نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وهو الدعاء الذي علمه النبي(ص) الامام علياً(ع) واوصاه بقراءته يومياً طيلة العمر وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول (امرك غالب وعلمك نافذ وكيدك غريب) ثم يقول (ووعدك صادق وقولك حق، وحكمك عدل، وكلامك هدى) ، هذا المقطع وما يليه يتضمن سلسلة من السمات التي تبلور لنا حقائق فعل الله تعالى في مختلف المجالات، امن ذلك مثلاً عبارة وعدك صادق وهي عبارة من الوضوح بمكان ولكن الظاهرة تحتاج الى اضاءة كبيرة وذلك لانسحابها على السلوك البشري بدوره حيث نعرف جميعاً ان النصوص الشرعية حينما ترسم لنا ملامح الظاهرة انما تستهدف من ذلك تعميق معرفتنا بها من جانب وضرورة الافادة منها في تعديل سلوكنا من جانب آخر.
ولنحدثك عن عبارة وعدك صادق في ضوء الحقيقة المتقدمة ان الوعد يجسد واحدة من مفردات الحقائق المتصلة بالله تعالى من جانب وبالبشر من جانب آخر، طبيعياً ان السمات المتصلة بالله تعالى تتميز بكونها متفردة منحصرة به تعالى وبكونها في حالة ما اذا كانت من السمات المأمور بالافادة منها معياراً يهتدي به البشر ان النصوص الشرعية تطالبنا بان نتخلق باخلاق الله تعالى ومن ذلك ظاهرة الوعد من حيث الالتزام به حتى انك تلاحظ بان القرآن الكريم مثلاً يخلع على كل نبي من انبياء الله صفة خاصة مثل صفة الصبر بالنسبة الى ايوب(ع) وصفة الشكر بالنسبة الى نوح(ع) وهكذا، وهنا نجد ان صفة الصدق في الوعد برسمها بالنسبة الى اسماعيل(ع) فيقول (واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد)، من هنا نستكشف مدى اهمية وخطورة هذه الصفة بحيث يرسم بها القرآن الكريم شخصية نبوية كشخصية اسماعيل(ع) من هنا ايضاً يتعين علينا ان نحدثك عن المعطيات المترتبة على هذه السمة في ميدان السلوك الاجتماعي.
لو دققنا النظر في التوصيات الاسلامية لوجدنا ان احد احاديث المعصومين عليهم السلام يشير الى ان صفة الخلف في الوعد وصفة الكذب في الكلام وصفة الخيانة في الامانة تعد من النفاق أي ان الشخصية التي لا تصدق في وعدها هي شخصية منافقة وهذه مأساة دون ادنى شك بالنسبة الى امثلة هذه الشخصيات غير الصادقة في وعدها ولعلك تتساءل عن السبب الكامن وراء سمة النفاق التي تطيع الشخصية غير الصادقة في وعدها وهذا ما يمكننا توضيحه من خلال ما يأتي: نتساءل اولاً ما هو النفاق؟ النفاق هو سلوك ازدواجي يقوم على اظهار الشيء بخلاف حقيقته كالشخصية التي تتظاهر بالايمان وهي كافرة وهدفها من ذلك هو ان تشبع حاجاتها الدنيوية من وراء السلوك المذكور ولعل المنافقين المعاصرين لزمن الرسول(ص) مثال واضح للشخصيات المذكورة حيث ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم مما لا حاجة الى الاستشهاد بنصوصها.
بيد ان النفاق ينسحب على مطلق السلوك غيرالصادق في حقيقته وفي مقدمته الكذب حيث نعرف جميعاً بان الكذب في التصور الاسلامي هو مفتاح المعاصي جميعاً وكذلك الخلف في الوعد، كيف ذلك؟
من البين ان الكاذب في سلوكه الظاهري انما يكذب بدوره في علاقته مع الله تعالى ولذلك ينسحب كذبه على مفردات سلوكه في مختلف الميادين وتتحقق المعصية بذلك والخلف في الوعد هو واحد من المفردات المنطوية على الكذب، كيف ذلك؟ من الواضح ايضاً ان الخلف في الوعد هو كذب صريح لان الشخصية التي تعد بان تصنع شيئاً ما ثم لا تصنع ذلك انما تكون كاذبة في كلامها المذكور فتصبح منافقة لانها تظهر بخلاف ما تبطنه انها لا تلتزم بالوعد وهو باطن سلوكياً ولكنها تعد لفظياً وهو ظاهر سلوكياً فتصبح بذلك منافقة.
اذن امكننا ان نتبين مدى اهمية السلوك المرتبط بالصدق في الوعد حيث يتعين علينا ان نستثمر قراءتنا لهذا الدعاء فنعمق معرفتنا بالله تعالى من جانب ونبدل سلوكنا او نعد له من جانب آخر، بحيث تتخذ من سمة الصدق في ما نعد به مثالاً ندرب ذواتنا عليه ومن ثم ندرب ذواتنا على مطلق الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******