ونقل تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، واطلعت عليه «القدس العربي» عن دراسة علمية أجريت مؤخراً في الولايات المتحدة أن استخدام الهاتف الذكي لمدة ساعتين أو أكثر يومياً «قد يزيد من خطر الإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى البالغين».
ويقول العلماء إن العالم يشهد تزايداً في أعداد البالغين الذين يعانون من مرض اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط «ADHD» ويقول الباحثون إن الهواتف الذكية قد تكون السبب.
ويحاول الأطباء معرفة ما إذا كان الارتفاع المطرد في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في مرحلة البلوغ يرجع ببساطة إلى الفحص الأفضل أو العوامل البيئية والسلوكية.
وقالت الدراسة الحديثة التي نُشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية إن الأشخاص الذين يستخدمون هواتفهم الذكية لمدة ساعتين أو أكثر يومياً هم أكثر عرضة بنسبة 10 في المئة للإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط.
ويقول الأطباء إن هذا الاضطراب يرتبط في المقام الأول بالأطفال الصغار، مع احتمال أن يتمكن الطفل من التخلص منه في مرحلة النمو، ولكن عوامل التشتيت التي تخلقها الهواتف الذكية مثل وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية وتدفق الموسيقى والأفلام أو التلفزيون تخلق وباء اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بين البالغين.
ويرى الباحثون أن وسائل التواصل الاجتماعي تمطر الأشخاص بمعلومات مستمرة، مما يجعلهم يأخذون فترات راحة متكررة من مهامهم للتحقق من هواتفهم.
ويقول العلماء إن الأشخاص الذين يقضون وقت فراغهم في استخدام التكنولوجيا لا يسمحون لعقولهم بالراحة والتركيز على مهمة واحدة، ويمكن أن تؤدي عوامل التشتيت المشتركة إلى تطوير فترات انتباه أقصر لدى البالغين ويصبح من السهل تشتيت انتباههم.
وقال إلياس أبو جودة، وهو طبيب نفسي سلوكي في جامعة «ستانفورد» الأمريكية: «لفترة طويلة، كان الارتباط بين اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والاستخدام المكثف عبر الإنترنت بمثابة سؤال الدجاجة والبيضة في مجالنا: هل يصبح الأشخاص مستهلكين كثيفين عبر الإنترنت لأنهم مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ولأن الحياة عبر الإنترنت تناسب مدى انتباههم، أم أنهم يصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه نتيجة للاستهلاك المفرط عبر الإنترنت؟».
ويُعرف العُلماء «اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه» بأنه اضطراب في الصحة العقلية يمكن أن يتسبب في محدودية انتباه الأشخاص أو فرط النشاط أو الاندفاع الذي يمكن أن يؤثر على حياتهم اليومية، بما في ذلك العلاقات والوظائف، مما يجعلهم أقل إنتاجية.
ويقول الباحثون إن المزيد من البالغين «يتحولون» إلى اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بسبب التشتيت المستمر الذي تشكله الهواتف الذكية، مضيفين أن الأشخاص الذين يستخدمون أجهزتهم باستمرار لا يسمحون لأدمغتهم بالراحة في الوضع الافتراضي.
وقال جون راتي، الأستاذ المساعد في الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد: «من المشروع النظر إلى احتمالية نقص الانتباه المكتسب».
وأضاف إن الناس يُدفعون باستمرار إلى القيام بمهام متعددة في مجتمع اليوم، والاستخدام الشامل للتكنولوجيا يمكن أن يسبب إدمان الشاشة، مما قد يؤدي إلى قصر فترة الانتباه.
وتم تعريف اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه تاريخياً على أنه اضطراب وراثي يمكن إدارته من خلال الأدوية والعلاج. لكن الباحثين وجدوا الآن أن تغييرات نمط الحياة في وقت لاحق من الحياة، مثل الاعتماد المفرط على هاتفك الذكي، يمكن أن تجعل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه اضطرابًا مكتسباً.
وإذا كان الشخص يتصفح وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار على هاتفه، فقد يشعر بالحاجة أثناء ساعات العمل إلى أخذ فترات راحة متكررة لمعرفة ما إذا كان شخص ما قد قام بالتعليق أو الإعجاب بمنشوره.
ويمكن أن تصبح هذه الممارسة لا شعورية تقريباً، مما يجعل الشخص يشعر بالتشتت أثناء العمل أو يشعر بعدم القدرة على التركيز، الأمر الذي يمكن أن يتطور إلى اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
وقفز عدد البالغين الذين تم تشخيص إصابتهم باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في جميع أنحاء العالم من 4.4 في المئة في عام 2003 إلى 6.3 في المئة في عام 2020.
ويعاني ما يقدر بنحو 8.7 مليون بالغ في الولايات المتحدة من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، بينما يتم تشخيص ما يقرب من ستة ملايين طفل تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 17 عاماً، وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
وقال راسل رامزي، المؤسس المشارك لبرنامج بنسلفانيا لعلاج وأبحاث اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه للبالغين في كلية بيرلمان للطب بجامعة بنسلفانيا، إن «هذا يعني أن هناك حوالي 366 مليون بالغ في جميع أنحاء العالم يعيشون حالياً مع اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وهو ما يعادل تقريباً عدد سكان الولايات المتحدة».
ووفقا للدراسة، تشير الأدلة إلى أن التكنولوجيا تؤثر على وظائف المخ وسلوكه، مما يؤدي إلى زيادة أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، بما في ذلك ضعف الذكاء العاطفي والاجتماعي، وإدمان التكنولوجيا، والعزلة الاجتماعية، وضعف نمو الدماغ، واضطراب النوم.
ونظر الباحثون في العديد من الدراسات التي يعود تاريخها إلى عام 2014 والتي حللت العلاقة بين اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واستخدام الوسائط.
وأفادوا أن الدراسات وجدت أن المراهقين الذين لم تظهر عليهم أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في بداية الدراسات، أظهروا أن هناك «ارتباطاً كبيراً بين الاستخدام المتكرر للوسائط الرقمية وأعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بعد 24 شهراً من المتابعة».
وركزت دراسة منفصلة أجريت في عام 2018 على ما إذا كانت الهواتف الذكية قد ساهمت في ظهور أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى المراهقين على مدار عامين.
ووجدت تلك الدراسة أن 4.6 في المئة من 2500 طالب في المدارس الثانوية الذين قالوا إنهم لم يستخدموا الوسائط الرقمية، أصيبوا بشكل متكرر بأعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بحلول نهاية الدراسة.
وفي الوقت نفسه، أظهر 9.5 في المئة من المراهقين الذين أبلغوا عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متكرر في بداية الدراسة أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه عند انتهاء الدراسة.
وبالنسبة للبالغين الذين يرغبون في التخلص من الآثار الجانبية غير المرغوب فيها التي تصاحب الإفراط في استخدام هواتفهم الذكية، يجب عليهم اتخاذ خطوات لتطوير علاقة صحية مع التكنولوجيا الخاصة بهم بما في ذلك قضاء وقت أقل على هواتفهم، ووضع حدود زمنية للهاتف، وتخصيص وقت للراحة بعيدًا عن التكنولوجيا.