لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ "يستشير" حيث حدثناك عن مقاطع منه في لقاءات سابقة، ونحدثك الان عن مقطع جديد وهو (انت الله الذي لا اله الا انت، الخلاق المعين، او الخلاق العليم) هذا المقطع هو امتداد او لنقل ابتداء لمقاطع جديدة تتحدث عن الله تعالى عبر سلسلة من صفاته عز وجل قدرته ورحمته وما يدور في المحور المشار اليه ... ونقف عنده الان ...
طبيعياً الشطر الاول من العبارة وهي (انت الله الذي لا اله الا انت) يتحدث عن التوحيد او الوحدانية وهو امر مألوف في النصوص الدعائية وغيرها غير ان الملفت للنظر هو ان الدعاء الذي نتحدث عنه يتميز بخصائص ونكات متنوعة بحيث ان النبي(ص) علم الامام علياً(ع) هذا الدعاء واوصاه بقراءته يومياً طيلة العمر مما يكشف عن الحقيقة المذكورة ولعل ما تمكن ملاحظته بالنسبة الى الوحدانية اوالتوحيد هو ظاهرة التكرار لكلمة انت في بداية العبارة ونهايتها حيث قال(ص) (انت الله الذي لا اله الا انت) ان هذا التكرار له دلالته البلاغية الكبيرة دون ادنى شك حيث تستهدف التعميق لمفهوم الوحدانية واستحضاره في ذهن قارئ الدعاء وتثبيته وهو المطلوب لكن السؤال هو ماذا بعد العبارة المذكورة ان قارئ الدعاء لابد وان يتساءل عن السر الكامن وراء التمهيد بتكرار عبارة "انت" بحيث ان ما يأتي بعدها لابد وان ينطوي على نكتة خاصة الا وهي السمة القائلة (انت الخلاق العليم) او المعين، اذن لنتحدث عن هذه السمة.
الملاحظ ان نسخ الدعاء تتردد بين عبارة او سمة الخلاق المعين والخلاق العليم وفي تصورنا ان كليهما يحمل دلالته ونكاته. المهم ان كلمة الخلاق هي المستهدفة اولاً وقد صاغها الدعاء بصيغة المبالغة وهو امر يتجانس تماماً مع ما سبقها من العبارات مثل قوله(ص) (انت الله لا اله الا انت كنت اذ لم تكن سماء مبنية ولا ارض مدحية ولا شمس مضنية ولا ليل مظلم)، ان هذه الظواهر المتصلة بخلق الارض والسماء والشمس والنهار والليل والقمر والرياح والسحاب، انها جميعاً ظواهر خلقها الله تعالى ولذلك عندما جاءت عبارة الخلاق بصيغة المبالغة فانما لتتجانس مع الظواهر المتسلسلة التي عرضها الدعاء.
وهذا فيما يتصل بنكتة العبارة القائلة بان الله تعالى هو الخلاق ولكن ماذا بعد العباراة المتقدمة، العبارة الجديدة او بالاحرى الصفة او السمة التي الحقها الدعاء بكلمة الخلاق هي المعين او العليم وفي نظرنا ان كليهما تتجانسان مع الموقف مع احتمالنا بان كلمة العليم هي الاكثر لصوقاً بسياق الدعاء، لماذا؟
السبب هو ان الدعاء يتحدث عن خلق الله تعالى بحيث استخدم صيغة الخلاق كما قلنا وهذه السمة تقترن كما هو واضح بظاهرة العليم أي الخلق او الابداع من حيث كونه مرتبطاً بسمة العلم بهذا او تلك الظاهرة وهذه الصياغة وردت بدورها في النص القرآني الكريم مثل قوله تعالى (وهو الخلاق العليم) مما يعزز ذهابنا الى ان عبارة الخلاق العليم هي اكثر تجانساً مع سياق الدعاء الذي يتحدث عن خلق الله تعالى للظواهر الكونية المختلفة.
اذن امكننا ان نتبين ولو سريعاً جملة من النكات الكامنة وراء الفقرة المتقدمة ونعني بها (انت الله الذي لا اله الا انت الخلاق العليم) سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى الشكر لنعمه تعالى والى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******