موضوع الحلقة:
• مقابلة مع الشيخ محمد السند عوالم وجود الانسان قبل الدنيا وبعدها
• رواية مسيرة الارواح بعد الموت (القسم الثاني)
• حديث الامام الصادق(ع) في كون الموت رحمة
*******
والحمد لله المحي المميت والغافر الرحيم الذي هو في السماء اله وفي الارض اله والصلاة والسلام على سفن النجاة في الآخرة والاولى هداة الخلق الى الله وشفعائهم بامره محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم احباءنا و رحمة الله وبركاته.
اهلاً بكم في الحلقة الثانية من حلقات البرنامج، نفتتحها كما وعدناكم بالحديث عن اول منازل مسيرة الانسان الى العالم الآخر.
وهو منزل قبض الروح ايذانا بتوديع الانسان لحياته الدنيا.
وهو المعبر عنه بالموت او الوفاة، فما هو يا ترى المراد بذلك؟ وما هي خصائص هذا المنزل وما هي العقبات التي تواجه الانسان فيه وكيف يتخلص منها وينجو من اخطارها؟
الاجابة عن هذه الاسئلة تأتيكم بعد فاصل قصر.
لا يخفى على احد من المؤمنين بالاديان الالهية، ان الموت لا يعني بحال من الاحوال انتهاء الانسان وجودياً.
وكيف يمكن ان يعتقد مثل هذا من يؤمن بالمعاد واليوم الآخر، والاديان الالهية مجمعة على المعاد وان اختلفت عمقاً وسعةً في تفاصيله.
فالموت اذن هو نقلة من الحياة الدنيا وليس انتهاءً للانسان فهو في كل الاحوال انتهاء لحياة هذا الجسد الذي اعد مركباً او لباساً للروح الانسانية يناسب قوانين عالم الدنيا.
اذن فالموت هو في الواقع نزع للروح عن البدن باعتبار ان هذا البدن لايصلح لحياة الانسان في عالم البرزخ والحياة الاخروية، ولكن كيف ينسجم هذا القول مع الاعتقاد بالمعاد الجسماني.
لعل في سؤالك هذا استباق لموضوعات سياتي الحديث عنها لاحقاً اما هنا فاكتفي بالاشارة الى ان من الثابت عقلاً ونقلاً ووجدانياً ايضاً، ان الموت يعني عملية نزع الروح وفصلها عن التصرف في هذا البدن الخاص بعالم الدنيا.
هذه اشارة مهمة ذكرتني بملاحظة قيمة للعلامة الطباطبائي عندما تناول التعريف اللغوي المعروف للموت واشار الى ان هذا المعنى يصدق على البدن وليس على الروح.
التعريف المألوف للموت هو فقدان الحياة وآثارها من الشعور والارادة، وهذا المعنى اذا اطلق على الانسان اريد منه بدنه وليس روحه.
بلاشك فالروح لا تفقد الحياة والشعور والارادة بانفصالها عن البدن، بل البدن هو الذي يفقد ذلك ولو قلنا بان روح الانسان تفقد ذلك ايضاً، فان هذا القول يعني نفي كل تلك النصوص الشريفة التي تتحدث عن حياة القبر وهي كثيرة فيها آيات كريمة صريحة وفيها احاديث متواترة.
بل ان كثيراً من الاتجاهات الفكرية العلمية تسير الآن باتجاه الاعتقاد ولو بنوع من الحياة والشعور لارواح البشر بعد موتهم بعد تعرفها على كثير من المعطيات العلمية التجريبية التي تؤكد هذا المعنى.
هل ننقل بعض الارقام التوثيقية عن اقوال علماء الطبيعة في هذا المجال.
سنتناول ان شاء الله هذ الموضوع في مكانه المناسب، والاولى ان نبدأ بعرض الروية القرآنية لحقيقة الموت.
ينبغي ان نشير اولاً الى ان القرآن الكريم عبر عن هذه العملية أو النقلة بالتوفي او النزع نظير قوله تعالى: والله خلقكم ثم يتوفاكم، وقوله عز من قائل: والنازعات غرقاً، فقد قيل في تفسيرها كما في مجمع البحرين ان المراد هم الملائكة الذين ينزعون ارواح الكفار بشدة وقد ورد في حديث علي عليه السلام قوله: «لقد اغرق في النزع» اي بالغ في الامر وانتهى فيه الى المدى.
قد يستفاد من الآيات الكريمة ان التوفي - في الاستخدامات القرآنية - أعم من الموت بالمعنى المعروف فهي تصرح بأن الله هو الذي يتوفاكم بالليل بمعنى اكماله لاعمالكم التي تقومون بها بما اعطاكم مما تحتاجونه للقيام بها.
صحيح فهذا منسجم مع المعنى اللغوي لمفردة التوفي التي تدل على اتمام واكمال واخذ الشئ كله استيفاءً، كما هو واضح من قوله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها، بمعنى توفير كل ما يحتاجونه فيها ومدهم بما هم مستعدون له من العطاء الالهي كفاراً كانوا او مؤمنين.
هذا المعنى اللغوي ايضاً هو الذي استخدمه القرآن الكريم للتعبير عن عملية الموت والانتقال الى الحياة الدنيا، فيكون مرادفاً لمعنى النزع الذي يعني الفصل الكامل للروح عن البدن، فيكون معنى التوفي بمعنى نزع او قبض الروح كاملة دون ان يترك منها شيئاً في البدن.
ثمة عبرة عقائدية تربوية مهمة استفدتها من نسبة التوفي الى الله تبارك و تعالى في القرآن الكريم، وهي نسبة اكدتها بصورة اوضح آية سورة الملك حيث قال عز من قائل الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم.
الامر واضح فهو تبارك و تعالى خلق الموت بمعنى انه هيأ أسبابه مثلما خلق الحياة اي هيأ اسباب مجيء الانسان الى هذه الحياة الدنيا لكي تكون مزرعةً يزرع فيه ما يحصده في حياته الاخروية، خيراً فخيراً او شراً فشراً.
هذا ما اردت الاشارة اليه، فلو لا خلق الموت ترى هل كان الانسان سيجد ما يدفعه الى استثمار فرصة وجوده في الحياة الدنيا للعمل الصالح الذي يعمر به آخرته؟
الجواب واضح وأوضح منه انه لو لا خلق الموت لانصب كل تفكير الانسان وسعيه في اعمار الحياة الدنيا والاخلاد الى الارض، بمعني ان كل سعيه سينصب لتنمية الجانب المادي والبعد المادي فيه ويغفل بالتالي عن تنمية الجانب المعنوي ويتقاعس عن استحصال الكمالات المعنوية التي تشكل الغاية الحقيقية من خلق الانسان.
هذا الامر يعرفنا باحد مظاهر حقيقة كون خلق الله عزوجل للموت هو من اعظم مصاديق رحمته تبارك وتعالى بعباده، بمعنى انه يعبر عن توفيره عزوجل لعامل اساسي ومحوري يدفع الانسان للعمل الصالح والاجتهاد في السعي لاكتساب الكمالات المعنوية وبلوغ مقامات القرب الالهي والعبودية الحقة وبالتالي تحقق الغاية السامية منه خلقه.
تبارك الله ارحم الراحمين ما اوسع رحمته بعباده اذ قدر بينهم الموت.
وما اعظم حكمته اذ جعل الموت جزءاً من نظامه الاكمل في تدبير شؤون عباده ثمه جوانب اخرى تزيدنا معرفة بعظمة الحكمة الالهية الكاملة والرحمة الالهية الواسعة المتجلية في تقدير الموت، نشير اليها بعد الاستماع للحوار التالي مع ضيف البرنامج بشأن عوالم سير الانسان قبل حياته الدنيا.
*******
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم مستمعينا الاكارم ورحمة الله وبركاته.
اهلاً بكم ومرحباً في هذه الفقرة من فقرات البرنامج نستضيف فيها سماحة الشيخ محمد السند سماحة الشيخ اهلاً بكم ومرحبا تفضلوا.
الشيخ محمد السند: اهلاً و سهلا بكم.
المحاور: سماحة الشيخ من الاسئلة التي تعرض بشأن قضية عوالم الانسان قبل هذه الدار الدنيا انتم اشرتم في الحلقات السابقة وجود عوالم سابقة لهذا العالم وعوالم لاحقة ايضاً له فيما يرتبط بالنظرة الأجمالية للعوالم السابقة هل توجد رؤية قرآنية واضحة فيما يرتبط بأقرار وجود عوالم وجودية للانسان قبل هذه الحياة الدنيا؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. فان هناك جملة من الآيات تشير الى جملة من النشآت لذات الانسانية والسن الآيات الكريمة متعدده بحسب تعدد تلك النشآت مثلاً في سورة الانسان وهي سورة الدهر. «هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيء مذكوراً» فتثبت هذه الآية الكريمة ان للانسان شيئية وان شيئيته مرت بمرحلتين مرحلة كان شيئاً لم يكن مذكوراً ثم صار شيئاً وصار مذكوراً.
المحاور: الاستدلال بكلمة شيء يعني انه لم يكن هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكوراً يعني في اثباته انه كان شيئاً.
الشيخ محمد السند: نعم لانه النفي اذا ورد على نعت ومنعوت؟
فانما يرد على الوصف لا على الموصوف فحينئذ هذا النفي الذي يكون مذكور في مرحلة من مراحل.
المحاور: في نفس الوقت اثبات لكونه كان شيئاً.
الشيخ محمد السند: كان شيئا ولم يكن مذكوراً ثم صار شيئاً مذكوراً وبل في هذه الآية دلالة ايضاً على مرتبة ثالثة وهو ان الانسان مر بمرحلة لم تتزود شيئيته. ثم ترتبت.
المحاور: ما مقصود من هذه العبارة؟
الشيخ محمد السند: المقصود انه لم يكن شيئاً.
المحاور: يعني هنا اثبات لثلاث حالات لم يكن شيئاً ثم كان شيئاً ثم كان شيئاً مذكوراً.
الشيخ محمد السند: نعم لم تكن كينونته يطلق عليها شيء ثم اطلقت عليها شيئيته ثم اطلقت على شيئية انها مذكوره. لها ذكر لها نعت توصف.
المحاور: جزاك الله خيراً.
الشيخ محمد السند: فهذه الآية على اية حال كما في ظاهر القرآن واشارت الى ذلك الروايات اهل البيت عليهم السلام منا تشير الى عدة مراتب ومراحل مرت بها ذات الانسانية لكن بنحو الاجمال هذا الأجمال تفسره آيات اخرى وفي آية اخرى تشير الى انه نشأة الانسانية هي نشأة فطرة اخذ فيه الميثاق فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم على اية حال اذن اشارة الى بحث الفطرة وان هذه الفطرة فيها مواثيق وبأي معنى من تواجد المواثيق الألهية فيها تتضمن شرحها جملة من الآيات وبأعانة جملة من الروايات عن اهل البيت عليهم السلام يمكن توضيح هذه النشأة ايضاً نشأت الفطرة في فطرة طينت الانسان طينت الذات الانسان وكذلك قوله تعالى (واذا اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين) فهذه كما عبر في الروايات تشير نشأة الذر باعتبار عبر عنها بذرية آدم وانه قد اخذت من ظهور الآباء فيعبر عبرة عنها بنشأة الذر وهي نشأة تتقدم عالمي الاصلاب وعالم الارحام وايضاً هناك في الآيات الكريمة كما في سورة النور يشير الباري تعالى الى ان (الله نور المسوات والارض مثل نوره) يعني نور المخلوق المضاف الى الذات الآلهية اضافة خلقية وتشريفية لهذا النور كمشكاة كذا وكذا الى آخر الآيات ثم تضيف الآيات في سورة النور في بيوت يعني هذه الانوار الخمسة ومن بعد هذه الانوار الخمسة مثلاً انوار اخرى نور على نور متعاقبة هذه في بيوت اراد له الله له التعظيم ورفعة الشأن أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه وبعد ذلك تضيف الآية الثالثة في سورة النور رجال يعني اذن مما يدلل على ترابط ان هذا النور في بيوت وهذه البيوت هي رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله.
المحاور: عفواً يعني هذا تقريب للاستدلال الذي تتفضلون به يعني هذا النور الآلهي كان في العوالم في عوالم اخرى وكان في عوالم اخرى رجال.
الشيخ محمد السند: نعم لانه عبرة الآية الكريمة وانها خلقة نورية وليست خلقة ارواح ولا خلقة نفوس ولا خلقة ابدان خلقه انوار وثم عبرت عن هذا النور انه نور السموات والارض يعني انه لو لا هذه الخلقة النورية لم تكن للسموات والارض ظهور لان النور يظهر المتنور فكأنما السموات لم تكن لتبدأ وتبرز في الوجود لولا ذلك النور فاذن هذه الخلقة النورية هي متقدمة سابقة على خلقة السموات ايضاً هي خلقة الانوار.
المحاور: سماحة الشيخ السند: هنالك سؤال آخر يرتبط بمراتب العوالم التي يشير اليه القرآن لو سمحتم نوكلها الى الحلقة المقبلة ان شاء الله.
الشيخ محمد السند: ان شاء الله.
المحاور: شكراً جزيلاً لضيفنا الكريم الشيخ محمد السند الى ما تبقى من فقرات البرنامج.
*******
نتابع مستمعينا الافاضل تقديم الحلقة الثانية من برنامج عوالم ومنازل، بالاشارة الى بعد آخر من مظاهر الرحمة والحكمة الالهية في خلق الموت.
لعل القرآن الكريم نبهنا الى ما تريدين الاشارة اليه من خلال التصريح بأن الموت هو جزء من التقدير الالهي في تدبير شؤون الانسان.
اجل هذا ما تصرح به الآية الكريمة من سورة الواقعة حيث يقول تعالى: نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين.
أجد هنا عبرةً تربويةً مهمةً تتضمنها هذه الآية الكريمة. وما هي هذه العبرة؟ انا اردت الاشارة الى دلالة مستفادة من الآية اللاحقة.
نفس نسبة تقدير الموت الى الله تبارك وتعالى والتأكيد بانه من التقدير الحتمي الذي لا يتغير كما يشير لذلك قوله تعالى وما نحن بمسبوقين، ينبهنا الى انه جزء من النظام الاحسن المتقن الذي اختاره الحكيم الرحيم لتدبير شؤون عباده ولذلك لا يصح الاعتراض عليه فهو في صلاح العباد ولاشك لان الله هو الغني المطلق فكل ما يدبره هو لصالح عباده.
آمنا بالله، هذه الحقيقة العامة تؤكدها الآية اللاحقة من خلال بيان احد المصالح الاساسية المترتبة على خلق الموت و تقديره.
وكيف؟ الآية اللاحقة تكمل قوله وما نحن بمسبوقين بقوله على ان نبدل امثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون.
الحكمة والرحمة الالهية تتجلى في قوله وننشئكم فيما لا تعلمون. وكيف؟
الجواب هو ان الله جعل الموت مفتاح النشأة الاخرى وانشاء الانسان بالصورة التي تناسب نشأة الخلود، اذ ان طبيعة هيئة الانسان في الحياة الدنيا لاتناسب غير هذا العالم الداني. وهذه هي حكمة خلق الموت كما يقول العلامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية.
*******
ايها الاخوة والاخوات، قبل ان نقدم لكم القسم الثاني من رواية آية الله القوجاني النجفي القصصية بشأن منازل الانسان بعد الموت ننقل لكم حديثاً شريفاً يرتبط بنهاية القسم الاول منها وكذلك بمجريات القسم الثاني.
لو سمحتم اذكر الاخوة والاخوات بما انتهى اليه القسم الاول من الرواية لكي يتمكنوا من متابعتها معنا.
تفضلوا.
لقد انتهى القسم الاول بظهور فتاني القبر او ما يعرفان بمنكر ونكير لجثة المتوفى او بالاصح لروحه، وسؤالها اولاً عن ربه في حالة كان الخوف والهول قد سيطرا عليه الحديث الشريف الذي اشرت اليه يتعلق بهذه المسائلة بالتحديد.
اذن تفضل علينا بنقله. سمعاً وطاعة. الحديث الشريف مروي في جملة من المصادر المعتبرة كتفسير علي بن ابراهيم والامالي وغيرها، عن الامام علي عليه السلام وهو حديث طويل. هل ستنقله كاملاً هنا؟
انقل منه بعض الفقوات المرتبطة بحديثنا في هذه الحلقة ونوكل فقرات اخرى الى الحلقة المقبلة. تفضلوا اذن.
قال عليه السلام متحدثاً عن الانسان بعد موته:
«فاذا ادخل قبره اتاه ملكان وهما فتانا القبر.... فيقولان له: من ربك و من نبيك وما دينك؟» ثم يبين عليه السلام حال المؤمن وحال الكافر في الاجابة عن هذه الاسئلة.
هذا ما ستنقله لنا في الحلقة اللاحقة ان شاء الله، ان شاء الله.
اذن فلنستمع ومعنا الاخوة والاخوات الى القسم الثاني من رواية آية الله القوجاني التي كتبها بالفارسية تحت عنوان «سياحت غرب».
*******
سياحت غرب (القسم الثاني)
خاطب فتانا القبر جثتي بتلك اللهجة الحازمة وقالا: من ربك في تلك اللحظة شعرت ان حلقي قد جف من شدة الخوف والهلع، وقلت في نفسي: هذه الجثة ميتة ولن تستطيع الاجابة عن سؤالهما، فعلي ان ابادر انا للاجابة نيابةً عنها لكيلا ينهالا عليها ضرباً بهراوتي النار اللتين كانا يحملانهما وعندها يمتلأ القبر ناراً أردت ان اجيب نيابة عنها، لكنني تحيرت لا ادري ماذا اقول في الاجابة عن هذا السؤال: من ربك لقد اختفت من قلبي كل المفاهيم والالفاظ ووجدت نفسي صفر اليدين فتوجهت مضطراً الى الله كهف المساكين وملجأ الحيارى، وتوسلت في قلبي بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب الذي عرفته غوث الملهوفين.
ان من كبريات نعم الله على خلقه ان جعل علياً وصي النبي وسيلة تنفذ المؤمنين من اهوال هذا الموقف فما ان توسلت به حتى قوي قلبي وانحلت عقدة لساني.
لقد كرر فتانا القبر سؤالهما بلهجة اشد من المرة الاولى، لكنني لم اشعر بالخوف كالسابق وحضرني ان اجيب قائلاً: الله ربي.
ثم وجدت لساني ينطق بالآيات التي اعتدت ان اتلوها ضمن تعقيبات صلاة الفجر: هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم / هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون.
عندما سمعاً تلاوتي لهذه الآيات قال احدهما لصاحبه: انه من علماء المسلمين وجدير بان نتلطف معه!
الا ان الآخر قال بحزم: لا تعجل علينا ان نواصل مهمتنا ونرى كيف يجيب على باقي اسئلتنا، المقامات والمناصب محلها الدنيا، اما هنا فلا اعتبار لها.
ثم التفت الى جثتي قائلاً: من نبيك؟
لم اجد هذه المرة صعوبة في الجواب، انطلق لساني فقلت: نبي هو رسول الله الى العالمين كافة، محمد بن عبد الله خاتم النبيين وسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وآله.
وعندما سمعا هذا الجواب اشرق وجهاهما وزال عني بالمقابل كل ما شعرت به من خوف ورهبة.
ثم اخذا يسألان في عن كتابي وقبلتي وائمتي وانا اجيب بكل طمأنينة، قلت: كتابي القرآن الكريم المنزل من الرب الرحيم على النبي الحكيم.
وقبلتي الظاهرية الكعبة المسجد الحرام اولي وجهي شطرها واوجه قلبي الى قبلتي الباطنية وهو الله الحق تبارك وتعالى وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفاً وما انا من المشركين.
وائمتي هم خلفاء نبيي الاثنا عشر، اولهم علي بن ابي طالب وآخرهم الحجة بن الحسن صاحب العصر والزمان. فرض الله طاعتهم علينا وطهرهم من الرجس فهم معصومون من الخطأ شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء.
مستمعينا الاعزاء لم تنته بعد اسئلة فتاني القبر لصاحبنا، بل ثمة سؤال محير وجهاه له اوقعه في حيرة، شديده سنرى في الحلقة اللاحقة كيف سيتخلص منها.
ان شاء الله، ولكن اود ان اجعل مسك ختام هذه الحلقة روايةً شريفة تقدم مصداقاً لما تقدم من ان تقدير الموت جزء من النظام الاحسن الذي جعله الله عزوجل لتدبير شؤون الخلق.
تفضلوا فاهل بيت النبوة هم تراجمة الوحي ومعلمو الخلق.
الرواية رواها الشيخ الصدوق في كتاب الامالي بسنده الى الامام الصادق سلام الله عليه قال: ان قوماً اتوا نبياً لهم فقالوا: ادع لنا ربك، يرفع عنا الموت، فدعا لهم فرفع الله تبارك وتعالى منهم الموت، وكثروا حتى ضاقت بهم المنازل وكثر النسل، وكان الرجل يصبح فيحتاج ان يطعم اباه وامه وجده وجده وجده ويرضيهم ويتعاهدهم فشغلوا عن طلب المعاش فأتوه فقالوا: سل ربك ان يردنا الى آجالنا التي كنا عليها.
فسأل ربه عزوجل فردهم الى آجالهم. وفي ذلك عبرة، والامام الصادق عليه السلام يرشدنا في هذا الحديث الشريف الى احد سبل معرفة حكم ومظاهر الرحمة في تقدير الموت بين الخلق وهو ان نتفكر في حالة العالم اذا رفع الموت او حتى اذا طالت الآجال. والعبر كثيرة وآثار خلق الموت كثيرة نختم هذا اللقاء بواحدة منها وهي نفي التكبر والغرور عن الانسان.
اجل هذا ما ينبه اليه النبي الاكرم صلى الله عليه وآله في الحديث المروي عنه انه قال: لولا ثلاثة في ابن آدم ما طأطأ رأسه شيء المرض والموت والفقر وكلهن فيه وانه لمعهن وثاب.
اعاذنا الله واياكم مستمعينا الافاضل من الغرور والكبر ورزقنا محيا محمد وآل محمد ومماتهم. اللهم امين والى موعد لقاءنا المقبل نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******