ص) ولذلك فالمناسب هنا لقراءته بفتح السين (السَّوء) وهذا ما قال به ابن عاشور.

 

والخلاصة في القواميس اللغوية: ان (السَّوء) بفتح السين مصدر (ساءه، يسوءه، سوءاً) أي: فعل به ما يكره. وهو نقيض سَرّه، وغلب عليه أن يضاف إليه، نحو قولك: هذا "رجل سَوء" وهذه "امرأة سَوء"

 

اما (السُوء) بضم السين فهو الاسم من السوء، جرى مجرى الشر، وكلاهما في الاصل مصدرو هذه المفردة ["السُّوء" بضم السين] وردت في القرآن الكريم بمعانٍ مختلفة حسب السياق، نورد بعضها لا كلها لئلا يطول بنا المقام:

 

(السُّوء): بمعنى الشدة {يسومونكم سوء العذاب} (البقرة:49).

 

و(السُّوء): بمعنى العقر - وهو الجرح للبعير - ومنه قوله تعالى في قصة ناقة صالح ع: {ولا تمسّوها بسوء} (هود:64).

 

و(السُّوء): يطلق على البرص {تخرج بيضاء من غير سوء} (طه:22).

 

و(السُّوء): الشر {ما كنا نعمل من سوء} (النحل: 28).

 

و(السُّوء): الشتم والكلام القبيح {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول} (النساء: 148).

 

و(السُّوء): الذنب {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} (النساء: 17).

 

و(السُّوء): الضر {أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} (النمل:62).

 

و(السُّوء): القتل والهزيمة، وبه فُسّر قوله تعالى {لم يمسسهم سوء} (آل عمران:174).

 

و(السُّوء): بمعنى بئس، قال تعالى عمن ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض: {ولهم سوء الدار} (الرعد:25).

 

أما(السَّوء) بالفتح فيرد بمعنى الزنا {ما كان أبوك امرأ سَوء} (مريم:28)، ولا يصح ضم السين في الآية، ولا كذلك في: {وظننتم ظن السَّوء} (الفتح:12) لأن (السُّوء) لا يضاف إلى الرجل، ولا إلى الظن، وإنما يضاف إلى الأفعال، فتقول: عمِل عَمَل سُوء.

 

وقال الفراء في سورة براءة عند قوله تعالى: {عليهم دائرة السَّوء} (التوبة: 98) قال: قرأ القراء بفتح السين {السَّوء} والمراد بالسَّوء المصدر، من سؤته سوءا، ومساءة؛ فهذه مصادر،

 

ثم قال: ومن قرأ بضم السين {السُّوء} جعله اسما، كقولك: عليهم دائرة البلاء والعذاب، والمعنى هنا: عليهم الهزيمة والشر.

 

وكما لاحظنا فإن المعاني المتعددة والمتنوعة للفظ (السوء) تفيد معنى الشر والأذى، والسياق هو الذي يحدد نوعاً خاصاً ومعيناً من أنواع الأذى والشر. وفي ذلك عونٌ لنا على فهم كتاب الله، وبه نتعرف على وجه من وجوه اختلاف القراءات القرآنية (اسلام ويب- بتصرف).

 

وهناك مفردات أخرى تدخل تحت عنوان اختلاف التشكيل والحركات في حروفها نمرّ عليها مرور الكرام:

 

"النِّعمة" و"النَّعمة"

#"يهِدِّي" و"يهدي" و"يهدى"

"السُّوأى" و"السَّوأى"

"السِّلم" و"السَّلم"

"نَحلة" و"نِحلة"

"مَيت" و"ميّت"

"قَسَم" و"قِسم"

"إِمراً" و"أَمراً"

"السِّلم" و"السَّلْم" و"السَّلَم"

"مَقاما"و "مُقاما"

"كُرْه" و"كَرْه" و"كَرِهَ"

"جَنة" و"جِنّة" و"جُنّة"

ولكل منها معنى ومفهوم يختلف عن الآخر، باختلاف التشكيل.

 

بقلم: د. رعد هادي جبارة

الأمين العام للمجمع القرآني الدولي

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة