نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الان عن فقرات جديدة لعلك تتذكر باننا حدثناك في السابق عن مقطع يتضمن جملة مقابلات بين عظمة الله تعالى وصغر المخلوق حيث بدأ المقطع بقوله(ص) نذكرك بان الدعاء المذكور من انشاء النبي(ص) وعلمه الامام علياً(ع) يقول: المقطع بدءاً بالقول: انت الخالق وانا المخلوق، ثم يقول: وانت القوي وانا الضعيف، وهذه الفقرة جديدة نحدثك عنها الان.
ان هذه الفقرة وما قبلها وما بعدها تظل ـ كما المحنا ـ في لقاء سابق من الفقرات الواضحة التي لا تحتاج الى توضيح ولكن في الآن ذاته تنطوي هذه الفقرات الواضحة على نكات متنوعة الفتنا نظرك اليها في لقاءات سابقة ونلفت نظرك الى عبارتنا الحالية وهي (انت القوي وانا الضعيف)، فنقول: القوة هنا تشمل جميع الظواهر ويقابلها الضعف عند المخلوقات ان عظمة الله تعالى تتمثل في ان القوة لديه وهي مطلق القدرات مصحوبة بالرحمة حيث قلنا في لقاءات سابقة ان الفارق بين المخلوقات من حيث القدرة النسبية التي منحها الله تعالى لعباده لملاحظة مدى استخدامها في الاختبار الالهي تتمثل بالنسبة الى المخلوقين في جوانبها السلبية في الاستخدام لان القوة وحدها في التجربة البشرية تقترن كما نلاحظ مدى التأريخ تستتبع الحاق الضرر بالاضعف بينما قدرات الله تعالى تقترن بالرحمة ولا تنفصل عنها لذلك عندما يقول الدعاء بان الله تعالى قوي والعبد ضعيف انما يشير كما قلنا الى مطلق القوة.
والسؤال هو ما هي التداعيات الذهنية لدى قارئ الدعاء عندما يواجه عبارة انت القوي وانا الضعيف؟
طبيعياً القوي يعني امتلاكه تعالى قدرة لا حدود لها والقارئ بمقدوره ان يستخلص من العبارة المذكورة ما يتناسب وعظمة الله مقرونة كما قلنا بالرحمة فمثلاً ما دام العبد محتاجاً الى من يعنه في اشباع حاجاته او ازاحة الشدائد عنه حينئذ فان القوة الوحيدة التي تستطيع تحقيق الاشباع هي الله تعالى لان القدرات البشرية التي منحها الله تعالى لعباده محدودة فضلاً عن ان القوى السلبية عند البشر لا قابلية لديها على ممارسة الرحمة.
لكن الاهم من ذلك هو ملاحظة قوة الله تعالى من حيث كونها قوة مطلقة بغض النظر عن انعكاساتها على البشر أي بغض النظر عن البعد النفعي للبشر من القوة المذكورة بمعنى ان ابداعه تعالى للوجود وان قصمه لظهور الجبارين، تظل تعبيراً عن القوة غير المحدودة، كل ما في الامر بما ان الدعاء ذكر قوة الله تعالى مقابل ضعف عبده حينئذ فان قارئ الدعاء بمقدوره ان يستخلص منها كلاً من البعد الموضوعي والبعد الذاتي أي الاشارة الى قوة الله تعالى بنحو عام وقوته تعالى مقابل ضعف العبد.
نتجه الى عبارة جديدة وهي (وانت العزيز وانا الذليل)، والسؤال ما هي التداعيات الذهنية لدى القارئ للدعاء بالنسبة الى الفقرة المذكورة؟
من الواضح ان العزة هي لله تعالى كما ان العبد هو الذليل امام العزة الالهية والذل هنا يختلف في دلالته عن الذل لغوياً لان الذل بالنسبة الى العلاقات البشرية يكتسب دلالتين احداهما الدلالة الايجابية اذا كانت بين المؤمنين تبعاً لقوله تعالى (أذلة على المؤمنين) واما الدلالة السلبية فهي مرفوضة لان الله تعالى يسمح للعبد بان يقبل أي شيء الا اذلال نفسه، وهذا كله في نطاق العلاقات البشرية.
اما في نطاق العلاقة مع الله تعالى فان ذل العبد يكتسب صفة ايجابية وهي الذلة في واقعها عزة للشخصية لان المؤمن يتعزز بعزة الله تعالى فتكون الذلة لله تعالى عزة وهذا من الوضوح بمكان.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من النكات المرتبطة بما تقدم من العبارات سائلين الله تعالى ان يوفقنا للطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******