الحمد الله الذي سبقت رحمته غضبه رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، والصلاة والسّلام على شموس هدايته وصراطه القويم محمد وآله الطاهرين.
اهلاً بكم مع لقاء آخر من هذا البرنامج نامل ان تقضوا وقتاً مباركاً مع فقراته التي تحمل العناوين التالية:
- حظيرة القدس وزيارتها
- التوبة وآثار الذنوب
- صدقة تحي ميتاً وتسر ميتاً
- فقل انه منا
*******
نبدأ وهذه الجولة الاكارم من برنامج عوالم ومنازل بفقرة اعتقادية تربوية اخترنا لها العنوان التالي:
حظيرة القدس وزيارتها
حديثنا في هذه الحلقة عن اسمى وازكى منازل الوجود واكرمها على الله عزّ وجلّ. هو المنزل الاشرف الذي جعله الله عزّ وجلّ تحفة لمن احبه من عباده، ودعاهم الى التحلي بشروط الدخول اليه في الدنيا والآخرة، هو منزل الضيافة الالهية الخاصة التي يكرم الله بها من طلبه من عباده وسعى الى رضاه عزّ وجلّ.
هذا المنزل الكريم هو الذي اطلقت عليه الاحاديث الشريفة اسم حظيرة القدس.
وحظيرة القدس غير الجنة وان كان له في الجنة اعلى مراتبها يوم القيامة، ولكن هذا المنزل ظهور وحضور في مختلف عوالم الوجود، اي في الدنيا وفي البرزخ وكذلك في الآخرة، وهذا ما نبدأ بتفصيل الحديث عنه:
روتّ مصادر الفريقين مثل كنز العمال للمتقي الهندي ورياض السالكين للسيد علي المدني مسنداً عن امير المؤمنين الامام علي (عليه السّلام) وقد رواه البيهقي في شعب الايمان عنه (عليه السّلام) قال: انا حرّضت عمر على القيام في شهر رمضان، واخبرته ان فوق السماء السابعة حظيرة يقال لها حظيرة القدس يسكنها قوم يقال لهم "الروح".
ثم قال (عليه السّلام): فاذا كان ليلة القدر استأذنوا ربهم تبارك وتعالى في النزول الى الدنيا، فيأذن لهم، فلا يمرون باحد يصلي او على الطريق الا دعوا له فاصابه منهم بركة.
تقول تتمة الرواية ما نصه فقال عمر: يا ابا الحسن فتحرّض الناس على الصلاة حتى تصيبهم البركة! فامر الناس بالقيام.
انتهى نص الرواية طبق ما رواها البيهقي، وهي صريحة في ان حظيرة القدس موجودة الآن ويسكنها قوم يقال لهم "الروح".
وواضح ان النص لم يذكر ان سكنة هذه الحظيرة من الملائكة بل ما هو اعم منهم، بل ويستفاد من بعض النصوص الشريفة ان الارواح المطهرة تتردد على هذا المنزل المقدس حتى وهي تعيش في الحياة الدنيا، وثمة نصوص اخرى تصرّح بان ارواح بعض المؤمنين تنقل الى حظيرة القدس بعد الموت والانتقال الى عالم البرزخ فتبقى فيها الى قيام القيامة والحشر الاكبر.
ننقل لكم نموذجاً للطائفة الاولى من هذه النصوص، الحديث الذي ننقله لكم نختاره لكم من كتب اهل السنة وهو الذي رواه ابن عساكر في تاريخه وعنه المتقي الهندي في كنز العمال عن الخليفة الثاني وعن عمرو بن العاص عن رسول الله.
وجاء فيه انه (صلى الله عليه وآله) قال: ان فاطمة وعلياً والحسن والحسين في حظيرة القدس في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمان، وواضح من التدبر في هذا الحديث النبوي انه عام يشمل حتى مدة وجودهم (عليهم السّلام) في الحياة الدنيا، نعم في مدة وجودهم في الحياة الدنيا يكون حضورهم في حظيرة القدس حضوراً بالروح وهذا الامر مستفاد من قول الامام علي (عليه السّلام) في وصف سكنتها بانهم قوم يقال لهم "الروح".
وهذا الامر ثابت بالبراهين العقلية ايضاً بمعنى ان الروح كلما كانت اكثر تطهراً كلما اشتدت قوتها على الاتصال وهي في هذه الحياة الدنيا بالعالم العلوي.
لاحظوا مثلاً ما قاله الحكيم العارف المولى هادي السبزواري في كتابه القيم شرح الاسماء الحسنى قال رحمه الله: فكمال القوة المدركة للعقليات... ان تكون... شديدة الاتصال بالارواح القدسية لا سيما الروح الامين المكين عند ذي العرش كثيرة المراجعة الى حظيرة القدس مرة بعد اخرى.
الى هنا يتضح اعزاءنا ان الطريق للفوز بدخول حظيرة القدس حتى والانسان يعيش في الحياة الدنيا هو التطهر من الرجس العقائدي والاخلاقي والعملي وبمقدار هذا التطهر والتزكية يكون للانسان مرتبة من الاتصال بسكنة هذه الحظيرة المباركة.
والموضوع مهم اعزاءنا وجدير بالمتابعة لانه يرتبط باسمى منازل السعادة الذي فيه السّلام والامن من جميع آفات الدنيا وباعلى المراتب.
*******
ايها الاخوات والاخوة قد حان موعدكم مع خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند وهو يجيب عن اسئلتكم.
التوبة وآثار الذنوب
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم احبائنا ها نحن نلتقيكم وخبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند لكي يتفضل مشكوراً بالاجابة عن اسألتكم، سلام عليكم سماحة الشيخ.
الشيخ محمد السند: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: من عمان سماحة الشيخ الاخت بتول تسأل هذا السؤال تقول ما حال الانسان اذا ما تاب من ذنوبه قبل ان يتوفى ولكن توفي بعد فترة قصيرة لم يتمكن من ازالة اثار الذنوب، هل يعذب عليها في البرزخ والقيامة بسبب ذلك؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
في الحقيقة التوبة من شرائطها تلافي آثار الذنوب، من باب المثال بعض الذنوب في اغواء بعض الناس او اضلالهم او ماشابه ذلك فمن شرائط التوبة ليس فقط الندم والاستغفار في مثل هذا الذنب بل لابد من اصلاح وهداية اولئك الذين ضللوا او غرر بهم او لاسمح الله ربما الانسان ينشر كتاب في الضلال او في تضعيف العقائد الهادية وتضعيف العقائد الحقة او ماشابه ذلك، من الواضح حينئذ التوبة ليست فقط مجرد التوبة والندامة والاستغفار بل لابد من الاصلاح بجمع ذلك الكتاب او الرد عليه لذلك لدينا انه:"من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة" لربما ليس فقط كتاب لربما الانسان يحدث سيئة في المجتمع ظاهرها انحلال اخلاقي معين يفتح مكان للفاحشة او ماشابه ذلك فيدب هذا الاعتياد السيء الساقط في المجتمع ويتعوده المجتمع ومن ثم تنفتح مثيلات لهذا المعل اذن ليس فقط توبته ان يغلق ذلك المحل بل توبته في الواقع ان يقتلع تلك السنة السيئة التي افشيت في سلوك المجتمع والسلوك الاجتماعي لذلك للذنب دوائر وابعاد مختلفة ومتعددة وطريقة التوبة منه لاتقتصر في جميع الذنوب على التوبة او على الندم وعلى الاستغفار وما شبه ذلك او طلب المغفرة والرحمة بل لابد من الاصلاح لذلك اكدت ذلك جملة من الايات مثلاً في علماء اليهود او في علماء اهل الكتاب الذين يكتبون آيات الله او غيرهم ممن يكتم ربما الاحاديث النبوية ربما يكتم فضائل اهل البيت في الاحاديث النبوية ربما يمارس حذف الروايات في كتب الصحاح كما نشاهد على اية حال ممن يطمس السنة النبوية والتراث النبوي وبالتالي يريد ان يطمس تلك الحقائق هؤلاء كلهم على اية حال ليست توبتهم بهذه الطريقة بأنه يندم ويستغفر بل لابد ان يصلح «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ» الى ان تضيف الآية «إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ» القيد فيها والشرط الاصلاح فأذا كان الذنب فيه فساد وافساد لابد من اصلاح ذلك الفساد والافساد واما طبعاً عند الموت او ماشابه ذلك كيف يجاز او يحاسب فهذا امره الى الله عزوجل لكن بحسب موازين الفقه وموازين علم الكلام وحسب موازين علم التفسير ان التوبة من كل ذنب حسبه لابد ان يؤخذ بتلك المقاسات وتلك الموازين.
المحاور: يعني سماحة الشيخ بالنسبة للانسان العادي اذا كانت توبته نصوحاً مثلاً الذنوب المألوفة عند الناس العاديين وصدق في توبته وصدق في عزم امره وتدارك اثارها لكن لم يمهله الاجل هل يكون له مع صدق التوبة فرصة اوسع من الرحمة الالهية؟
الشيخ محمد السند: طبعاً لابد من اشارة هامة الى هذا المطلب هو ان التوبة حتى الناقصة بكل درجاتها انفع من عدمها لان عدم التوبة تمرد وعناد ولجاج وشقاق مع الساحة الالهية وتجرأ وتجري فلا ريب ان الارعواء والخضوع وتضعضع العبد امام ارادة المولى بأي درجة ولو ناقصة افضل من العدم، عندما نقول ان التوبة ناقصة لا يعني ذلك انه الندم ليس مرحلة محمودة او ليست مرحلة محبذة لا محبذة لأن لاريب في ذلك لأن الندم مطلقاً والاستغفار مطلقاً وان كان للتوبة شواذ هذا افضل من نوع الاصرار لذلك الاصرار نفسه ذنب آخر غير الذنب والبقاء على استحسان الذنب ذنب اخر فلقطع هذه المواليد من الذنوب لاريب ان الندم نوع من اول ثمرات الندم والاستغفار هو ان ينقلع الانسان ويبتعد عن الاصرار وهذا امر مهم نعم للتوبة درجات وشرائط اذا استكمل الانسان ينجو من العقوبة لذلك يحدثنا امير المؤمنين عليه السلام في دعاءه المعروف دعاء كميل انه اقسمت ان تخلد فيها المعاندين، المعاند والمصر له اثار موبقة وخطيرة جداً وبالتالي الندم لاريب انه ينجي الانسان من بعض تلك الدرجات وان لن ينجيه من كل الدرجات لمجرد الندم ومجرد التوبة النصوح طبعاً ورثة الميت لابد ان ينتشي بالميت وينقذوه ويصلوا رحمهم به من اجل انقاذه من تبعات الذنوب ربما مظالم مالية او ربما تبعات اخرى مظالم للعباد يذهبوا ويسترضوا اولئك الذين ظلموا من ذلك الميت اما في الجانب المالي او الجوانب الاخرى او يقضوا عنه الحج او العبادات التي تخلف عنها وهلم جرى.
*******
والآن الى اجواء حكاية العبرة والاعتبار وحكاية اخترناها لهذه الحلقة ووضعنا لها العنوان التالي:
صدقة الاحياء والسرور
نقل آية الله الشيخ علي اكبر النهاوندي في كتابه الوثائقي الروائي (راحة الروح)، الحكاية التالية التي تحمل اكثر من عبرة تربوية.
قال رضوان الله عليه: قال احد العلماء: اني رأيت في المنام ان جماعة من اهل البرزخ مسرورين وخلفهم شيخ كبير علته آثار الحزن، فسألته عن سبب فرح اولئك الاموات وحزنه هو: اجاب الرجل: هم سرورهم بما يصلهم من بركات الخيرات التي يتصدق بها اهاليهم في عالم الدنيا، اما انا فلا احد يتصدق عني، فسألته: اليس لديك اولاد يهدون لك شيئاً من الصدقات، اجاب الرجل: ليس لدي سوى ولد يعمل عند ساحل النهر في غسل الاقمشة وهو لا يتصدق عني!
يقول العالم انه انتبه من نومه عند هذه الكلمة، وفي اليوم التالي ذهب الى ساحل النهر يبحث عن الابن فوجده ووجد عليه آثار الفقر ظاهرة متجلية، واخبره برؤياه الصادقة، قال الابن: ان رزقي ضيّق وقليل.
فقال له العالم: تصدق عن ابيك بشيء قليل، فقد انقطع عمله الا ان تعمل انت له شيئاً.
اجاب الشاب: اني لا املك من مال الدنيا شيئاً
فقال العالم: تصدق ولو بشيء بسيط.
فاخذ الابن ثلاث غرفات من ماء النهر وسكبها على الساحل وهو يقول: هذه خيرات لأبي وليس عندي أكثر منها!
عاد العالم الى داره متأسفاً فحدث ما لم يكن يتوقعه
يقول العالم: في الليلة الثانية رأيت في منامي الرجل المتوفى نفسه لكنه كان فرحاً مسروراً فسألته: كيف حالك الآن.
اجاب: لقد نفعني ذلك الماء القليل الذي سكبه ولدي على الساحل فازال حزني.
سأله العالم: وكيف ذاك ولم يرو به عطشاناً ليأتيك اجره؟
قال الرجل: لقد بارك الله في صدقة ولدي فانه لما سكب الماء كانت هناك سمكة صغيرة ابعدها الموج الى الساحل وكانت تلفظ انفاسها الاخيرة، فشكل ذلك الماء القليل طريقاً لها الى النهر فانقذها من الموت، انني ادعو الله لولدي ان يوسع رزقه.
يقول العالم: وما مرّت سوى شهور قليلة حتى رأيت الولد وقد اصبح من الاغنياء ببركة دعاء والده.
*******
ونختم هذا اللقاء بابيات وجدانية في طلب النجاة والسعادة الاخروية وقد اخترنا لها عنواناً هو:
فقل انه منا
قال الاديب الامير الصنعاني في بعض قصائده الوعظية الدعائية:
عجبت لمن يلهو بما ليس باقياً
فيهدم ما يبقى و يعمر ما يفنى
فحتى متى نبني بيوتاً مشيدة
واعمارنا منا تهد وما تبنى
الهي فحقّق فيك ظني وان اكن
مسيئاً فقد احسنت في جودك الظنا
اقلني اقلني واغتفر لي ما مضى
ومنّ بما ترضاه منا وآمنا
ولا تخزني في موقف الحشر واعطني
كتابي فضلاً من اياديك باليمنى
قدّمت وما قدّمت زاداً من التقى
افوز به لكننا بك آمنا
ثم ينتقل هذا الاديب الى طلب الشفاعة المحمدية فيقول:
فيا سيد الرسل الكرام ومن اتى
بخير كتاب اعجز الانس والجنا
وانداهم كفاً اذا حضر العطا
فاعطى وما اكدى ومنّ وما منّا
فقام مقاماً لم يقمه من الورى
سواه ازال الكرب والهم والحزنا
عملت اساءات فكن لي شافعاً
لعل مسيئاً ان يقابل بالحسنى
اذا فتحوا باب الجنان لوفدكم
وقلت انا منهم فقل انه منا
عسى ولعل الله يلحقنا بكم
اذا الموت من بعد الحياة لنا افنى
واسأله بعد الصلاة مسلماً
على احمد والآل عاقبة حسنى
رزقنا الله واياكم جميعاً حسن العاقبة، الى لقاء قادم نترككم في رعاية الله والسّلام عليكم.
******