الحمد لله الذي سبقت رحمته غضبه، والصلاة والسّلام على مجاري رحمته الكبرى محمد وآله الطاهرين، السّلام عليكم أحباءنا، وأهلاً بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج، إخترنا لكم فيها فقرات تحمل العناوين التالية:
- أسباب الحرمان من الشفاعة المحمدية.
- أقوام سكنوا الأرض قبل آدم.
- كان للجنازة رغاء كرغاء البعير.
- وأبيات في الموعظة عنوانها: الأنس بالموت.
*******
نبدأ أعزاءنا على بركة الله بالفقرة الأولى وعنوانها هو:
اسباب الحرمان من الشفاعة المحمدية
ايها الأكارم حذّرتنا أحاديث أهل بيت الرحمة (عليهم السّلام) من مجموعة من الأمور التي تسّبب حرمان الانسان من الشفاعة المحمدية، وقد عرفنا في اللقاءات السابقة أعزاءنا أنّ الاحاديث الشريفة تصرّح بأنّ الجميع من الأولين والآخرين يحتاجون للشفاعة المحمدية خاصة يوم القيامة للنجاة من أهوالها وغير ذلك.
ولذلك فإنّ من الضروري أن نتعرّف على هذه العوامل لكي نتجنّبها. فمن أهم العوامل التي تحرم الانسان من الشفاعة المحمدية المباركة الظلم والغلوّ في الدين أي فقدان العقيدة الحقة المأخوذة من الثقلين كتاب الله وعترة نبيّه.
أجل فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مصادر الفريقين أنه قال: رجلان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم وغال في الدين مارق فيه.
ومن هذه العوامل ايضا إنكار الانسان للشفاعة المحمدية بعد أن علم بها من الأحاديث الشريفة، أجل فقد روي في أمالي الصدوق وغيره عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي.
ومن العوامل المهمة للحرمان من الشفاعة المحمدية فقدان التوحيد الخالص المأخوذ من القرآن الكريم وأهل بيت النبوة (عليهم السّلام).
أجل فهذا ما أشارت إليه عدّّة من الأحاديث الشريفة منها المرويّ في روضة الواعظين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ما خلا الشرك والظلم.
وجاء في كتاب العدد القوية قول العلامة الحلي: الشفاعة لا تكون لأهل الشكّ والشّرك، ولا لأهل الكفر والجحود، بل يكون للمؤمنين من أهل التوحيد.
ومن العوامل المهمة التي تحرم الانسان من الشفاعة المحمدية إيذاء ذرية النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهذا ما حذّر منه النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) في حديثه المسند إليه في عدة من المصادر المعتبرة منها أمالي الصدوق أنه قال: إذا قمت المقام المحمود تشفّعت في أصحاب الكبائر من أمتي فيشفّعني الله فيهم، والله لا تشفّعت فيمن آذى ذريتي.
ولا يخفى أنّ لإيذاء ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) مراتب ودرجات تحرم كل منها من درجة من الشفاعة المحمدية المباركة.
فجدير بالراغب في شفاعة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) أن يتجنّب إيذاء ذريته بجميع درجاتها.
بقيت قضية أخرى مهمة هي أن التورّع عما ذكرته الاحاديث الشريفة المتقدّمة هو من زاوية أخرى سبب للفوز بالشفاعة المحمدية، وهناك أسباب أخرى للفوز بهذه الشفاعة هدتنا اليها الأحاديث الشريفة ينبغي لطلاب النّجاة في الدنيا والآخرة أن يسعوا للتعرّّف عليها والعمل بها، وهذا ما سيكون موضوع هذه الفقرة من البرنامج في الحلقة المقبلة من برنامج عوالم ومنازل بأذن الله تبارك وتعالى فكونوا معنا.
*******
أما الآن فالى خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند وهو يجيب عن أسئلتكم:
أقوام سكنوا الأرض قبل آدم
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احبائنا ورحمة الله وبركاته وسلام على ضيف برنامج عوالم ومنازل وخبيره سماحة الشيخ محمد السند، سلام عليكم.
الشيخ محمد السند: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ من الاسئلة التي وصلت الى البرنامج سؤال عبر البريد الالكتروني من الاخ ابو منير الظاهر من القطيف يسأل عن قوله تعالى: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً» يقول هذه ايضاً من الاسئلة التي تتردد كثيراً، يقول كيف عرفت الملائكة بأن آدم سوف يفسد في الارض، هل كانت تعلم الغيب؟ تفضلوا سماحة الشيخ.
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين. في الحقيقة ما ورد في الروايات عن منشأ تساؤل الملائكة وما فسره عدة من المفسرين ان الملائكة كانت قد شهدت مخلوقات من قبل وهم مثلاً الجن حيث عاثوا في الارض فساداً وكذلك النسناس وهم خلق آخر غير الجن والانس وينضب مكانه بين هذه الاصناف الثلاثة بجهات واشتراك، بأعتبار ان المخلوق الارضي بالتالي يحتاج الى ميول شهوية ونزعات تؤمن له بقاءه على وجه الارض يعني نزعة الاكل والشرب والنكاح لأجل بقاء الناس وما شابه ذلك في حين الهبوط الى الارض يحمل ضيق وبالتالي الضيق يصير فيه نوع من التقاطع وبالتالي ينشأ منه الافراط في اعماله وفي الميول هذه والشهوات والتحاسد والتباغض ثم يدب الفساد من هذا فهم لم ينبأوا عن شخص النبي آدم والمقصود ان الكائن الارضي بما يزود تكويناً، الغرائز تؤمن له معيشته على الارض هذه الغرائز تندفع به عند اطلاق العنان فيها الى التضاد نتيجة امتناع مثلاً اطلاق الميول عند افراد الكائن البشري على الارض فمن ثم يدب الفساد ان لم يكن هناك نظم صارم وقوي يوفق بين الميول والرغبات ويهذبها.
المحاور: سماحة الشيخ عفواً بما يرتبط بسؤال الاخ هو ذكر بأن هل قضية واقعاً آدم افترض ان آدم عليه السلام هو الذي سوف يفسد في الارض فهل هذا الافتراض اساساً صحيح يعني ام الجن؟
الشيخ محمد السند: نعم عقبت على هذا الكلام ان هذا ليس بصحيح في نفس آدم وانما ما ذكرته الملائكة بلحاظ طبيعة الكائن.
المحاور: طيب الشق الاخر من سؤال الاخ سماحة الشيخ عن قضية الملائكة وعلم الغيب، ما تفضلتم به يشير الى ان الامر لا يتعلق بعلم الغيب وانما ما عرفته ماهية وحقيقة الانسان وانه يمكن ان يسفك الدماء نتيجة لتضارب المصالح والشهوات ولكن الشطر الاخر من سؤال الاخ عن قضية علم الغيب، هل ان للملائكة علم غيب؟
الشيخ محمد السند: طبعاً بما يطلعهم الله عزوجل لهم حظ ونصيب بحسب باطنهم طبعاً، فمقامات الملائكة بعضهم مقربين، بعضهم كروبيين، بعضهم حملة العرش وليس كل طبقات الملائكة على سواء وما جرى من هذا الامر هو في الواقع ليس من باب الاطلاع على الغيب انما ما رأوه وما علمه من كائنات على وجه الارض وما تحتاج في حياتها الى وجود الرغبات والميول كي تؤمن دوام بقاء حياتها وبقاء هذا البدن نتيجة الضيق الذي ينشأ على الارض وعدم النظم وتهذيب هذه الرغبات والميول بالتالي تبدأ حينئذ، يبدأ الصراع ويبدأ الحسد وبالتالي انفجار الغرائز التي تؤدي الى سفك الدماء والى العيث في الارض بوجوه مختلفة.
*******
نتابع أحباءنا هذه الحلقة من البرنامج والفقرة التالية التي تحمل عنوان:
كان للجنازة رغاء كرغاء البعير
أعزاءنا من الثابت عند أهل المعرفة أنّ الصفاء الروحي وتهذيب النفس يفتح أمام الانسان أن يطّلع على أحوال أهل البرزخ وهو في الحياة الدنيا، وقد صدّقت هذه الحقيقة كثيراً من الحكايات الموثقة المروية عن العلماء الاتقياء.
منها ما حكي عن الفقيه الزاهد والعالم المتعبّد الشيخ عباس القمي (رضوان الله عليه) مؤلف كتاب مفاتيح الجنان، وقد نقل عدّة من الموثقين من تلامذته أنه قال: ذهبت يوماً الى وادي السّلام في النجف الأشرف لزيارة أهل القبور وأرواح المؤمنين، جلست عند أحد القبور فسمعت صراخاً يأتي من بعيد شبيهاً برغاء البعير إذا أرادوا كيّه من الجرب، كنت أشعر بأنّ الأرض تهتزّ من شدّة هذا الصراخ فتحركت بأتجاه مصدر الصوت لعلّي أفعل شيئاً لإنقاذ البعير، لكنني لمّا وصلت الى مصدر الصوت لم أجد بعيراً، بل شاهدت جنازة لرجل جيء بها لكي تدفن في الوادي.
ويتابع الشيخ الزاهد عباس القمي (رضوان الله عليه) نقل مشاهدته قائلاً: كنت أسمع ذلك الصراخ يتعالى من تلك الجنازة إلاّ أنّ أياً من الحاضرين لم يكن يسمع ما أسمع أو لم يظهر عليهم العلم بما يعانيه المتوفى الذي جاؤوا به فقد كانوا مشغولين بأمرهم بهدوء.
لقد كانت هذه الجنازة بلا ريب لرجل ظالم متعد نال في أول إنتقاله الى عالم البرزخ عقوبة جعلته يئن ويطلق صرخات الاستغاثة.
أعاذنا الله واياكم من كلّ ما نستوجب به عذاب القبر والبرزخ والآخرة اللهمّ آمين.
*******
أما الآن فإلى الفقرة الختامية من برنامج عوالم ومنازل وهي أدبية إخترنا لها العنوان التالي:
الأنس بالموت
نقرأ لكم أحباءنا أبياتاً بليغة تعبّر عن معرفة عميقة بحقيقة الدنيا والآخرة وما ينبغي أن نلتزم بها في التعامل معهما، وهي للشاعر المبدع ابي تمام الطائي (رحمه الله) قال:
أقول لنفسي حين مالت بصغوها
إلى خطرات قد نتجن أمانيا
هبيني من الدنيا ظفرت بكلّ ما
تمنّيت أو أعطيت فوق أمانيا
أليس الليالي غاصباتي بمهجتي
كما غصبت قبلي القرون الخواليا
ومسكنتي لحداً لدى حفرة بها
يطول إلى أخرى الليالي ثوائيا
كما أسكنت ساماً وحاماً ويافثاً
ونوحاً ومن أضحى بمكة ثاويا
فقد أنست بالموت نفسي لأنني
رأيت المنايا يخترمن حياتيا
*******