نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وقد حدثناك عن مقاطع متسللة منه ونواصل حديثنا عن فقرات جديدة منه جاء فيها: (انت يا رب موضع كل شكوى)، الى ان يقول: (جبار الجبابرة، عظيم العظماء كبير الكبراء، سيد السادات مولى الموالي)، وقد حدثناك عن العبارة الاولى وهي جبار الجبابرة وبينا في حينه النكات الكامنة وراء هذه العبارات التي صيغت بالتفصيل وواعدناك بان نحدثك عن الفوارق بين الصفات الواردة في المقطع وهي الجبار والعظيم والكبير والسيد والمولى، وهذا ما نبدأ الحديث عنه الان.
لنتحدث اولاً عن الفارق بين عبارة عظيم العظماء وكبير الكبراء ثم عن الفارق بين سيد السادات، ومولى الموالي.
طبيعياً لا يحس قارئ الدعاء بالفارق ظاهراً بين من هو عظيم وبين من هو كبير لكن لو دققنا في الامر لوجدنا ان العظيم يقابله المعادي او الحقير، بينما الكبير يقابله الصغير هذا من جانب ومن جانب آخر فان النصوص اللغوية تشير مثلاً الى ان الكبر هو الشرف والرفعة بينما العظمة هي التضخيم والتبجيل، والان في ضوء ما لاحظناه نستطيع ان نقرر بان الدعاء عندما يصف الله تعالى بانه عظيم العظماء حينئذ نستخلص عظمته المطلقة بالقياس الى ما هو نسبي عند المخلوقين ونستخلص الدلالة الذاهبة الى ان الله تعالى يحمل صفة التضخيم والتبجيل بصفة ان قدرته المطلقة تستتلي بالضرورة تضخيمها وبصفة ان رحمته تعالى تستتلي تبجيله بالضرورة. ولكن ماذا بالنسبة الى انه تعالى كبير الكبراء؟
قلنا ان الكبير او صفة الكبر تعني الشرف والرفعة لغوياً كما تعني من هو الكبير مقابل الصغير وفي الحالتين فان صفة الشرف والرفعة وكبرهما تظل مختلفة عن صفة من له التضخيم والتبجيل بمعنى ان الله تعالى محل للتبجيل ومحل للرفعة واحدهما غير الاخر فعندما تبجله فهذا يعني انك تنطلق من التقدير لعظمته وادراك حجمها غير المحدود واما عندما تكبره كما لو قلت الله اكبر مثلاً فهذا يعني انك تنظر الى جانب آخر هو انه تعالى لا يكبره شيء أي من حيث سعة هيمنته على الكون لا يكبره شيء قبال هيمنته المذكورة.
يبقى ان نحدثك عن صفتي سيد السادات ومولى الموالي هنا قد ينتقل ذهنك الى المعنى الظاهري الذي يتحدث عن السيد مقابل المسود والمولى مقابل العبد، ولكن الامر ليس كذلك فحسب بل يتجاوزه الى دلالة اخرى هي ان السيد يشير الى معنى السؤدد ومعنى المجد ويشير الى التسلط على الغير وهو معنى السيطرة على الكون وهذا يختلف بطبيعة الحال عن معنى المولى فالمولى في اللغة له معان متنوعة مثل النصير الحليف المحب، ولكن بالنظر الى السياق الذي وردت الصفة المذكورة فيه فان المولى ينصرف الى معنى آخر هو الحاكم والذي يتولى الامر.
اذن نحن الان امام عبارات متقاربة المعنى ولكن الاختلاف بينها يشير الى تعدد صفات الله تعالى من حيث النوع او الكيف فمثلاً من يتولى الامر فهذا يعني انه لا سواه يقوم بالتولية بينما من يسود القوم فهذا يعني التسلط والسيطرة عليهم فالاول يشير الى ما هو اداري والاخر الى ما هو حاكمي مثلاً .
اذن اتضح لنا ولو عابراً بعض ما لاحظناه من الفروق بين عبارات متشابهة هي انه تعالى عظيم العظماء كبير الكبراء سيد السادات مولى الموالي وهي عبارات يتعين على قارئ الدعاء ان يعيها ويتبين دقائق معانيها والا فان قراءته للدعاء دون ان يميز بين فقرات متماثلة في ظواهرها يظل امراً غير مقبول طالما تشير التوصيات الاسلامية الى ضرورة ان يكون قارئ الدعاء واعياً بما يدعو حتى يستجيب الله تعالى له او حتى يتواصل وجدانياً مع الله تعالى والا اصبحت القراءة مجرد نشاط لساني لا معنى له.
اخيراً سنحدثك في لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى عن صفات اخرى ذكرها الدعاء ولكنها تتصل برحمته تعالى وسعتها غير المحدودة والى ذلك الحين نسأله تعالى ان يوفقنا الى معرفة الدعاء وقيمته ودلالاته ومن ثم الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******