والحمد لله اشفع الشافعين والصلاة والسّلام على مجاري شفاعته الحسنى محمد وآله الطاهرين، السّلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله وبركاته، وأهلاَ بكم في حلقة اخرى من هذا البرنامج.
إخترنا لكم فيها فقرات متنوعة تحمل العناوين التالية:
- الشفاعة في عوالم الوجود
- عواقب الظلم الأخروية
- حكايات قصيرة وعبر كبيرة
- العمل الصالح وحسن الظنّ باللّه
*******
لنبدأ أعزاءنا جولة اليوم على بركة اللّه عزّ وجلّ فكونوا معنا والفقرة التالية وعنوانها هو:
الشفاعة في عوالم الوجود
ايها الأكارم، من الأمور المؤثرة للغاية في حياة الانسان في مختلف عوالم الوجود، هي الشفاعة والنصوص الشريفة قرآناً وسنّة صريحة في أهمية الشفاعة بمختلف أقسامها في الدنيا والآخرة.
لاحظوا أحباءنا قوله عزّ من قائل عنها: «مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا».
الآية صريحة كما تلاحظون في أنّ الشفاعة على نوعين هما حسنة ممدوحة وسيئة مذمومة.
وأن للشفيع حصة من آثار شفاعته أياً كانت، وهذا الأمر يشمل عالمي الدنيا والآخرة.
وقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنه قال في كلماته القصار: الشّفيع جناح الطالب.
وهذا هو المعنى العامّ للشفاعة الذي يشمل كلا قسميها كما يشمل عالمي الدنيا والآخرة.
قال العلّامة ابن ميثم البحراني في شرحه لهذه الكلمة العلوية، الشفيع وسيلة للمستشفع الى تحصيل الأمر المطلوب له والى الخلاص من الأمر المهروب منه وأضاف (رحمه الله): وفي الكلمة تنبيه وحثّ للشفيع على السعي في الشفاعة فيما ينبغي، وحثّ لطالب الحاجة على حفظ قلوب الإخوان وادّخارهم لوقت الحاجة الى التوسل بهم في المطالب.
ثم قال (رضوان الله عليه): الشفاعة من أسباب الألفة والمحبة وقضاء الحوائج والمهمات التي هي المطلوبة من كثرة الخلق واجتماعهم، فيكون تاركها كالكاسر لمقتضى العناية الإلهية والحكمة الربانّية.
وخلص العلامة ابن ميثم البحراني الى نتيجة لخصها بقوله: وذلك يدل على أن السعي فيها (يعني الشّفاعة) من القربات والوسائل الى الخالق المعبود جلّت قدرته.
ومن البيان المتقدم تتضح أهمية الشفاعة الممدوحة كحكم عقلي بمعنى أنّ العقل يأمر بها ويدعو إليها بحكم إحتياج الخلق بعضهم لبعض، وهذا الحكم العقلي أيّدته النصوص الشرعية أيضاّ كما سنلاحظ إن شاء الله في الحلقة المقبلة من برنامج عوالم ومنازل بأذن الله.
*******
أما الآن فننقلكم الى الفقرة التالية من البرنامج، وهي كما تعلمون التي تعنى بأجابة خبير البرنامج عن أسئلتكم الكريمة:
عواقب الظلم الأخروية
المحاور: وسلام على رسوله وآله الهداة الميامين السلام عليكم احبائنا وسلام على سماحة الشيخ باقر الصادقي ضيفنا الكريم في هذه الحلقة، سماحة الشيخ من الاخت اكرام وردنا عبر البريد الالكتروني سؤال منها عن عواقب الظلم في الحياة الاخروية وكيف يعاقب الظالم؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، ورد في تفسير هذه الآية الشريفة ان ربك بالمرصاد هناك عقبة على الصراط لا يجوزها ظلم ظالم، هذا اول شيء انه لا يجوز على الصراط من عواقب الظلم في يوم القيامة، هناك عدة عقبات على الصراط عقبة الصلاة عقبة الامانة عقبة صلة الارحام، فمن جملة العقبات هذه المرصاد وهي تخص الظلمة فلا يجوز الصراط من كان عنده مظلمة ظلمها لاحد من عباد الله، ولذلك ورد في الروايات اتقوا الظلم فانه ظلمات يوم القيامة، يعني الظلم عاقبته الظلمات سواء كان في البرزخ او سواء كان في يوم القيامة، يقتص من صاحبها يعني يؤخذ من حسنات الظالم وتوضع في ميزان المظلوم اذا كان عنده حسنات، ان لم يكن عنده حسنات يضاعف في عذابه يؤخذ من سيئات المظلوم فتوضع على حسابه، وذلك لان الله عز وجل هو العدل ولا يجوزه ظلم ظالم، ومن هنا ورد في بعض الادعية في دعاء ابي حمزة (ومن ايدي الخصماء غداً من يخلصني)، باعتبار ان الله عز وجل آلَ على نفسه ان لا يجوزه ظلم ظالم وجعل حقوق العباد محترمة بل في بعض النصوص مقدمة على حقوقه سبحانه وتعالى، وانصح الاخت من باب اذا ارادت التفصيل على هذه الاجابة مراجعة كتاب منازل الآخرة للمحدث الجليل المرحوم الشيخ عباس القمي، فقد عقد باباً خاصاً في السؤال الذي طرحته اذا ارادت التفصيل عن هذه الاجابة، والحمد لله رب العالمين وصل الله على محمد وآله الطاهرين.
المحاور: صلوات الله عليهم اجمعين، سماحة الشيخ باقر الصادقي للاخت سؤال آخر حول الشفاعة النبوية نوكله لو سمحتم الى لقاء مقبل ان شاء الله، وشكراً لاحبائنا وهم يتابعون ما تبقى من فقرات البرنامج.
*******
نتابع تقديم هذه الحلقة من برنامجكم هذا بالفقرة التالية، وعنوانها هو:
حكايات قصيرة وعبر كبيرة
نختار لكم في هذه الفقرة بضعة حكايات قصيرة تحمل عبراً كبيرة من حكم تدبير الله لشؤون عباده.
الأولى: نختارها من كشكول الشيخ البهائي (رحمه الله)، فقد نقل أنّ أحد المؤمنين مرّ برجل قد صلبه الحجّاج الطاغية فناجى الله قائلاً: يا رب، إنّ حلمك بالظالمين أضر بالمظلومين، فرأى في منامه كأن القيامة قد قامت، وكأنه قد دخل الجنة فرأى ذلك المصلوب في أعلى علّيين، واذا بمناد ينادي: حلّمي على الظالمين قد أدخل المظلومين في أعلى علّيين.
وقد روي عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنه قال: يوم المظلوم على الظالم أشدّ من يوم الظالم على المظلوم.
كما قال أحد العادلين: إني لأستحي أن أظلم من لا يجد ناصراً إلّا الله تعالى.
أمّا الحكاية الثانية: فنختارها من كتاب غرر الخصائص الواضحة وجاء فيه أنّ يزيد بن أبي مسلم وهو من أتباع الحجاج دخل على الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، فقال له سليمان: أترى الحّجاج بلغ قعر جهنّم؟
فأجابه يجيء الحجاج يوم القيامة بين أبيك وأخيك، قابضاً على يمين أبيك وشمال أخيك، فضعه حيث شئت...
أما الحكاية الثالثة: أحباءنا فهي الحكاية المشهورة التي رواها إمام العدل والتوحيد علي (عليه السّلام) في بعض خطبه في الكوفة ننقلها تذكرة تنير القلوب.
قال (عليه السّلام): والله ولقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتى إستماحني من برّكم صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الألوان، شعث الشعور، غبر الألوان من فقرهم... وعاودني مؤكّداً و كّرر عليّ القول مردّدا، فأصغيت إليه سمعي فظنّ أنّي أبيعه ديني وأتّبع قياده مفارقاً طريقي، فأحميت له حديدة، ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضجّ ضجيج ذي دنف من ألمها، فقلت له: يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرّني الى نار سجّرها جبّارها لغضبه؟! أتئنّ من أذى ولا أئنّ من لظى.
ثم نقل (عليه السّلام) حكاية شخص لم يذكر اسمه قدّم له هدّية مشبوهة، لاحظوا جميل تصويره لحقيقة هذه الهدية، قال (عليه السّلام) بعد ذكر حكاية أخيه عقيل: وأعجب من ذاك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنأها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها، فقلت: أصلة، أم زكاة أم صدقة؟
فذاك محرّم علينا أهل البيت فقال: لا ذاك ولا ذاك، ولكنه هدية، فقلت: أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أم ذوجنّة أم تهجر.
ثم قال (عليه السّلام): والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وانّ دنياكم عندي أهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعليّ ونعيم يفنى ولذّة لا تبقى؟!
*******
أحباءنا وكونوا معنا مشكورين في آخر فقرات البرنامج وعنوانها هو:
العمل الصالح وحسن الظن بالله
أورد بعض المفسرين عند قوله تعالى: «وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ» (سورة الزمر، آية ٦۱).
وهي أنّ العمل الصالح يتمثّل لصاحبه يوم القيامة عند مشاهدة الأهوال، فيركبه ويتخطّى به شدائد القيامة. وقد روي عن بعض الأدباء في هذا المعنى أنه قال:
إنّ لله عباداً فطنا
طلّقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلّما علموا
أنها ليست لحيّ وطنا
جعلوها لجّة وإتّخذوا
صالح الأعمال فيها سفنا
وروي أنّ أحد الزهّاد حضر تشييع جنازة النوار زوجة الفرزدق الشاعر، فقال له وهو عند القبر: ما أعددت يا أبا فراس لهذه المضجع؟
فأجابه الفرزدق بداهة: أعددت شهادة أن لا اله إلّا الله منذ ثمانين سنة.
فقال له: هذا العمود فاين الطنب، أي يشير الى تصديق العمل الصالح وتثبيته للإعتقاد الصحيح.
فقال الشاعر الفرزدق في الحال مشيراً الى العفو الالهي:
أخاف وراء القبر ان لم يعافني
أشدّ من الموت التهاباً وأضيقا
إذا جاء في يوم القيامة قائد
عنيف وسوّاق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد دارم من مشى
الى النار مغلول القلادة أزرقا
يقاد الى نار الجحيم مسوبلاً
سرابيل قطران لباساً محرقاً
ومسك ختام هذه الفقرة هذان البيتان الجامعان في حسن الظنّ بالله عزّ وجلّ للعارف الولائي الشيخ البهائي، قال رضوان الله عليه:
وثقت بعفو الله عنّي في غد
وإن كنت أدري أنني المذنب العاصي
وأخلصت حبّي في النبي وآله
كفا في خلاصي يوم حشري إخلاصي
شكراً لكم أحباءنا على جميل المتابعة لهذا البرنامج، الى لقاء مقبل نستودعكم الله والسّلام عليكم ورحمة الله.
*******