لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الذي علمه الرسول(ص) علياً(ع) وهو ما يطلق عليه اسم "يستشير" وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونحدثك الان عن مقطع جديد يبدأ بقوله(ص) (فأنا اشهد بانك انت الله لا رافع لما وضعت ولا واضع لما رفعت ولا معز لمن ذللت ولا مذل لمن اعززت ولا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت) هذا المقطع من الدعاء يتضمن كما تلاحظ ثلاثة موضوعات او ثلاث ظواهر هي الرفعة ومقابلها الضعة والعز ومقابله الذل والعطاء مقابله المنع ونظراً لاهمية هذه الظواهر من حيث صلتها بحياتنا اليومية التي نحياها وانعكاسات ذلك على المصائر الاخروية والدنيوية للشخصية لذلك يحسن بنا ان نتناولها بالتفصيل ما دام الدعاء يضطلع بمنافع كثيرة لقارئه.
ان الظاهرة الاولى التي عرض لها مقطع الدعاء هي ظاهرة الرفعة ومقابلها الضعة وقبل ان نتحدث عن صلة هذه الظاهرة باشاءة الله تعالى يجدر بنا ان نناقشها من حيث السلوك ودوافعه لذلك نقول ثمة فارق بين الضعة والتواضع وكذلك بين الرفعة والاحساس بالعلو فالضعة هي تدني السلوك من جانب والنظرة الصادرة عن الناس حيال الوضيع من جانب آخر ان الشخصية قد تكون وضيعة بسبب طمعها وجشعها وحبها للذائذ الحياتية وقد لا تكون كذلك الا ان الناس يجدونها وضيعة لمجرد انها فقيرة مثلاً او انها تمارس عملاً اجتماعياً يحسبه الاخرون وضيعاً كالخادم مثلاً.
طبيعياً ان الفارق بين الشخصية المؤمنة الملتزمة وبين غيرها من الشخصيات العادية او قليلة الوعي الديني هذا الفارق بينهما هو ان الشخصية المؤمنة لا تتحسس البتة الضعة لو كانت خادماً او اقل من ذلك لان المهم هو ممارستها للطاعة بحيث تعني برضاه تعالى عنها وليس رضى الناس والعكس هو الصحيح ايضاً أي اذا كانت الشخصية المؤمنة تحتل موقعاً اجتماعياً رفيعاً حينئذ لا تعنيها هذه الرفعة امام الناس بل يعنيها ان تقترن برضى الله تعالى أي ان الله تعالى هو المحدد لرفعة الشخصية او عدمها وفي ضوء هذه الفارقية نتجه الى مقطع الدعاء القائل لا رافع لما وضعت ولا واضع لمن رفعت.
ترى ماذا نستخلص من العبارة المذكورة؟ العبارة تقول ان الله تعالى اذا حكم على الشخصية بالوضاعة حينئذ لا قيمة لرأي الناس وبكلمة اكثر وضوحاً نقول اذا جعل الله تعالى شخصية ما وضيعة نتيجة معصيتها مثلاً لا ينفع هذه الشخصية نظر الناس اليها اذا كانوا يعتبرونها رفيعة فالرفيع هو ما رفعه الله والوضيع ما وضعه الله تعالى وهذا هو المعيار الاسلامي في سمات الشخصية الرفيعة او الوضيعة.
والامر كذلك بالنسبة الى الشخصية الذليلة او العزيزة فالشخصية قد تكون ذليلة في نظره تعالى بسبب معصيتها ولكنها عزيزة في نظر الناس، لذلك لا قيمة البتة لنظر الناس بالنسبة الى حكمهم عليها بالعز والعكس هو الصحيح ايضاً أي ان الله تعالى اعز المؤمن بسبب طاعته لله تعالى فان نظر الاخرين اليه ذليلاً لا قيمة للنظر الاخير أي نظر الناس فالعز او الذل هو ما يتحقق من خلال حكم الله تعالى على الشخصية وليس من خلال حكم الناس لذلك نجد من يعتبره الاخرون يسقط متاع مثلاً نجده عند الله تعالى محتلاً ارفع الدرجات وكذلك نجد من يعتبره الاخرون عزيز القوم نجده عند الله ذليلاً لا قيمة له البتة.
والامر كذلك بالنسبة الى الظاهرة الثالثة وهي العبارة القائلة (لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت) لكن بما ان هذه الظاهرة ترتبط بالبعد الاقتصادي وما يواكبه من تصورات متنوعة نجد ان الحديث عنه يتطلب تفصيلاً وهو ما نحدثك عنه في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى. ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى طاعته والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******