نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وهو الدعاء الذي علمه النبي(ص) الامام علياً(ع)، واوصاه بقراءته طيلة العمر وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونتابع احد مقاطعه الباديء بقوله(ص): (انت الله الذي لااله الا انت)الى ان يقول: (رحمتك واسعة، وعفوك عظيم وفضلك كثير وعطاؤك جزيل) لنلاحظ ان هذه السلسلة من نعمه تعالى تتصل بجانب خاص هو الرحمة والعفو والفضل والعطاء، أي هي مفردات من نعمه تعالى خاصة بما يمنحه تعالى لعباده والان لنتحدث عن كل منها، ونبدأ ذلك بالحديث عن (الرحمة الواسعة)، فماذا نستلهم منها؟
قد يقول قارئ الدعاء ان هذه الفقرة او العبارة لا تحتاج الى توضيح نظراً لبساطة دلالتها ووضوحها وسنجيب قارئ الدعاء بان العبارة مع وضوحها تحتاج الى اضاءات كثيرة هذا من جانب، من جانب آخر ندعو قارئ الدعاء الى ملاحظة العبارات اللاحقة بها وهي عبارات تتحدث عن العفو والفضل والعطاء وكلها عبارات متقاربة في المعنى، وهذا يدلنا على ان لهذه العبارات الواضحة والمألوفة نكاتها وطرافتها وعمقها وثراء دلالاتها وهذا ما نتوفر على توضيحه ان شاء الله تعالى. اذن لنعد الى العبارة الاولى وهي رحمتك واسعة فماذا نستلهم منها؟
نقول ان الرحمة بشكل عام هي السمة الاشد لصوقاً بظاهرة الخير وهو القابل او المرتبط بظاهرة القدرة الالهية أي ان القدرة والخير لا ينفصم احدهما عن الاخر طالما نعرف في تجاربنا البشرية ان القوة وحدها قد تسيطر على مجتمع ما، ولكن الخير قد يغيب عنها، وهذا ما لا فائدة فيه حيث ان البشر اذا سيطر بقوته دون ان يردفه بنبض انساني وهو الخير حينئذ يسود ظلم الانسان لاخيه واذا سيطر عليه الخير ولكنه لا يملك قوة حينئذ لا يستطيع ان ينشر العدل في مجتمعه لذلك فان المجتمع السعيد هو المجتمع الذي يجمع بين الخير وبين القوة لتحقيق سعادته.
والان لننتقل الى الساحة المقدسة فماذا نجد؟ نجد ان الخيروالقوة هما الفيض الزاخر من الله تعالى، مع ملاحظة ان الرحمة هي المفردة الاشد لصوقاً بمفهوم الخير، كيف ذلك؟ لنلاحظ ان الله تعالى يصف ذاته المقدسة بـ "الرحمان الرحيم" وكما ورد في النصوص المفسرة بان الرحيم خاصة للمؤمنين وصفة الرحمان عامة للكون جميعاً.
واذن عندما يصف تعالى ذاته بالرحمن الرحيم من خلال البسملة التي تستهل بها جميع الاعمال، حينئذ نستكشف بان مفهوم الرحمة هو المفهوم الاشد لصوقاً بالخير، من هنا نتجه الى تحليل العبارة القائلة رحمتك واسعة.
ولا ندقق طويلاً حتى نستكشف سريعاً بان الله تعالى ما دام كاملاً كمالاً مطلقاً حينئذ فان الرحمة منه تظل مطلقة لا حدود لها ولا نهاية وهذا مايفسر لنا قوله(ص) رحمتك واسعة أي ان النبي(ص) خلع على الرحمة الالهية سمة السعة ليشير بها الى ما ذكرناه من ان الرحمة الالهية من السعة الى درجة لا يمكن تحديدها وهذا هو منتهى الخير الذي يسم ذات الله تعالى.
اذن امكننا ان نتبين ولو سريعاً جانباً من النكات المرتبطة بالعبارة الواضحة عبارة ورحمتك واسعة والامر كذلك بالنسبة الى السمات الاخرى الواردة في مقطع الدعاء وهو ما نحدثك عنها في لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى.
اما الان فحسبنا ان نتجه الى الله تعالى ليشملنا برحمته الواسعة ويوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******