لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة وما تتضمنه من النكات ومن المعرفة العبادية وسواها ومن ذلك الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وهو الدعاء الذي علمه النبي(ص) الامام علياً(ع) واوصاه بقراءته طيلة العمر، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول: (انت يا رب موضع كل شكوى) الى ان يقول: (منتهى كل حاجة، مفرج كل حزن غنى كل مسكين)، هذه الفقرات الاخيرة هي موضوع حديثنا ونبدأ ذلك بعبارة منتهى كل حاجة فماذا نستلهم منها؟
طبيعياً لا نعتقد ان احداً مهما كانت معرفته ضئيلة الا وهو يعرف تماماً ماذا تعنيه عبارة ان الله تعالى هو منتهى كل حاجة ولكن مع ذلك فان العبارة تحتاج الى مزيد من القاء الاضاءة عليها وهذا ما نحاول التوفر عليه.
من البين ان حاجات الانسان لا يمكن في الحالات كلها ان تتحقق من خلال الاخرين نظراً لمحدودية طاقة الاخرين سواءاً كانت محدوديتهم في نطاق ما هو نفسي او نطاق ما هو مادي، فمثلاً لو كررت الطلب من صديق لك مرات عديدة فلابد وان يمل من طلبك وحتى لو فرضنا استعداده لانجاز طلبك المتكرر فان الطلب في حالة زيادته أي تنوع الحاجات لا يتناسب والطاقة البشرية المحدودة في امكاناتها والعاجزة عن اشباع حاجاتك جميعاً وهذا بالعكس تماماً من طلبك حاجاتك الى الله حيث انه تعالى لا يمل ولا من تكرار الطلب بل يحب الله تعالى صوت عبده تكراراً ولذلك وجد من النصوص الشرعية ما يشير الى ان الله تعالى اذا احب عبداً فانه يؤجل قضاء حاجاته حتى يسمع دعاء عبده متكرراً وهذا حيث عدم الملل، ولكن ماذا من حيث عدم محدودية حاجات الانسان؟ ايضاً ان الله تعالى يختلف عن البشر في كونه قادراً على كل شيء ولذلك فهو قادر على ان يحقق جميع الحاجات التي يطلبها العبد مهما كثر عددها بعكس البشر المحدود الطاقات من هنا يمكننا ان نفهم معنى عبارة الدعاء القائلة بان الله تعالىمنتهى كل حاجة بمعنى ان تنتهي حاجات العبد من خلال توكيلها الى الله تعالى مهما بلغ عددها وحجمها.
بعد ذلك نتجه الى عبارة مفرج كل حزن فماذا نستخلص منها؟ ايضاً هذه العبارة من المألوف سماعها ومعناها ولكنها ايضاً تحتاج الى القاء الانارة عليها فماذا نستلهم منها؟ ان الحزن هو مقابل السرور مقابل الفرح وطبيعياً ان الشخصية الحزينة بعامة بحاجة الى من يذهب حزنها بيد ان السؤال هو ان الدعاء قد استخدم عبارة مفرج أي ان الله كاشف الحزن عن عبده وهو نكتة ينبغي لفت النظر اليها وذلك لان الحزن هو احساس قلبي داخلي والداخل يحتاج الى من يعرضه الى الخارج ليزول وهذا ما ينسحب على كلمة مفرج كل حزن بمعنى ان الله يخرج من اعماق عبده ما يتحسسه ويخزنه من الحزن وبذلك يتم الخلاص منه ويغمر الفرح صاحبه.
والان لنتجه الى فقرة او عبارة غنى كل مسكين فماذا نستخلص منها؟ ايضاً هذه العبارة تتسم بألفتها وسهولتها ووضوحها، ولكن مع ذلك نتساءل فنقول لماذا انتخب الدعاء كلمة مسكين بدلاً من فقير حيث ان عبارة انه تعالى غنى كل مسكين معناها غنى كل فقير فلماذا لم تستعمل كلمة فقير واستخدمت كلمة مسكين من الواضح ان المسكين هو اسوأ حالاً من الفقير أي ان المسكين اشد حاجة من الفقير ولذلك استخدم الدعاء كلمة مسكين ليشير بها الى الحاجة او الفقر الشديد لدى العبد وان الله تعالى هو المغني لهذا المسكين.
اذن ادركنا جانباً من الدلالات التي استوحيناها من العبارات في الدعاء كالحاجة لدى المسكين او الحزين وسواهما وان الله تعالى هو المفرج والمغني والقاضي لحاجات عباده. والاهم من ذلك هو ان نستثمر هذا الدعاء لنتوسل بالله تعالى بان ينجز جميع حاجاتنا ويوفقنا الى الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******