خذ مثلاً أصناف الطير التي نراها وتؤدي أدوارا مختلفة في حياة الانسان، وبعضنا يتعظ منها ويستفيد من المهام التي تنجزها.
القرآن الكريم يورد لنا بعض تلك الأدوار والمهام ليجلب انتباهنا ويلفت أنظارنا إلى هذا الصنف من المخلوقات.
فبعض الناس رغم نعمة العقل التي منحها الله له والنعم المسخرة له في الارض؛ لا يسبّح لله تعالى بينما الطيور تفعل ذلك.. يقول عز وجل في القرآن:
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)} [سورة الملك]
ليس الطيور فقط هي التي تسبح لله وتشكره، بل كل شيء في الكون:
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [سورة الإسراء]
فالطيور تسبّح بحمد ربها وهي في كبد السماء، عسى أن ينتبه الغافلون لتأنيب الضمير ويسبحوا ربهم.
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ... (38)} [سورة الأنعام]
وعندما أراد نبي الله سليمان أن يبعث رسالة إلى ملكة اليمن (مملكة سبأ) كان طارشه وساعي بريده هدهداً.
فقد كان في زمن سيدنا سليمان عليه السلام هدهد حباه الله بموهبة رؤية الماء تحت سطح الأرض كباقي جنسه. وفي أحد الأيام جمع سيدنا سليمان جنوده من الجن والإنس والطير الذي سخرهم الله له وتفقدهم فلم يجد الهدهد بينهم فأقسم ليذبحنه أو يعذبنه إن لم يأتينّه بنبأ عظيم صحيح. وبعد قليل جاء الهدهد منكساً رأسه احتراماً واعترافاً منه بتأخره عن مجلسه {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)} [سورة النمل]
ثم قال:
{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)} [سورة النمل]
فلما سمع سيدنا سليمان منه هذا الكلام قال له: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)} [سورة النمل]
وكتب سيدنا سليمان كتابا للملكة بلقيس قال فيه:
{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)} [سورة النمل]
أخذ الهدهد الرسالة وألقاها إلى الملكة بلقيس ووقف بعيداً يترقب وبعد أن قرأت الملكة بلقيس الرسالة جمعت كبار القوم وقرأت عليهم الرسالة وبعد مناقشات قررت أن ترسل إلى سيدنا سليمان هدية قيمة. سمع الهدهد هذا الكلام وعاد فأبلغه ما سمع ورأى من أوضاع حكمها وعبادتها وقومها. فكان أميناً في وصفه وتقريره. ومن هنا كان الهدهد وسيطاً في إيمان أهل اليمن ومجيء ملكتهم بلقيس إلى ملك سليمان.
وهنا لابد من القول:
■بعض الطيور أشرف وأصدق من بعض البشر
■وبعض الطيور قد تتعلم المكر وتلفّظ بعض الكلمات من البشر.
■وبعض البشر يتعلمون بعض الأمور من الطير بأمر الله عز وجل. وهكذا عندما يتطرق القرآن الى هابيل[القتيل] وقابيل [القاتل] يقول:
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)} [سورة المائدة]
نعم،
غدا الغراب معلّماً لابن نبي هو أبو البشر، ومنذ ذلك الحين بدأت عملية الدفن ومهنة الدفّان.
لكن الطير لم يقتصر دوره على تعليم البشرية الدفن. فهناك أبحاث علمية حديثة كتبت حول الدروس التي نتعلمها نحن البشر من الطيور
[15 Life Lessons Your Child Can Learn From Birds]
■فالغربان تهتم بالجذور، وحتى بعد الهجرة الموسمية، فإنهم يعودون عمومًا إلى نفس المنطقة، وغالبًا ما تكون نفس الشجرة أو الشجرة المجاورة لها، عامًا بعد عام، مما يعزز الشعور بانشداد الطير لعائلته وحبه لعشه وافراخه.
■تتزاوج الغربان بشكل عام مدى الحياة. ولا توجد لديها محكمة طلاق اي لا ينفصل الزوجان ويتركان عش الزوجية بشكل دائم.
■تعرف الغربان مكانها في ترتيب المخلوقات وتسلسل الحيوانات وتتصرف بحكمة. على سبيل المثال، غالبًا ما ينادون الأنواع الأخرى، مثل الذئاب والقيوط، لإعلامهم بمكان القتل على الطريق. بعد ذلك، وبعد أن تلتهم الحيوانات المفترسة الكبيرة قسما من الذبيحة وتترك أماكنها؛ تتحرك الطيور نحو الفريسة لتأكل حصتها وتحمل ما يمكنها إلى اوكارها وافراخها.
■الغربان تحافظ على الطعام. فهم يبحثون ويجدون طعامهم ثم يخزنونه في مخابئ سرية: تحت الصخور، أو في أعالي الأشجار والجبال وأعمدة الكهرباء والأبراج، ويبحثون بعناية عما يحتاجون إليه ويحفظون أي طعام فائض يجمعونه حتى يحتاجوا إليه.
■تجتمع الغربان عند الضرورة. على الرغم من أن هذه الطيور إقليمية للغاية، إلا أنها تتجاهل مطالبها الجغرافية عندما يأتي حيوان مفترس أو خطر أقوى منهم فيهاجمونه هجمة غراب واحد [على وزن: هجمة "رجل" واحد!]. لهذا السبب غالبًا ما تراهم يتّحدون لمواجهة ثعبان او ثعلب او حية أو صقر وما شابه.
■تحزن الغربان عندما يموت أحدها. وقد يتغير لحن صوتها.
■قال جون مارزلوف، أستاذ علوم الغابات والخبير في البيئة الاجتماعية والديموغرافية للطيور: إن معرفة الغراب هو معرفة أنفسنا (آيات حنفي/المرسال).
من هنا ينبغي أن يهتم الإنسان بتعلّم كثير من الأمور ليس من أستاذ أو منبر فقط او عبر مطالعة كتاب أو صحيفة دائما، فأفلام حياة الحيوانات في القنوات الوثائقية تعلّمه الكثير، أو قد يتعلم من الطيور حتى عبر مشاهدتها في الطبيعة؛ فعندما ينظر في الجو يتعلّم ويتدبّر ويعتبر.
[ولله في خلقه شؤون].
بقلم: د. رعد هادي جبارة
الامين العام للمجمع القرآني الدولي