نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وهو الدعاء الذي علمه النبي(ص) الامام علياً(ع) واوصاه بقراءته يومياً طيلة العمر.
وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونتابع الان سائر مقاطعه ومنها المقطع القائل (امرك غالب وعلمك نافذ وكيدك غريب)، وفي لقاء سابق حدثناك عن العبارة الاولى وهي امرك غالب حيث انتهينا من ذلك الى ان الهدف او النكتة الكامنة وراء العبارة المتقدمة هي ان الله تعالى هو الفعال لما يريد دون ان يحجزه سلوك الاخرة بمعنى ان العبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ونحدثك الان عن العبارة الثانية وهي علمك نافذ فماذا نستخلص منها؟ العبارة كما تلاحظ من الوضوح بمكان ولكنها كالعبارة التي سبقتها تنطوي على نكات يجدر بنا ملاحظتها اننا نعتقد بوضوح بان الله تعالى عالم بلا حدود أي العلم المطلق وهو المانح لعباده ما شاء من المعرفة بيد ان السؤال هو ماذا نستلهم من كلمة النفاذ؟ النفاذ هو اجراء الشيء وقضاؤه، وبالنسبة الى العلم فان المقصود من ذلك بالنسبة الى الله تعالى ان علمه وهو المطلق بلا حدود ينفذه في فاعليته الكونية دون ان يحجزه قصور او تردية او توقف في اجرائه للاشياء، وتجدر الاشارة هنا الى مفهوم واصطلاح هو البداء حيث ان نفاذ علمه تعالى ينسحب حتى على البداء بصفة انه تعالى عالم بما يتطلبه الموقف من تنفيذ حكم ما في مرحلة معينة ورفعه في مرحلة اخرى بحسب ما تقتضيه المصلحة الاجتماعية او الفردية ففي الحالات جميعاً يظل الانفاذ لعلمه هو المتحكم في المواقف ونتجه الى العبارة الثالثة وهي وكيدك غريب، ولعل هذه العبارة تقترن بشيء من التساؤل حيال دلالتها او نكاتها والا فان المعنى اللغوي واضح بطبيعة الحال والسؤال هو ما المقصود بالكيد اولاً ثم المقصود من غرابته بالنسبة الى الكيد يعني المكر او الخداع او الاحتيال ومن الطبيعي ان الله تعالى وهو الكامل مطلقاً لا يصدر منه الا ما هو ايجابي من الفعالية ولذلك من الممكن ان يتساءل قارئ الدعاء اذا كان متسرعاً كيف نجمع بين ظاهرة الكيد وبين صفات الله تعالى؟ الجواب ببساطة هو ان الله تعالى يتعامل مع الكفار والمنحرفين بما يتساوق والعقاب الذي يطالهم فمثلاً نقرأ في النصوص القرآنية ان الكفار يكيدون ويقول الله تعالى «انهم يكيدون كيداً / واكيد كيداً» ويقول عن المنافقين «واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤون / الله يستهزئ بهم» ويقول تعالى: «والله خير الماكرين»، ان هذه النصوص القرآنية الكريمة تحدد لنا بوضوح بان الله تعالى يعامل المنحرفين بما يدفعهم به حيث يخيل اليهم ان المكر والخداع والاستهزاء وما الى ذلك مما يصدر عنهم انما هو ذكاء منهم بينما يجيبهم الله تعالى بلغتهم التي صدروا عنها حتى يكون العقاب اشد الماً عليهم.
نستخلص مما تقدم ان السخرية من المنحرفين مثل قوله تعالى مثلاً عنهم: «ذق انك انت العزيز» حيث يسخر من المنحرف ويقول له «ذق العذاب» ويقول له انت العزيز في قومك بينما هو غارق في اشد العذاب عذاب جهنم وهو امر يزيد من العذاب النفسي للمنحرف بالاضافة الى العذاب الجسدي.
ختاماً قبل ان نواصل حديثنا في لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى عن سائر ما ورد في مقطع الدعاء يجدر بنا ان نذكر انفسنا بضرورة استثمارنا لهذا الدعاء وذلك بان نتجه الى الله تعالى بالدعاء بان يوفقنا لطاعته والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******